قصة الباخرة سور

جفرا نيوز - سحر بيبرس في الوقت الذي ينشغل فيه خبراء وقانونيون في الاختلاف حول توصيف حالة مغادرة الباخرة "سور" من ميناء العقبة بين اعتبارها هروبا أو مخالفة لإجراء إداري، قالت مصادر مطلعة إنّ "مغادرة الباخرة لميناء العقبة لا تترتب عليها أي تبعات حتى لو لم تقم بأخذ أوراقها وشهاداتها الموجودة حاليا لدى السلطة البحرية الأردنية".
وقالت المصادر إنّ الباخرة، التي تحمل العلم الليبيري، من السهل أن تخرج شهادات (بدل فاقد) بديلة من الدولة التي تسجل فيها الباخرة.
ووصفت المصادر خروج الباخرة من المياه الإقليمية بأنه "تم بكل سهولة" لأنّ الباخرة زودت بالوقود قبل أيام من إبحارها، كما لم يتم إلزامها بالاصطفاف في مكان يسهل السيطرة عليها فيه.
وأشارت المصادر إلى أنّ حادثة الباخرة "سور" لم تكن الأولى وأنّ هناك حالات سابقة لبواخر كانت قد "هربت" أو غادرت المياه الإقليمية بدون إذن، كما أن هناك قضايا سابقة مماثلة لبواخر حملت "الذرة" لذات المستورد الأردني.
ولخصت المصادر أنّ المشكلة الرئيسية في قضية الباخرة "سور" هو قيام السلطات الجمركية بالتخليص على البضاعة قبل وصولها إلى الميناء، ومن ثم رفضت البضاعة صحيا من وزارة الزراعة، وبالتالي وقوع المشكلة بين إدخال البضاعة أو إعادة تصديرها.
قصة الباخرة سور
 بدأت القصة عندما قام مستورد أردني باستيراد كمية من الذرة من الهند في منتصف العام الحالي وقبل وصول الباخرة "سور" لميناء العقبة بعدة أيام باشر صاحب البضاعة بفتح معاملة جمركية للتخليص على البضائع بحيث عندما تصل الباخرة للعقبة تكون إجراءات المعاملة الجمركية قد استكملت.
وتشير المعلومات الى أنّ المعاملة الجمركية كانت قد استكملت مع وصول الباخرة، إلا أنّ ما وقف في طريق إدخال البضاعة هي الموافقة الصحية التي تصدر عادة من دائرة الرقابة الصحية في وزارة الزراعة والتي تقوم بمعاينة البضاعة وبالفعل تمت المعاينة على حمولة الذرة ولدى معاينتها تبين أنها تحتوي على حشرات، الأمر الذي منع سلطات الميناء من الموافقة على تفريغ الحمولة خصوصا أنّ هذه الحمولة هي عبارة عن مواد غذائية لا يمكن التغاضي عن إدخالها.
يشار إلى أن السلطات الجمركية لا تعلق شرط استكمال المعاملة الجمركية على شرط "الموافقة الصحية" من وزارة الزراعة.
وهنا وبناء على أنّ القانون الأردني يمنح السلطات الجمركية صلاحية "إلزام" صاحب البضاعة بإعادة تصدير البضاعة فإنّ الجهات الحكومية قامت بالطلب من صاحب البضاعة بإعادة تصديرها، إلا أنّ صاحب البضاعة (المستورد الأردني) قام بدلا من ذلك بمحاولة الحجز قضائيا على الباخرة لدى محكمة بداية العقبة بدلا من إعادة تصدير البضاعة "المخلص عليها قبل وصولها".
ولم تجر المحكمة "إيقاع الحجز" الأمر الذي أبقى الباخرة في وضعية تعليق بين مراوحة الجهات الرسمية في العقبة والشركة المستوردة؛ حيث لا الجهات الرسمية ولا الشركة المستوردة اتخذت أي إجراء تجاه هذه الباخرة التي استقرت في الميناء لما يزيد على 4 أشهر، وأمام هذا الوضع وهو استمرار اصطفاف الباخرة في الميناء مع تراكم الخسائر على صاحب الباخرة قرر صاحب الباخرة مغادرة الميناء.
وتشير مصادر مينائية أنه عندما يتم رفض البضاعة من الناحية الصحية وبعد أن يكون قد خلّص عليها جمركيا تصبح إعادة تصديرها بيد المستورد الذي استوردها بحيث لو رغب في إعادة تصديرها فله الخيار في ذلك، ولا يمكن إرغامه، وبإمكانه الحجز عليها بذريعة أنه وقع ضحية لبضاعة فاسدة.
وتشير مصادر مينائية الى أنّ الباخرة كانت قد طلبت قبل أيام من مغادرتها بتزويدها بالوقود، ما سهل عملية مغادرتها، كما أنه لم يكن قد طلب منها الرسو في مكان يسهل السيطرة عليه.
وتؤكد مصادر مينائية مطلعة أنّ موضوع الباخرة "سور" ليس فريدا من نوعه؛ فلطالما كان هناك هروب لبواخر، وكان آخرها قبل شهرين، عندما غادرت باخرة أخرى "محملة ببضائع زراعية" بنفس طريقة سور بدون أن يكون هناك أي تحقيق أو قصة حول البواخر.
وتؤكد المصادر أنّ المستورد الذي استورد البضاعة على الباخرة "سور" كانت له تجارب سابقة في هذا المجال.
وتؤكد المصادر التي قدمت لـ"الغد" وثائق أنه لم تكن المرة الأولى التي تقدم بها هذه الشركة على معاملات استيراد لبضائع فاسدة بل إنّ هناك بواخر أخرى سابقا قامت باستيرادها بذات الطريقة مستغلة القصور في الإجراءات الجمركية.
وتشير ذات المصادر إلى أنّ المصلحة التي يحققها المستورد بهذا الخصوص هي من خلال الضغط على الشركة المؤمنة على الباخرة ونادي الحماية العالمي التي تتبع له الباخرة من حيث خلق حالة تفرض فيها تعويض صاحب الباخرة وبالتالي صاحب البضاعة عن البضاعة حيث إنّ الأندية تؤمن أصحاب البواخر عن المسؤولية التي تلحق بهم في عمليات النقل "وهي الحالة التي لم تتم بنجاح في حالة "سور" حيث لم يستطع المستورد إخراج أمر بحجزها قضائيا".
ووفق المصادر، فإنّ المستورد وبعد أن يختلق الحالة يتم تعويضه بمبلغ مقارب لثمن البضاعة والتي كان قد تمّ شراؤها بأسعار فعلية تقل عن الرقم المقدر بكثير.
قصة الباخرة "تمارا"
وتروي المصادر أنّ هناك قصة مماثلة لبضاعة استوردها ذات التاجر وهي أيضا ذرة من الهند العام 2008 ولم يستطع إدخالها الى الأردن وقام بإعادة تصديرها إلى لبنان ومن ثم وبعد رفضها من لبنان تم تصديرها الى تركيا؛ حيث إنه في حال رفضت بضاعة في أي دولة عربية يتم رفضها من الدول العربية كافة.
وتؤكد المصادر أنّ تلك الشركة المستوردة كانت قد قامت باستصدار شهادة صحية من وزارة الزراعة تشهد بها على صلاحية الذرة التي كانت قد قامت الوزارة نفسها برفضها؛ حيث "قامت باستصدار شهادة صحية لبضائع كانت هي قد قدرت رفضها وثانيا أنها قامت باستصدار تلك الشهادة بعد أن كانت الباخرة قد غادرت العقبة".
وتقول المصادر إنّ الشركة كانت قد استصدرت أيضا شهادة منشأ من غرفة تجارة الأردن لإعادة تصدير البضاعة وذلك بعد خروج البضاعة بأشهر من العقبة.
هروب أم تهرب الباخرة سور
الخبير ومدير مؤسسة الموانئ سابقا، الدكتور دريد محاسنة، لا يعتبر مغادرة الباخرة "هروبا" سيما وأنه ليس هناك أمر قضائي بحجزها، لكن من الناحية الفنية يعتبر هروبا لأنها لم تأخذ موافقة السلطات المحلية للمغادرة حيث لا بد من الباخرة أن تخبر السلطة المعنية عن موعد دخولها الحدود البحرية للدولة وموعد خروجها ويتم إعطاؤها إذن الخروج في حال لم يكن عليها أمر قضائي أو رسوم أو مخالفات.
ويشير محاسنة الى أن ما تمّ في قصة الباخرة سور هو "خدعة للخروج من الميناء"، معتبرا أنّ هذا يمس بسيادة الدولة وهيبتها.
ويقر محاسنة أنّ هروب باخرة وحدوث مثل هذه المشاكل مع بواخر لم يكن المرة الأولى، مشيرا الى أن هناك مشكلة في عدم وجود محكمة متخصصة بالقضايا البحرية تنظر في قضايا البواخر بشكل سريع ومتخصص ما يؤخر عادة مثل هذه القضايا، مؤكدا أنّ هناك ضعفا في الرقابة للسلطة البحرية.
ووفق الخبير القانوني غسان معمّر فإنّ الباخرة سور وجدت نفسها ضحية لتناقض بين الإجراءات الجمركية التي أباحت لصاحب الباخرة التخليص عليها جمركيا قبل تفريغ البضاعة ومعاينتها والاطلاع عليها والكشف حسيا عليها، وبالتالي أصبحت الباخرة أمام عدة مخالفات ساهمت بها السلطة البحرية في العقبة والسلطة الجمركية والشركة المستوردة.
وقال إنه أمام هذا الوضع كان لا بدّ لأصحاب الباخرة من البحث عن مخرج ينقذهم من الخسائر المالية الكبيرة، وبالتالي اضطروا الى مغادرة الميناء بارتكاب مخالفة إدارية لإجراءات الميناء من حيث عدم الحصول على تصريح للمغادرة من الميناء لا أكثر ولا أقل.
ويرى معمّر أنّ صاحب الباخرة يعمل لمصلحته ومن حقه أن لا تبقى باخرته ضحية لسلسلة مخالفات إدارية وضعتها بها السلطات الجمركية في العقبة.
 ويرى معمّر أنّ الضجة التي أثيرت على ما سمي بهروب الباخرة سور فيه محاولة لتضليل الرأي العام عن قصة أخطر من ذلك وهي إجراءات المعاملة الجمركية لبضاعة لم تصل بعد، مضيفا أنه من حق صاحب الباخرة سور (وهي أجنبية تحمل العلم الليبيري) أن تغادره بعد قدومها للميناء ضمن المدة المعقولة للتفريغ، وبالتالي فإنّ مؤسسة الموانئ تلجأ عادة لاستلام شهادة تسجيل الباخرة من صاحب الباخرة عند وصولها الميناء لإعادة تسليمه إياها عند انتهاء معاملات التفريغ والرسوم المترتبة على الباخرة أو ترك الباخرة معلقة على هذا النحو دون وجود أمر قضائي باحتجازها. ويحمل معمّر الجهات المسؤولة في العقبة مسؤولية تعويض أصحاب البواخر عن هذا التأخير الذي تسببه لهم، وبالتالي سيكون من حقهم البحث عن ملاذ آخر لتفادي التداعيات المالية الهائلة التي تلحق بهم فيما لو بقيت الباخرة محتجزة على هذا النحو بدون أمر قضائي، وبالتالي فإنّ ما أطلق عليه هروبا هو فعليا ليس هروبا من الناحية القانونية بل مخالفة لإجراءات كان السبب فيها المخالفات التي تسببت بها إدارات العقبة من جمارك وغيرها. وأضاف، الأصل أنّ القانون لا يسمح بالتخليص على بضائع غير موجودة في منطقة الحرم الجمركي، وبالتالي فإنّ هذا فيه مخالفة كبيرة لإجراءات التخليص الجمركي بأن أي محاولة لتعليق جسم الباخرة رهينة لوضعية أخرى لا شأن للباخرة بها يحمل السلطات الرسمية في العقبة مسؤولية تجاه أصحاب البواخر.  وأشار إلى أن سمعة ميناء العقبة تضررت كثيرا جراء ذلك، الأمر الذي دفع بالخطوط الملاحية الكبرى الى تفاديه وبقي "مزارا" للبواخر الجوالة، مضيفا أنه من المعروف عالميا أنّ أي ميناء لا تقصده إلا البواخر الجوالة هو سيئ السمعة؛ حيث إنّ "الخطوط الملاحية الكبرى تخشى من الإيقاع ببواخرها في مثل هذا الميناء".
ويعتبر معمّر آليات العمل الجمركي في العقبة "فخا" يتم اصطياد البواخر فيه في ميناء العقبة حيث "يقوم تجار محليون باستغلال آليات العمل الجمركي التي تمكنهم من إدخال بضائع فاسدة من الناحية الجمركية، وبالتالي عندما ترفض من الناحية الصحية تصبح الباخرة رهينة بين دائرة الجمارك والمستورد بحيث لا يحق لصاحب الباخرة الانسحاب من الميناء بحجة أن هذه البضاعة المحملة مستوردة لصالح تاجر محلي وثانيا أن التاجر المحلي يمتنع عن إتمام معاملة إعادة التصدير بذريعة أنه كان ضحية لبضاعة فاسدة واردة إلى الأردن.