"المشهد السياسي العربي وإعادة الإصطفاف"

جفرا نيوز - بعد تبادل المواقع بين الرجعية التاريخية والتقدمية التاريخية في المشهد السياسي العربي،احتل كل منهما موقع الآخر عبر استدارةب١٨٠ درجة.

فالرجعية التي لبست عباءة الدين عبر مرحلة تاريخية طويلة،وأنشأت دائرة تحالفاتها باسمه،تخلع الآن هذه العباءة،وتتبرأ من الدين نفسه،لا بل تصف المتمسكين به بكافة أطيافهم،بالتطرف والإرهاب،مستثنية بالطبع دائرتها الضيقة من الكهنوت الديني الذي لا يزال يحرق لها البخور،ويخلع عليها القداسة،ويمنحها الحصانة باسم الدين.

وفي المشهد المقابل يجرد الرئيس رجب طيب أردوغان تركيا من عباءتها العلمانية القديمة ويلبسها عباءة الدين الجديدة،فيصبح الخصم الألد للرجعية الدينية القديمة التي بدلت عباءتها بعكس أردوغان ولبست عباءة العلمانية.

ولكن لم كل هذه العداوة،أليس الإسلام جامعاً لكل المسلمين،وحبل الله الذي يعتصم به الجميع؟

جوهر الخلاف بالطبع ليس حول الدين وعقيدته وتكاليفه،وإنما حول قيم الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية،التي رفعت لواءها في هذه المرحلة التاريخية،حركة الإخوان المسلمين التي اصطفت تاريخيا في معسكر الرجعية،فانخلعت منه فجأة لتقود ثورات في مصر وتونس وسوريا واليمن!

وهذا ما لم يضعه السلاطين في حسبانهم، فالدين الذي يعرفونه هو أداة لإخضاع الشعوب وليس جسراً تعبر عليه للحرية،والدين الذي عرفوه هو سلطة مطلقة يتمتعون بها وسمع وطاعة مطلقتين من جانب الشعوب وباسم الدين طبعاً .

وعلى هامش المشهد يطل اليسار الجديد أو التقدمية القديمة لينصر الرجعية القديمة التي لبست ثوباً جديداً وأصبحت رجعية علمانية جديدة وإن لم تسقط ادواتها القديمة بل غيرت منطوقها وأعادت صياغاتها فهي تلعب بكل ما هو متاح.

والقاسم المشترك بين هذين الخصمين القديمين،هو حرية الشعوب التي صادرها اليسار التقليدي تاريخياً باسم الوطن والحزب الأوحد والزعيم الأوحد الذي يعرف مصلحة الشعوب أكثر مما تعرفه هي،وهكذا فقد مارس كل منهما أقصد الرجعية والتقدمية أبويتين تاريخيتين أحدهما باسم الدين والثانية باسم الشعار والوطني والتقدمية والإشتراكية،فهما بالأصل صادران عن مبدأ واحد كتباه بقلمين مختلفين أو بمرجعيتين مختلفتين.

ولهذا نجد اليسار يناصر صيغة دينية أقرب للخرافة منها للدين فقط لأنها ترفع شعاراً يوافق هواه بالنيابة عن الشعب.

فهي العقلية الشمولية ذاتها بوجهيها الديني والإلحادي او اللاديني قوامها الوحيد،هو حكم نخبة تقرر بالنيابة عن الشعب ولذا يصبح كل من يريد تمكين الشعوب من خياراتها وإرادتها عدواً لدوداً لكلا الطرفين.

ولذا فحتى تدين أردوغان يصبح متهماً من قبل كلي ُ:المتدينين والعلمانيين التقدميين، وهكذا يدينان معاً حركة النهضة والغنوشي في تونس و محمد مرسي والإخوان المسلمين في مصر.وحزب الإصلاح في اليمن.

فموضوع الخلاف والاصطفاف هو حرية الشعوب وخياراتها وليس الدين أو العلمانية.

نزار حسين راشد