"صفقة القرن:تعريف المُعرّف وكشف المكشوف"
جفرا نيوز - نزار حسين راشد
ربما يعلن ترمب عن بنود صفقة القرن قبل أن أنتهي من كتابة هذا المقال،وهذا لن يحدث أي فرق،فالكُلّ منا يعلم،أن في السلّة أفعى وأنها ستلدغه،فماذا أعددنا لها،شعبة للقبض على رأسها وشل حركتها،أم ترياقاً ضدّ السّم،أم حاوي أفاعي ليروضها ويتركها تعيش بيننا بسلام،ما دمنا نقدم لها الطعام؟
في الحقيقة فإن خطر هذه الصفقة ليس في الإعلان من طرف واحد عن هدايا مجانية لإسرائيل،فهذا تحصيل حاصل،ولكن فيما ستغيره من وقائع على الأرض،كأن تطيح بالسلطة الفلسطينية،وتضغط على الأردن لإلغاء فك الإرتباط بذريعة أو بأخرى،وأنا أعتقد إن هذا لن يحدث،فالسلطة الفلسطينية هي جدار عازل يحول بين إسرائيل وبين المواجهة مع الشعب الفلسطيني،وهي أكثر فعالية من جدار الحديد والإسمنت الذي أقامته إسرائيل لحماية مستوطناتها.
عداك عن أن إسرائيل هربت ولا تزال تواصل الهرب من مسؤولياتها كدولة احتلال،وقد وفرت لها السلطة هذا الغطاء الثمين.
أما الوصاية على المقدسات فلا أظن أن ترمب سيضع أصبعه في عش الدبابير ويقدم على هذه المخاطرة غير محسوبة النتائج وهو مقبل على انتخابات،فمظاهرات ضدهذه الخطوة في الشارع العربي،كافية لإسقاط أسهمه الإنتخابية،في ظل تربص ديمقراطي لإسقاطه بانتهاز أي إشارة على فشل سياساته،فما بالك بمسألة حساسة كهذه.
عداك عن أن شخصية ترمب هي شخصية دعائية حريصة على الحضور الصوتي وقرع الطبول،لا على الحلول العملية والتغييرات الجذرية.
أما حديثه عن نزع سلاح حماس، فماذا سيفعل لإنجاز ذلك ؟هل سيلحق هنية بسليماني؟
هنية غير سليماني وأول من سيكف يده عن ذلك هي إسرائيل؟فما هو البديل؟
هل سيختار البوابة المصرية ويعيد غزة إلى حظيرتها لتتنفس الأوضاع،ويحل الانشغال بأمور العيش محل التفكير بالسلاح والمقاومة؟
لو كنت مكانه لفعلت ذلك!ولكن ما تحذر منه إسرائيل وناصحوها السياسيون،هو أن هذه الخطوة ستعيد إلى مصر الوجه الوطني وتضعها وراء عجلة القيادة العربية مرة أخرى،وهو الدور الذي حرصت إسرائيل على تدميره خطوة خطوة،إنه يشبه إعادة مرسي إلى الحكم أو إحياء سياساته،ولذا فلن تفعل إسرائيل ذلك.
فماذا تبقى؟هل سيقوم ترمب بالضغط على الأردن لتفعيل المشاركة السياسية للمكون الفلسطيني بزيادة حصتهم في البرلمان أو مناصفة،أو يطلب تجنيس أبناء مخيم غزة،بمعنى إبراز وجه الوطن البديل بخطوة سياسية مشرعنة وذلك كخطوة تمهيدية على طريق الوطن البديل لتستكمل فيما بعد بالإطاحة بالسلطة وإلحاق المكون السكاني بالأردن مشفوعاً بمساعدات إقتصادية؟
لو كان الرأي لي لوافقت،فلطالما اعتقدت أن الاحتفاظ بالمخيمات كشاهد على الهوية الفلسطينية وإدامة لحق العودة هو مشروع سياسي بائس،ولم تهتز قناعتي أن "الوطن البديل" مجرد بعبع يخيفوننا به وأنه فزاعة حقل وليست تهديداً لا للهوية الأردنية ولا للفلسطينية،لأن العوامل الإجتماعية والحضارية أو المدينية كما يسميها ابن خلدون كفيلة بهزيمة أي مشروع سياسي يستهدف هوية الأمة.
إعتقد أن هذا ما ينوي ترمب وإسرائيل فعله،وكما قلت لن يطول انتظارنا فربما تكون بنود الصفقة العتيدة قد أعلنت حتى قبل نشر هذا المقال!