اتقوا الله في جهاز الأمن العام

جفرا نيوز- كتب الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي 
عندما نتدبر بالآية الكريمة 70  من سورة البقرة والتي تقول بعد بسم الله الرحمن الرحيم (  (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَّا شِيَةَ فِيهَا ۚ قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ۚ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73 ) صدق الله العظيم،  نجد ان هناك جريمة قد وقعت بفعل فاعل مجهول ، وأن كليم الله سيدنا موسى عليه السلام اُجبِر من قومه على ان يكشف هوية القاتل كونه نبي الله صاحب المعجزات ،اليس الله بقادرا على أن يبلغ سيدنا موسى بهوية القاتل و تنتهي اجراءات البحث والتحري عن القاتل ،  ولكن الحكمة الإلهية والرسالة الربانية  التي تحضنا على العمل وبذل الجهود حتى مع معجزات الأنبياء،  فكان الأمر الرباني أن طلب من سيدنا موسى ان يطلب من قومه إن ارادوا أن يعرفوا هوية  القاتل أن يبحثوا عن بقرة صفراء فاقع لونها مدللة ،لم تحرث ولم تركب ، وامتثالا لهذا الأمر تحرك قوم موسى أياما واسابيع وهم  يبحثون عن هذه البقرة الموصوفة ،  ولكونهم كثروا من الأسئلة البيزنطية والجدلية عن مواصفاتها ، صعب الله عليهم مهمتهم في ايجادها ، وبعد ان وجدوها طٌلب من سيدنا موسى أيضأ ان يبذل جهدا بدنيا من خلال أن يضرب المقتول بجزء من لحم هذه البقرة ، وعندما تم ذلك قام المقتول من موته وافصح عن هوية  قاتله ، وهنا تم الكشف عن ملابسات الجريمة وخيوطها وانتهت القضية .
من استعراضنا لهذه القصة نجد ان مشكلة البحث والتحري عن الجرائم والمجرمين والأدوات المستخدمة بالجريمة ودوافعها ليست سهلة او بسيطة ، وتحتاج إلى وقت وزمان وأشخاص متخصصين و مدربين ليتقنوا هذا العلم  ، فلا يستطيع اي شخص عادي غير مدرب او مؤهل  ان يتقن فن كشف الجرائم وملابسات حدوثها .
ومن هنا نجد أن الوحيدون القادرون على كشف الجناة باسرع وقت هم الأنبياء اصحابين المعجزات الربانية ، والمحققون المدربون ذوي الخبرة والذين يمتلكون أيضا الإمكانيات المادية والبشرية ، ولهذا فإننا عندما نسمع عن وقوع جريمة ما ، نقوم بتناقل أخبارها بسرعة انتشار النار بالهشيم ، وهنا تبدأ سهام واصابع الإتهام الى المؤسسة الأمنية وكأنها هي من تسببت بحدوث هذه الجريمة،  ونقوم بتحميلهم ذنب وقوعها،  او ذنب عدم كشف ملابسات حدوثها بالسرعة القصوى ، او التبعات التي قد تنتج عن وقوعها .
ان جهاز الأمن العام الأردني والذي يضم خيرة الخيرة ومشهود له بسرعة الإنجاز بالكشف عن الجرائم ، وعلى رأسهم الباشا الفاضل ابن الجهاز والذي هو عند إسمه وكما قلت عنه بمقال سابق انه رجل يخاف الله ، قد اعاد مسيرة جهاز الأمن العام الى طريقها الصحيح ، وأصلح جنوحها الذي كان قد حصل في بعض العهود السابقة لبعض القيادات، وأعاد المسيرة الى طريقها الصحيح ، وكان ذلك من خلال تبني سياسات الإنفتاح على المجتمع الأردني بكل اطيافه ، وسياسة الباب المفتوح سواء كان هذا بالمكتب او بالإعلام او بالتواصل الإجتماعي، كما أنه قام بتطبيق قاعدة الثواب للمجتهد والعقاب للمسيء ، إضافة الى عدم التساهل بحقوق الناس والاهتمام بها وعدم إقحام جهاز الأمن العام بقضايا المتخاصمين من خلال تحويلهم للمحاكم المختصة و حسب القوانين السارية .
لقد تابعت نشاطات هذه المديرية واداراتها سواء كانت إدارة  مكافحة المخدرات او الأمن الوقائي او البحث الجنائي او إصلاح وتأهيل النزلاء (ادارة السجون ) او ادارة الإقامة و التعامل مع الوافدين والأجانب، فكانت كلها تعمل ضمن القوانين والأنظمة السارية وإن كانت لا تخلى بعض مرتبات هذه الادارات من بعض الأخطاء الفردية التي يحاسبون مرتكبوها أمام القضاء الشرطي ويعاقبون احيانا ويتم انزال عليهم عقوبات تصل الى الطرد احيانا او انزالهم بسجون خاصة بمرتبات الأمن العام  ، ولأن التعليمات الصادرة من هذه المديرية  تنص على عدم التدخل من مرتبات هذه الإدارات بين أطراف الخصومة والمشتكين  .
ولكن نحن المراقبين يوميا  لهذه المشاهد وجب علينا ان نسأل أنفسنا بعض الأسئلة التي تجعلنا نضع يدنا على الجرح ونشخص مرضانا تشخيصا صحيحا ، وقبل أن  نقوم بتوجيه أصابع الإتهام الى جهاز الأمن العام  ،،،،،
فالاسئلة التالية تحوم حول ارتفاع نسب التعاطي والإتجار للمخدرات وكميات ضبطها ، وهل جهاز الامن العام هو المسؤول عن ذلك ام المجتمع والأسرة وسياسات الحكومات الفاشلة؟ وإذا كان هناك ارتفاع بنسب و حالات النصب والاحتيال أوجرائم القتل والسرقة ، هل الأمن العام هو المسؤول عن وقوعها ام المجتمع والأسرة  وسياسات الحكومات الفاشلة ؟ وعندما تحدث جرائم في مجتمعنا وهذا شيء بديهي وطبيعي  بكل المجتمعات ،فإننا نقوم  بتحميل مسؤولية ارتكابها الى الأجهزة الأمنية ، ونعمل عليهم ضغوطات إعلامية ونفسية للكشف عن ملابسات هذه الجرائم ، وهذا قد يؤدي أحيانا  الى ارتكاب بعض الأخطاء أو ظلم بعض الناس او التضييق على الحريات .
اتركوا جهاز الأمن العام القائم بواجباته وحاسبوا حكوماتكم على ارتفاع معدلات البطالة والمتعطلين عن العمل ،وازدياد الفقر بسب ارتفاع الأسعار  وفرض الضرائب ، وعدم وجود بيئة استثمارية للأجانب وهروب المستثمرين المحليون  من الوطن .
حاسبوا وزارة التربية والتعليم على انعدام التربية في المدارس وتدني مستويات تعليم الأخلاق في الإعلام ، حاسبوا جامعاتكم التي صارت رسالتها مادية فقط ووجود هيئات أكاديمية غير مؤهلة علميا.
 حاسبوا  انفسكم أنتم أيضا على سبب جنوح أولادكم وارتكابهم للجرائم، فغيابكم عن أسركم وتفككها يكون هو المنبع لإنتاج المجرمين ، وإن عدم معرفتكم بأصدقاء اولادكم وابتعادهم عن الدين والأخلاق وانعدام الوازع الديني والأخلاقي هو ايضا منبع لإنتاج المجرمين ، أو إن عدم معرفتكم  بأماكن تواجدهم بأواخر الليالي ، او عدم جلوسكم معهم للتدبر في أحوالهم وظروفهم  تجعل كل هذه السلوكيات هي السبب في ارتفاع نسب معدلات الجرائم وإنتاج المجرمين .
 إن جهاز الأمن العام ليس هو المسؤول الوحيد عن ارتفاع نسب معدلات الجرائم فأنتم إن صلحتم يصلح المجتمع وتنخفض نسب معدلات الجرائم والمجرمين .
 اتقوا الله في هذا الجهاز الذي يحتاج مننا كل الدعم ، ليستمر في مسيرته الناجحة .
وفقهم الله وسدد على طريق الخير خطاهم وحمى الله الوطن وقائد الوطن .