هبوب الجنوب يكتب : نحر الدولة ..
جفرا نيوز - خاص - كتب- هبوب الجنوب
..هنالك مجموعة من الملاحظات , يجب أن توضع على طاولة القرار في الدولة الأردنية , بعد أزمة المعلمين الأخيرة , وأجزم ...أن الدولة , في لحظة إذا تنتبه لما يحدث وتقرأ المشهد بتمعن , فبوادر الإنهيار قادمة
أولا : ثمة إعلام مرعوب خائف مرتجف , ترك الدولة منفردة ...في معركتها مع الأخوان - ولا أقول النقابة - وهذا الإعلام المرعوب , هو ذاته الإعلام الذي تخلى عن ناهض حتر , حين تم اغتياله بشكل سافر ولئميم ...وصار يتذكر دم ناهض حتر , كلما أراد أن يقف لمناصرة الدولة ...علما بأن طارق مصاروة , وجورج حداد ..رفضوا في أيلول الكتابة باسم مستعار , وأصروا أن يذيعوا النشرات والتعليق السياسي بأسمائهم ..حتى حيدر محمود , رفض ذلك أيضا ....القلم والصوت الوطني يظهر في الملمات , أما الخوف والتردد , ومشهد ناهض حتر المظلوم والغارق بدمه فيظهر لكتاب الجبن , والذين يلعقون الأحذية عند تجار الغاز المسال ....والذين يجيدون فتح حسابات بالريال , والدولار ..ويكرهون العملة المحلية .
ثانيا : أما الطبقة الأخرى الإنتهازية , فهي طبقة الوزراء السابقين والمسؤولين , الذي انجرفوا في تيار متعاطف مع قضية المعلمين , وبدأوا عبر الفيس بوك ينثرون , عبارات التأييد , وبعضهم خط بعض الرسائل للجماعة , من أجل إعادة فتح الخط الساخن معهم ...هؤلاء ومن تحت الطاولة يريدون ترميم , علاقاتهم مع الأخوان , فثمة إشارات تصلهم تؤكد أن الحكومة القادمة إخوانية , وأن شروط الجماعة ستفرض ..وبالتالي من الممكن أن يكون لهم نصيب من الكعكة , حتى أن واحدا منهم أطلق اللحية ..وصار يصلي في المسجد الحسيني , وينشر صوره على صفحته بالدشداشة ...هؤلاء الفئة الإنتهازية , هم ذاتهم من حاولوا ذبح مصر حين انقلبوا على الجيش والدولة زمن مرسي, وبعد انتصار الجيش المصري على الفوضى , صاروا يتباكون على الشاشة , ويقدمون البراءة لعماد الدين أديب عبر برامجه , ولكن الشعب المصري رماهم في أحواض المجاري التي تسرح مع مخلفات الطمي في نهر النيل .
ثالثا : ثمة مخطط معد ومدبر , هدفه الصدام (الشرق أردني ) , فبعد الربيع العربي , وبعد أن تبين أن المخيمات الفلسطينية , محصنة ...وأن خوفها على البلد وأمنه , أكثر من اهتمامها بلقمة الخبز , وبعد فشل بعض المكونات ..في إحداث صدام بين الدولة والمخيم , وبعد أن تبين لها أن حضور الدولة في المخيمات , أكبر من كل التنظيمات ..لجأت إلى تغيير شروط الصدام , عبر زج المكون الشرق أردني في صدام داخلي ..عناوينه (العشيرة والأمن) ..والجهة التي تعمل على بلورة هذا الصدام كواقع في الشارع , تؤمن أن انهيار الدولة الأردنية , لا يأتي إلا عبر تفكيك التحالف التقليدي , بين المؤسسات العسكرية والأمنية , وبين العشيرة ...لهذا فصدام المعلمين مع قوات الدرك , كان مخططا ومدروسا ..وتم التركيز على معلمي الجنوب , عبر إحضارهم من طرق قريبة من الرئاسة , وعبر تثويرهم ..وتأمين الحافلات لهم ....بالمقابل لم يكن لأي معلم من عمان أو أطرافها , دور في الصدام ...أو حتى دخول المعتقل .
رابعا : المطلوب هو انهيار الدولة , والإنهيار لايتم , إلا عبر أمرين مهمين
أ - تكسير المجتمع العشائري , وتخفيض منسوب الولاء لديه , عبر إغراقه في المشروع المطلبي , وتقديم الدولة بصورة المعادية لهذا المكون والمتامرة عليه
ب- مسح الصورة الرمزية المرتبطة بالضمير والشرف والكرامة , لدى الأردني عن مؤسساته الأمنية , وتقديمها بصورة الأداة العرفية الشرسة التي تنتقم من شعبها
خامسا : المعلمون تبين أنهم كتلة شرسة , لديها أزمة اجتماعية مرتبطة بالمكانة والدخل , ولم تنتبه الدولة , لتغلغل التنظيم داخلها ..وكان عليها أن تحضر هي داخل هذا الجسم , فمن يدفع الرواتب ومن يرعى البيروقراط ومن أسس العملية التعليمية هي الدولة , ولكن الذي حدث ليس اختطاف نقابة ..وإنما اختطاف المؤسسة التعليمية كاملة , ومن يدري فالمعلم رفع شعارا مطلبيا هذه المرة , وهل تضمن الدولة لنا بأنه لن يرفع في المرات القادمة شعارا سياسيا مرتبطا بالملكية الدستورية مثلا, مستفيدا من هذا التعاطف والتجيش .
سادسا : الحكومة لا تملك خطاب مواجهة , والأصل أن كل حكومة لديها خطابا يتكيف مع الظرف والزمن , الحكومة بالأصل ليس لديها خطاب ..وتفتقر للعقل الذي ينتج مبادرة أو مشهدا مضادا , دعوني أفسر المسألة بقليل من التفصيل : كان على الحكومة أن توظف تلفازها الوطني , لتعرية الحقيقية كاملة , لكنك تصدم حين تجد مذيعا في التلفزيون الأردني , يشتم الدولة ويمتدح المعلم ...ويتحول من موظف يدافع عن مشروع الدولة إلى موظف يدافع عن مشروع الإخوان , هذا يعني أن ثمة شرخ لدى الموظف العام قد تأصل , وهذا الشرخ مرتبط بفقدانه الإيمان بمؤسساته الوطنية , وبخذلانه لمهنته ...والسبب هو غياب الرقابة , وميوعة القيادات .
سابعا : المعلمون كتلة بشرية هائلة, وخطاب ال 50% هو بداية , أما الخطاب القادم فسيكون سياسيا بامتياز , فقد حاولت حكومات سابقة , حشر النقابات في الزوايا المهنية وفشلت , وأظن أن إعادة مرحلة ما قبل 24 اذار والتحشيد الجماهيري من داخل المؤسسات الرسمية وليس من خارجها , صار حتميا بامتياز
ثامنا : ثمة قيادات سياسية , التبس عليها الأمر في الأردن , وصارت تعتقد أن الدفاع عن الدولة يعني الدفاع عن عمر الرزاز , وثمة فارق بين فشل حكومي عارم , وبين دولة تحتاج لمن يقدم مبادرة ..وصوته يحترم في الشارع ..لم نسمع مثلا : عبدالكريم الكباريتي , عبدالهادي المجالي ,أحمد عبيدات , ليث شبيلات , مروان الحمود , عبدالرؤوف الروابده ...الخ , هؤلاء جميعهم لديهم موقف منطقي وعقلاني من الحكومة الحالية , ولكن القصة هي قصة دولة وليست حكومة لهذا تعففوا عن الرد خوفا من أن يفهم كلامهم كدفاع عن الرزاز ...وهذه الطبقة السياسية التي تفكر بهذا التفكير , هي ذات الطبقة التي حرضت السادات على محمد حسنين هيكل , حين زجه في السجن منتصف السبعينيات , وبعدها كتب كتابه خريف الغضب الذي عرى فيه مجتمع السادات السياسي , وفسر خطورة الصمت ..أزاء انهيار الدولة وانقسام المجتمع .
تاسعا : إن أخطر شيء مرتبط بالطبقة السياسية , التي ذكرتها في النقطة السابقة ,يتعلق بأنها تمارس الوعي على الدولة , فهي في قرارة نفسها تعتقد أنها أكثر وعيا من الحكومة والديوان والمخابرات , لهذا تمارس نوعا من التعفف , علما بأن محمد حسنين هيكل كان وعيه متقدما على عبدالناصر بقرون , لكنه وظف وعيه في خدمة القائد والرمز والمشروع ..تماما كما فعل عبدالحليم خدام , وفاروق الشرع , ونجاح العطار في زمن حافظ الأسد ..تماما كما فعل طارق عزيز السياسي والمفكر , في زمن صدام حسين ..لكن مشكلتنا في الأردن , هي صغر حجم السلطة في عين هؤلاء ..وبالتالي طرحوا أنفسهم كمشاريع أكبر من السلطة ذاتها .
الدولة عليها أن تحسم وتفرز , من معها ...ومن هو الانتهازي الذي يوظفها لخدمته , عليها أن تفهم أن الخطاب البرجماتي بات بليدا ولا يصلح ..وعليها أن تحسم.
حمى الله الملك وعاش وطني .