ايحتل الجيش وطنه؟!
جفرا نيوز ـ كتبت: اخلاص القاضي
إن كانت زلة لسان، أم مقصوده لغاية في نفس محرر، فلا يطلق على جيش عربي بانه محتل لارضه، هذه الصفة لصيقة فقط بجيش الاحتلال الاسرائيلي، وشتان ما بين صاحب الارض ومغتصبها.
زلة قناة المملكة حول توصيف الجيش السوري بأنه جيش إحتلال مضت، واعتذرت القناة وتصرفت بحكمة، وقطعت دابر السيل الجارف المتفرع بين من ايدوا ذلك التوصيف، وبين من دافعوا بشراسة عن حق الجيش العربي السوري في الدفاع عن أرضه ضد الارهاب/المؤامرة، إستناداً إلى فهم ووعي حول تعرج طبيعة الأزمة من مجرد مطالبة بالديمقراطية، إلى توظيف مغرض كانت نتيجته ارهاباً منظماً اراد فرض سلطة الفوضى العبثية التي ستقود الى الفراغ والمجهول وقبضة العصور الحجرية.
بديهياً، فإن كل الجيوش مصانة ومقدسة من قبل شعوبها، ولا زال الجيش العربي السوري بعدته وعتاده وعقيدته حاضراً يذوذ عن ثراه وثغور وطنه.
في ابسط ادبيات التحليل، فإن سوريا انتصرت على الارهاب او كادت، وهذا يحسب لها، و يسجل للجيش، وان كان بدعم رديف من حلفاء ومناصرين، نحن في الاردن ليس لنا أي مصلحة بخلق جبهة مضادة لاي من المكونات السورية، بل علينا أن نحترم حق الشعب السوري في تقرير مصيره من كل النواحي، ولسنا نحن من نملك الحق في التنظير عن شعب عاش ويلات الحرب عليه، ولا نملك ايضاً ترف معاداة جارة صديقة، تربطنا بها الجغرافيا والعروبة والقرابة والنسب والعادات والتقاليد ووحدة الاهداف حول القضية المركزية، القضية الفلسطينية، ولا يخفى على احد أن الدبلوماسية الاردنية السورية لم تنقطع يوماً، وكان لابد من التنسيق والعمل المشترك في ملفات عدة، ليس أولها التنسيق الامني حماية للثغور، ولا آخرها ضرورة التنسيق فيما يتعلق لاحقاً بعودة اللاجئبن الآمنة إلى مناطقهم المحررة من الارهاب، لان الاردن أحوج ما يكون لحل تلك المشكلة التي ارخت بظلال قاتمة على ديموغرافيته واقتصاده.
نحن نعلم أن الثورات تنجح، حين تسقط العاصمة، حين يسيطر على كل مرافق الدولة من اعلام إلى أمن وجيش ومطار مركزي وغيره من مواقع حيوية واستراتيجية، إلا أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث، فلا زال كل ذلك في عهده النظام الذي لم يسقط، لا بل تشير تقديرات إلى انه بات اقوى من ذي قبل، ولا زالت سوريا بنظامها الحالي ممثلة في هيئة الامم المتحدة، بل تراجعت المطالبات الدولية باسقاط النظام الذي اثبت قوته وجدارته في بسط نفوذه رغم كل ما قيل عنه، وفشلت تالياً كل الحروب العبثية على سوريا، فما بالنا نحن الآن، ونحن الجارة الاقرب باختراع توصيف للجيش، لم نقم بمثله حتى في عز الحرب، هذا ضرب من ضبابية الفهم لما يجري ضمن اللعبة الدولية التي تقر بفشل مساعيها لإسقاط النظام في سوريا، وبالتالي لا مناص من احترام حق ذلك الشعب العربي في تقرير مصيره، ومن الواضح ان الشعب السوري ما زال يؤمن بقيادة بشار الاسد، وعليه أيضاً عبء اعادة تموضع شكل الدولة المقبل بما يتناسب واسس الديمقراطية التي ستأتيهم برئيس منتخب، وقد يعاودوا انتخاب ذات النظام، وهذا شأنهم، وهذا حق للشعب وانعكاس لارادته، ولا دخل لنا حقيقة في التدخل بشؤون الغير، بل علينا احترام خصوصية وسيادة كل دولة.
اقول كل ذلك من منطلق واحد، إننا في الاردن لا نقبل أي تدخل بشؤوننا الداخلية، طبعاً على اختلاف الظروف والاحداث والادوار، ولا نقبل بان يمس جيشنا احد، أيضاً على اختلاف الظروف بين البلدين، وعلينا أن نراعي حب الناس لبلدانهم وجيشهم وقائدهم بقطع النظر عن الرأي أو التحليل، فلكل دولة ظروفها ولكل جيش الحق في الدفاع عن مقدرات وطنه وأمنه.
سوريا دولة جارة، والتواصل معها واجب عروبي وقومي، وحاجة ضرورية لانهاء الملفات العالقة، واعادة انتعاش حركة الاشخاص والبضائع، وكلا من الاردن وسوريا بحاجة ماسة لتعزيز الاتفاق على صعد مختلفة وعلى رأسها الامني والسياسي لاعادة الثقة، والانطلاق قدماً إلى عهود تنعش خط "عمان الشام بيروت" البري، وتعيد ضخ الحياة في شرايين عشاق بلاد الشام.
كل التحية لكل الجيوش العربية، وحمى الله منطقتنا من مؤامرات الارهاب والتقسيم التي لا تخدم إلا اسرائيل بحجة الديمقراطية وضرورة تغيير الانظمة، تلك الحجة التي لم تجلب إلا الدمار والتهجير وخراب البيوت، "فكما عمان في القلب، شآم المجد الذي لم ولن يغب".