حراك "ملكي" يستوجب التأمل

جفرا نيوز - شحاده أبو بقر العبادي

شهدت الأسابيع السبعة الماضية , حراكا نشطا داخليا نسمعه ونراه , وخارجيا نسمعه , لجلالة الملك , في مشهد يوحي ويقول معا , أن " الملك " قائد الوطن , يملك من المعلومات التي يعلنها تلميحا تارة, وتصريحا تارة , ما يؤكد على حتمية أن نتأمل نحن العامة وجيدا جدا , مبررات وأسباب هذا الحراك الملكي وفي كل إتجاه .

جلالة الملك ولمقتضيات سياسية تتطلبها المصالح العامة والعليا للوطن , لا يقول كل ما يعرف وما يستشرف , وهو بهذا يترك لخيالنا ولتفكيرنا أن يحلل وأن يدرك , حجم ما يتهدد بلدنا من مخاطر وتحديات تفرضها التطورات الإقليمية والدولية, وتقاطع المصالح وتنافرها وتلاقيها بين الدول في المنطقة, وعلى مستوى دولي أوسع وأشمل وربما أخطر ! .

أزعم أنني قرأت جيدا رسائل جلالته بدءا من لقاء الزرقاء وما صدر وبشجاعة فائقة من " لاءات " حددت موقف بلدنا من مخرجات صفقة القرن , والتي إنتهى إعدادها أخيرا بصيغتها النهائية , ثم لقاء المفرق , والتغييرات الأمنية الأخيرة , والرسالة الملكية غير المسبوقة عرفا ومضمونا , والموجهة إلى إدارة المخابرات الجديدة , إلى غير ذلك من نشاطات إجتماعية وعسكرية , كان أحدثها لقاء رئيس هيئة الأركان " وبالطبع بتكليف ملكي " مع جميع قيادات قواتنا المسلحة , والكلمة التي وجهها رئيس الأركان وطلب نقلها لمنتسبي جيشنا كافة .

خلاصة ما قرأت ككثيرين غيري في الداخل والخارج , هو أن بلدنا يجتاز مرحلة إقليمية ودولية غاية في الدقة والحساسية التي قد تنجم عنها " لا قدر الله ", مخاطر ومطامح تستهدف الأردن تحديدا , جراء مواقفه الصريحة القوية المعلنة مما يسمى صفقة القرن .
وعليه , فجلالة الملك يبدو كمن يرغب في أن يقول لكل أردني وأردنية ولو همسا في أذنه , بسبب مقتضيات المصالح العليا التي أشرت إليها أعلاه , بأن علينا أن نكون حذرين وبمستوى التحدي كشأننا دوما ومنذ التأسيس, , وأن لا نسمح لأحد بأن يشق صفنا أو يثير فتنة في وطننا لا سمح الله .

والملك وكما " فهمت " , يثق بشعبه ثقة مطلقة , ويؤمن بأن من حقه المطالبة بالإصلاح سياسيا إقتصاديا وإجتماعيا وعلى كل صعيد , ولكن ضمن ما كفله الدستور وأجازه القانون والنظام العام , ولسان حاله يقول , " إن نبع الشعب الصافي الرقراق , يجب أن يبقى كذلك , وأن لا يسمح أحد منا مواطنين ومسؤولين لشخص متهور أو مغرض, والدنيا لا تخلو من مثل هؤلاء , بأن يستغل شكوانا ومعاناتنا فيلقي لا سمح الله , بكوب ماء ملوث في هذا النبع الصافي , ليحيله ورغما عن إرادتنا, إلى غير ما نريد وما نحرص ونتمنى جميعا ", وهنا مكمن الخطر ! .

جلالة الملك يحذر, ويبشر, ولا ينذر , وهو أكثر منا دراية بما يجري وبما يخطط , ولهذا هو يريدنا دوما , وفي هذه المرحلة الخطيرة جدا بالذات , أن نكون يدا واحدة وصفا واحدا , صونا لحاضر بلدنا ومستقبله ووجوده .

والملك العارف ببواطن الأمر أكثر منا جميعا , ينتظر منا أن لا ندع فرصة لأي كان, لأن يخدش حجرا في بلادنا! , أو أن يتفوه بكلمة نابية فيها شر أو فتنة !, بهدف جرنا رغم إرادتنا إلى أتون جحيم الفوضى التي أرهقت وما زالت, العديد من شعوبنا العربية الشقيقة , ولا ندري مآلاتها إلى أين ومتى ! .

والملك اليوم يمارس منهجية سياسة " العين الحمراء " وبإمتياز , فالأردن اليوم يعامل كل آخر , بالمثل , فلا تنازل أو مساومة على الثوابت الوطنية للمملكة الأردنية الهاشمية, ومرتكزات تاريخها ووجودها القوي على سائر موائد البحث , ومصالح الأردن وشعبه العليا فوق كل إعتبار , مهما كان الثمن , ومن يخطو نحو الأردن خطوة , نقابلها بخطوة مثلها أو بأحسن ! .
أتابع كثيرا ما يكتب عبر صحافة العالم تحليلا وتقريرا عما يجري عندنا وماهية مواقفنا مما يدور في المنطقة , وألمح أن هناك نفسا" مسموما " يسعى لتأزيم العلاقات بيننا وبين بعض أشقائنا العرب , وأتابع إلإعلام الصهيوني وأقرأ جيدا حجم الدهاء الساعي إلى تمزيق صفنا كعرب أكثر فأكثر , وأدرك في المقابل , أن جلالة الملك حريص وفي إطار المصالح العليا الأردنية , على إدامة وتعزيز هذه العلاقات وليس العكس , ولقد لمست ذلك شخصيا عندما تشرفت بلقاء جلالته مع ذوات آخرين قبل فترة وجيزة .

الملك يقود عملية تنظيم للعمل تقتضيها الظروف في الديوان الملكي , حيث أربع شخصيات كفؤة في مواقع مستشارين إلى جانب رئيس الديوان , وفي المؤسسة الأمنية بإعتبارها الأهم في رصد المعلومة الداخلية والخارجية , وفي صون أمننا الوطني من كل عبث أيا كان مصدره .

قبل أن أغادر , لا أتصور أن أردنيا واحدا في المعارضة المطالبة بالإصلاح , يمكن أن يخذل وطنا يدعو إلى إصلاحه , وهذه مسألة مهمة وجب أن يعرفها العالم كله , فجميعنا نطالب بالإصلاح الشامل والمتراكم , لكننا وفي الللحظة ذاتها , متشبثون بمحراب الوطن الكريم, وقيادته الهاشمية الكريمة .
ومهما بلغت معاناتنا وشكاوانا وملاحظاتنا ومطالبنا , تبقى كرامة ووجود وناموس وقوة المملكة الأردنية الهاشمية , ومواقفها من القدس الشريف وقضية فلسطين في صدورنا , فوق كل شبهة , وفوق كل إعتبار غير جدير بالإعتبار . والله من وراء القصد .