الملك .. حين يلتقي مع كتلة الاصلاح النيابية !
الدكتور محمد أبو بكر
المرحلة الحالية لا تستدعي المناكفات ، أو تصفية الحسابات ، فكلّنا أردنيون دفاعا عن القضية وعن الوطن ، في وجه الأخطار القادمة المحدقة ، ليس بنا فقط ، وإنّما بالمنطقة بأجمعها ، وهذا يستدعي رصّ الصفوف ، ومن كافة الجهات والفئات ، والقوى السياسية والإجتماعية المختلفة ، للوقوف والتصدّي لما هو قادم من مؤامرات وما يجري خلف الكواليس .
لم أكن في يوم من الأيام من المؤيدين لجماعة الإخوان المسلمين ، ولكن ليس لي إلّا أن أحترم فكرهم ، فهم جزء هام من النسيج الإجتماعي والسياسي الأردني ، كما أحترم كل الأفكار الأخرى من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها ، ولا يجوز لأيّ كان أن يحتكر الحقيقة ، فهذا وطن فيه الملايين من البشر ، وفيه العشرات من الأفكار والرؤى والأحزاب والقوى المختلفة ، وإذا ما أحسنّا الظنّ ، فالجميع يسعى لأردنّ أفضل في كافة المجالات .
قبل أكثر من ثلاثة أعوام ، تمّ شنّ حملة غير عادية للإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين ، التي تأسست بموافقة الملك عبد الله الأول المؤسس في عام 1946 ، وحظيت بالرعاية والإهتمام من قبل الدولة وكافة أجهزتها ، ورغم إقدام الحكومة على حظر الأحزاب نهاية خمسينيات القرن الماضي ؛ فقد بقيت الجماعة تعمل على الساحة ، بصفتها جماعة دعوية ، لها العديد من الأنشطة الإجتماعية والخيرية وغيرها من النشاطات الأخرى .
ودلفت الجماعة المعترك السياسي ، حتى جاءت انتخابات 1989 ، فحصد الإخوان 26 مقعدا من أصل 80 مقعد ، مما شكّل مفاجأة كبيرة لكلّ المتابعين والمراقبين ، ولكن في النهاية ثبت للدولة أن الجماعة رقم صعب لا يمكن تجاوزه ، فهي تحتلّ مساحة واسعة من الشارع الأردني ، وقادرة على تجييش الآلاف في غضون ساعات محدودة ، وهذا ما يدركه الكثيرون .
الإطاحة بالجماعة بحجة أنّها لم تقم بتصويب أوضاعها بعد سبعين عاما من وجودها ، كانت واهية لم تقنع أحدا ، ولا أدري من كان وراء تلك الخطوة عديمة النظر ، ثمّ جرى الترخيص لجماعة أخرى تحت مسمّى جمعية الإخوان المسلمين ، ورغم ذلك بقيت الجماعة التاريخية هي المسيطرة على الشارع ، والبرهان على ذلك أنّها تتمتع اليوم بكتلة نيابية كبيرة داخل مجلس النواب ، هي كتلة الإصلاح ، والتي استقبلها جلالة الملك مؤخّرا ، وجرى حوار موسّع حول العديد من القضايا المحلية والإقليمية .
الجماعة ليست ببعيدة عن النظام ومواقفه ، فهناك توافق على العديد من القضايا ، وخاصّة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية ، وهناك تقدير لمواقف الملك تجاه فلسطين والقدس ، وكلّ ما يختص بالشأن المحلّي ، والحوار المذكور جرى في أجواء غاية في الإيجابية ، وعبّر الجميع عن ارتياحهم لما ساده من تفهّم وتفاهم ، وهذا يؤكّد أن الجماعة التاريخية ما زالت تمسك بزمام الأمور ، على الأقلّ في الشارع المؤيّد لها كما يلاحظ المتابعون لذلك .
ويدرك جلالة الملك ، وهو السياسي الماهر المحنّك ، أنّه لا يمكن تجاوز هذه الجماعة ، فهي من صلب النظام ، وتحظى بالتقدير ، ويمثّلها عدد لا بأس به من النوّاب ، وكثيرون منها شاركوا في حكومات مختلفة ، وما زلنا نذكر الكثيرين منهم ؛ من الدكتور اسحق الفرحان مرورا بماجد خليفة وعبد الله العكايلة ويوسف العظم وغيرهم .
ما أقدمت عليه الحكومة قبل ثلاث سنوات ، يحتاج إلى إعادة نظر ، وإصلاح لخطأ كبير ارتكبته ، فكيف للحكومة تلك أن تقدم على تلك الخطوة وهي تعلم الحجم الشعبي المؤيّد للإخوان ؟ ولولا تدارك الأمور من عقلاء الجماعة حينها ، لدخلنا في صراع مجهول سنندم عليه سنوات وسنوات .
لكلّ القوى السياسية في بلادنا الإحترام والتقدير ، سواء كانت صغيرة أو كبيرة ، والمرحلة اليوم تتطلّب تعزيز الحياة السياسية وبما يخدم المسيرة الوطنية ، رغم المآخذ العديدة على جماعة الإخوان ، إلّا أنها تبقى القوّة السياسية الأكبر على الساحة الأردنية ، ويجب أن ينظر إلى ذلك بعين المراقب الفطن الذي يدرك بأنّ ما جرى سابقا بحق الجماعة كان عملا أقرب إلى المراهقة السياسية ، التي لم تضع في الحسبان مصالح الوطن قبل إقدامها على تلك الخطوة التي آن اليوم العمل على إصلاحها ، وإعادة الأمور إلى نصابها وسابق عهدها ، حفاظا على أمن الوطن والسلم الأهلي بين أبنائه .