زيارة الفايز للسعودية ذات وقع ومعنى خاصين !

جفرا نيوز - شحاده أبو بقر العبادي

بعد بضعة أيام قلية من زيارة رسمية لوفد برئاسة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز حاملا رسالة من جلالة الملك إلى أخيه خادم الحرمين الشريفين , أرسل الملك رسالة ثانية حملها رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز الذي زار السعودية الشقيقة على رأس وفد من المجلس .

أعلن الإعلام الرسمي خبر إستقبال العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز للفايز وتأكيده على أن أمن الأردن وإستقراره هو من أمن السعودية , وهذا تأكيد مهم تكرر غير مرة على لسان الملك سلمان بن عبدالعزيز وأركان حكومته, قابله تأكيد مماثل وغير مرة أيضا على لسان الملك عبدالله الثاني , فضلا عن التأكيد المشترك بين قيادتي البلدين على أهمية إستمرار التشاور في كل ما من شأنه خدمة مصالح البلدين وشعبيهما الشقيقين والأمة وقضاياها .

أشعر كصحفي لا يدعي إمتلاك المعلومة وإنما يحللها , بأن زيارة الفايز حاملا رسالة ملكية مهمة بالتأكيد , هي زيارة ذات وقع ومعنى خاصين في مسيرة العلاقات الأردنية السعودية , وبالذات في هذا الوقت الدقيق والحساس الذي تجتازه وتنتظره المنطقة بأسرها ! .

على إمتداد التاريخ العربي المعاصر , ظلت العلاقات الأردنية السعودية علاقات خاصة عنوانها الصحيح هو التشاور والتعاون في كل أمر يخص المنطقة أو العلاقات الثنائية , وظلت الرياض إلى جانب دول الخليج العربي الشقيقة في طليعة الداعمين للأردن وما زالت وتبقى بعون الله .

ظروف المنطقة اليوم تغيرت قسرا وفقا لمخرجات ما يسمى بالربيع العربي وما تسمى بصفقة القرن , وما أفرزتا من تقاطع في المصالح بين الدول الإقليمية من جهة , ودول النفوذ العالمي وأطماعها من جهة , ودول المنطقة العربية المستهدفة من جهة ثالثة .


الأردن مثلا يرى في صفقة القرن تهديدا مباشرا لحاضره ومستقبله وهويته الوطنية وحتى لوجوده كوطن إسمه المملكة الأردنية الهاشمية , وفي المقابل ترى السعودية التي فرضت عليها حرب في اليمن دعما لشرعيتها, وحفاظا على حدودها لا بل ووطنها كله " السعودية " من تسرب نفوذ إقليمي مخاصم إليها بمنهج طائفي معلن, أن مصالحها الوطنية وحتى مصالح الإقليم العربي تلزمها بمجاملة الإدارة الأميركية الحالية تحديدا , ولكن ليس على حساب القضية الفلسينية , والتي ترى أن أمر قبول أو رفض الصفقة هو بيد قيادتها وشعبها الفلسطيني وحده فيما يخصه , كما أن أمر الرفض والقبول بالنسبة للدول العربية كلها وبالذات الأردن وسورية ولبنان في ما يخصها , هو أيضا بأيدي قيادات وشعوب تلك الدول دون غيرها .
الأمر المستغرب لا بل والمعتاد, أن كثيرا من تجار التشكيك وإثارة الفتن بين الأقطار العربية , شرعوا فورا بإطلاق تهم التشكيك والإتهام وحتى التخوين ضد الكثيرين من القادة العرب , وهو أمر إضطر جلالة الملك عبدالله الثاني إلى طرح لاءاته الثلاث في مدينة الزرقاء قاطعا الفرصة على سائر أولئك القلة المشككين الجاهزين دوما لتخوين غيرهم , ولو سئلوا ماذا قدموا هم لفلسطين وللقدس , للجمت ألسنتهم فورا , فلا سلاح بأيديهم سوى تخوين غيرهم , وكفى الله المؤمنين القتال .

الأمر ذاته أكد عليه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبالعزيز , معلنا وغير مرة , أن الحل هو بإقامة دولة فلسطينية حرة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية ولا شيء غير ذلك .

ومع ذلك فهناك من يريد الأردن " يتيما " بلا معين أو صديق , وعليه أن يستعد لشن حرب على إسرائيل وأميركا هكذا وحتى قبل أن يقولوا ماذا لديهم من مخطط ظالم مرفوض سنرفضه جميعا شعبا قبل حكومة , ليبقى مجرد حبر على ورق , إذا ما واجهناه برفض شعبي صلب صادق مطلق مستمر, وإذا ما واجهه وبالسوية ذاتها , أشقاؤنا الفلسطينيون المتشبثون بأرضهم ووطنهم رغم أنف ترمب ومجموعته التي لا تدرك من تاريخ المنطقة حرفا واحدا .

لقد سرني جدا تبادل التحية بين جلالة الملك وأخيه خادم الحرمين الشريفين , وسرني أيضا لقاء الفايز خادم الحرمين وتسليمه رسالة جلالة الملك الثانية وأنا أعرف أن الفايز بذكائه وعفويته وصدقه البدوي الأردني وإنتمائه الذي لا يجارى للوطن والعرش الهاشمي , لديه الكثير مما أفترض أنه قاله في حضرة العاهل السعودي وأركان حكومته وشعبه , حيال العلاقات الأردنية السعودية التي يجب أن تبقى دوما نقية أخوية لا تهزها التحديات أميركية أو إسرائيلية أو حتى بفعل فاعلين لا يريدون بالبلدين ولا بالأمة وقضيتها المركزية خيرا ! .

الأردن والسعودية بالذات ومعهما سائر دول الخليج العربي الشقيقة , أكثر من إخوة وجيران , وعلى كل صاحب رأي ورؤية وقرار في هذه الدول مسؤولا كان أم مواطنا , أن يفعل المستحيل كي تبقى علاقاتنا إستراتيجية قوية تقاوم بصلابة كل خطر داهم , فنحن في مركب واحد ومصيرنا واحد , ولن تجد فلسطين وقدسها وشعبها من ينصرها ويناصر شعبها الرازح تحت الإحتلال غيرنا, ويا لطالما فعلنا وسنظل نفعل حتى تعود عربية وإسلامية كما كانت عبر التاريخ .

الدول العربية ذات الأنظمة الملكية والاميرية هي من سلمت حتى الآن من جحيم الربيع العربي , وعليها أن تتحوط وتنتبه وتتضامن وتوحد كلمتها وتكف عن " زعل الخشوم " إن وجد , فالعيون مفتوحة صوبها , وهذ يتطلب تضامنا حقيقيا بينها كلها , فهي جميعها " عقد " قوي إذا إنفرطت منه حلقة تداعت خلفها حلقات أخرى إستكمالا لا قدر الله لسقوط النظام الرسمي العربي كله , وهو وللتاريخ ما كان حذر منه في ثمانينيات القرن الماضي , الراحل الكبير الملك الحسين رحمه الله .

زيارة الفايز ناقلا رسالة جلالة الملك , لها بالضرورة وقع ومعنى خاصان .
الله من وراء القصد , وصلى الله وسلم على حبيبنا محمد في يوم إسرائه ومعراجه العظيم , والحمد لله رب العالمين .