في شؤون التعليم العالي
جفرا نيوز - د. إياد النسور
في الوقت الذي يصل فيه عدد المتعطلين الأردنيين من حملة الدكتوراه إلى 4000 دكتور ، مازلت الجامعات المحلية والعربية والعالمية تضخ المزيد من الخريجين دون وجود أدنى ضوابط من شأنها فعلياً الموائمة بين حجم الطلب ونوعية الشهادات والتخصصات المطلوبة للسوق المحلي ، مقابل ما يتم عرضه من شهادات وتخصصات في هذا المكان. العرف المجتمعي الدراج بأن كل حامل للدكتوراه لا بد أن تكون الجامعة مكانه الطبيعي ، هذا العرف يتطلب تغييراً جذرياً في التعليمات والتشريعات الناظمة للتعليم العالي.
سوق العمل المحلي للدكاترة يشهد تناقصاً وتباطؤاً في الطلب الخارجي على منتسبيه مقارنة بالسابق، وتحديداً من المملكة العربية السعودية والذي وصل عدد الأساتذة الأردنيين فيها خلال سنوات التسرب إلى 6000 دكتور ناهيك عن حملة الماجستير. هذا التناقص لن يكون مؤقتاً لأسباب لها علاقة بالاكتفاء الذاتي الذي بدأت تحققه السعودية في احتياجاتها من الأكاديمين بعد ابتعاث ما يزيد على 400 ألف طالب إلى أرقى جامعات العالم ، وبالتالي فإن تركيزها المستقبلي سينصب على استقطاب كفاءات وخبرات مميزةبالفعل ولا تتوفر في الداخل .
وزارة التعليم العالي الأردنية وفي عهدة الوزير الحالي كانت قد أدخلت تعديلات على نظام معادلة الشهادات خلال عام 2011 ، وتحديداً على شرط الإقامة والذي بموجبه تمكن الكثير من الطلاب غير المؤهلين بالأساس (وفقاً للمعايير الأكاديمية التي يفرضها التعليم العالي الأردني على الطالب المحلي) ، من الحصول على مؤهلات في الماجستير والدكتوراه تكاد تكون أقرب إلى مستوى طالب بكالوريوس برتبة دكتور . الكثير من تلك الجامعات لم تلتزم بأدنى معايير الجودة الاكاديمية المطلوبة في الجامعات وفي سوق العمل بشقيه المهني أو الأكاديمي. الوافدين الجدد من حملة الشهادات زاد من مستوى البطالة في السوق بهذا المستوى من الخريجين ، والذيين أصبح لهم الحق المطالبة لاحقاً التعيين في الجامعات والحصول على وظائف عليا في الدولة أو ما شابه .
في عام 2019 عاد الوزير المعاني إلى الوازرة ليقوم بالتلاعب بشرط الإقامة مجدداً ، حيث احتفظ القرار بفترة 8 شهور ، ولكن التعديل سمح للطالب الإقامة لمدة شهر بشكل مستمر بدلاً من 4 شهور متصلة كما في السابق ، وقد يكون في هذا الإجراء مراعاة لظروف المواطنين وتقليلاً للأعباء المالية التي يتحملها الدارس في بلد الدراسة . هذا يشير صراحة أن شرط الإقامة في جوهره يبدو غير مهم ولا ينطوي عليه أية معايير أو تبعات قد تساهم في تحسين نوعية ومستوى الخريجين . لكن التجارب تثبت أن الكثير من الدارس في تلك الدول يقضي جل وقته في المنزل أكثر من متابعة دراسته في الجامعة أو مع المشرف ، وقد يظطر للعمل لتأمين مصروفه ومتطلباته المعيشية. نظام التواصل مع الجامعة والمشرف قد يكون أكثر حرية أو فعالية ونحن نعيش في ثورة الاتصال حيث تتعدد وسائل التواصل والمتابعة مع أي جهة في العالم بشكل فعال وكفؤ.
في تعديلات أخرى جاءت الوزارة لتسمح بقبول 20% من ذوي درجة المقبول في البكالوريوس ، ضمن برامج الماجستير في الجامعات المحلية، وسمحت لهم لاحقاً إمكانية التقدم للحصول على درجة الدكتوراة. هذا القرار قد يبدو مراعاة لفئة معينة من الأردنيين ، لكنه يظهر في الوقت الذي تصر به الجامعات على عدم قبول أي دكتور من ذوي المقبول في البكالورويوس مما ولد ضغطاً إضافياً على سوق العمل المحلي ، وبسببه امتدت العدوى إلى دول الخليج حتى أصبحت تشترط " جيد جداً" في البكالورويوس للعمل في جامعاتها ، ومن وجهة نظري هذا تحدٍ آخر يضاف لملف التخبط في قرارات التعليم العالي.
الجامعات الإقليمية والعربية ليست أفضل حالاً من الجامعات الأردنية، وهناك من يذهب للدراسة في الدول الأجنبية ويعود للأردن ، وهو يفتقر إلى أدنى أساسيات المعرفة في التخصص وفي المهارات اللغوية التي اكتسبها وبالذات إذا كانت دراسته في دولة ناطقة باللغة الإنجليزية، مع النقيض تماماً بأن الدارس المحلي يطل منه تقديم ما يثبت كفائته اللغوية ، ومن خبراتي أعتقد جازماً أن جزء من الدارسين في الدول الناطقة باللغة الإنجليزية لن يفلح في اختبار الكفاءة اللغوية الذي يطلب من الطالب المحلي.
الأصل أن يترك للجامعات المحلية التوسع في برامج الدكتوراة بنظام البحث، وأرى أن في ذلك فائدة م العملات الصعبة التي يخرجها الطلاب مهم للدول الأخرى التي يقل مستواها كثيراً عن جامعاتنا ، كما تفيد في إبقاء الطالب تحت رقابة وزارة التعليم العالي ، ولكن أرى أن يتمتع الدراس بحقوق الدرجة وظيفياً ولكنه لا يتسطيع التقدم للتعيين الجامعي خاصة إذا كان من المتفاعدين أو الموظفيين. رخصة التدريس للأعضاء الحاليين والمحتملين متطلب مهم في الظروف الحالية المليئة بالتناقضات ، ولطالما أن شرط الإقامة كان غير مهم ، فافترح أن يكون مصدر جبائي جديدة لحكومة "الرزاز" ، وأقترح أن من أخفق في تحقيق شرط الإقامة في بلد الدراسة فقط بأن يدفع مثلاً غرامة تصل إلى متوسط تكاليف المعيشة لمدة سنة في تلك الدولة لتعويض هذا الشرط مالياً ، وعليه يبقى الدراس في الأردن وقد لا يكون مضظراً للاستقالة من عمله أو ترك عائلته مقابل هذا الشرط الهلامي .
أخيراً ، ما زالت تتحفظ الوزارة على التعليم الإلكتروني على الرغم من اعترافها بذات الشهادات الصادرة عن جامعات أجنبية بشروط معينة ، لذلك اعتقد أن التحول العالمي في التعليم لا بد أن ينعكس على ضرورة الاعتراف به محلياً ، في الوقت الذي قامت معظم الجامعات العالمية بإنشاء برامج اكاديمية إلكترونية موازية للبرامج التقليدية ، وفي بعض الدول القريبة أنشئت الجامعات الإلكترونية ، وفي هذا المزيد من الفرص لاستغلال إمكانات التعليم الإلكتروني وتوظيف رأس المال وخلق فرص العمل .