عبدالله الثاني .. أكثر من ملك !

جفرا نيوز -  شحاده أبو بقر العبادي

كل أردني مجرب حكيم , يعي تماما أن الملك الأردني الهاشمي , أكثر من ملك وأكبر من قائد دولة تقليدي , فكما كان الراحل الكبير الملك الحسين رحمه الله , رمزا لشعب وعنوانا لوطن , فالملك عبدالله الثاني أمد الله بعمره , يجسد الحالتين معا وبجدارة وإقتدار , ولكل منهما طريقته التي تفضي إلى ذات الهدف .

بدأ الملك عبدالله الثاني عهده بشبه تفرغ للشؤون الخارجية على وجاهة أهميتها , وإختار عدة حكومات أولاها شؤون الداخل آملا منها إصلاح الواقعين الإقتصادي والإجتماعي فضلا عن الشأن السياسي المحلي , وساند أفكارها ورؤاها وبلا حدود , علها تحقق المبتغى وفقا لنهج الإعتماد على الذات , فحقق بعضها شيئا وأخفق بعضها الآخر , وبالذات تلك الحكومات التي أراد الملك منها تحقيق شراكة قوية منتجة بين القطاعين العام والخاص من خلال نهج التخاصية الشهير .

مؤسف جدا أن بعض تلك الحكومات فهمت التخاصية على أنها بيع أصول الدولة وموجوداتها , ومن هنا بدأت معاناتنا داخليا , فبدلا من أن تفتح تلك الأصول والموارد العامة للإكتتاب العام المحلي والخارجي على طريقة الشراكة بين القطاعين العام والخاص , جرى البيع كاملا وفقدت خزينة الدولة مواردها التقليدية التاريخية , وإستعاضت عنها بجيوب مواطنين خاوية أصلا ! .

هنا شرع الملك بالعمل على جبهتين , الأولى خارجية ملتهبة بحروب لا ترحم عند حدودنا وبالقرب من تلابيب ثيابنا , ونجح وبإمتياز في مقاربة الحكمة والبراعة في مقاربة السياسة الخارجية , في إخراج المملكة من بين أنياب الذئاب كلها برغم غلو شراستها , ويظلم حظه كثيرا من لا يشهد لجلاله الملك بذلك الإنجاز الكبير , وعلى كل منظر متحذلق أن يتصور حالنا اليوم لولا هذا الإنجاز الملكي الأكثر من رائع ! .

أما على الجبهة الداخلية , فلم يتردد الملك في إقصاء كل حكومة قصرت وشكل بدلا منها لعل وعسى ! , لا بل وأسهم بمجهود كبير في بناء تعاون مع دول شقيقة وأخرى صديقة وفتح أبوابا كثيرة لهكذا تعاون وعهد للحكومات بالمتابعة .

إلا أن الظروف الإقليمية والدولية وتقاطع مصالح الدول من جهة , وتقاعس وتردد بعض حكوماتنا من جهة ثانية , وقفا حجر عثرة دون تحقيق ما يريد الملك تحقيقه , خاصة وأن الملك متشبث تماما بالثوابت التاريخية للمملكة ويرفض التنازل عن شيء منها , ولسببين إثنين , الأول حرصه على أن لا يسجل التاريخ أن المملكة الأردنية الهاشمية أخلت بثوابتها التاريخية , والثاني حرصه على أن لا يلحق بدولة أو دول عربية شقيقة أي قدر من أذى إن هو إستدار بالمملكة في إتجاه آخر ! .
هذا النهج الوطني القومي الإنساني الأخلاقي الذي يختطه الملك , يستحق أن يقدر عاليا وأن يثمن غاليا من جانب وطني أردني , ومن جانب قومي عربي , وحتى في بعده المثالي الدولي , لكن فوضى العالم اليوم , تجامل كثيرا وتمدح كثيرا وحسب , ولا تلتفت في المقابل كثيرا إلى ما يجب أن يقابل هذا النهج الملكي الأردني بما هو حري به من دعم ومؤازرة وتقدير .

في السياق , يخرج علينا نفر يدعون الحكمة من خارج حدود الوطن , بعضهم تنقصه الدراية بخفايا السياسة والأمور , وبعضهم " راكبها ملط " كما نقول , فينصحون ويتهمون وبعضهم يشهرون ويجرحون , ومنهم من يستقي معلوماته من مغردين إسرائيليين تمدهم أجهزة إستخبارية بما تريد أن يقولون , وكله معلومات وإشاعات إستخبارية موجهة لها غاياتها الشريرة ضدنا وضد نظامنا السياسي ومصالح شعبنا لا بل وأمتنا كلها ! , ولا تخدم غير العدو .

ذلك شأن يطول شرحه والحديث فيه , وما يعنيني هنا هو قول فصل لا مراء ولا تملق ولا نفاق فيه , وهو أن الملك عبدالله الثاني , أكثر من ملك وقائد وطن , فهو سبط هاشمي لا يمكن وتحت أي ضغط أو ظرف كان , أن يتنكر لإرثه الهاشمي الوطني العربي الذي دفع آباؤه وأجداده ثمن الوفاء له والتشبث به , وهو فقط بحاجة إلى رجال رجال يلتفون حوله وحول المملكة , أيا كانت مواقعهم داخل السلطة أو خارجها , فهذا وطن في عين العاصفة , لا يصح ولا يجوز أن يعتقد رجاله أنهم بمنآى عن المسؤولية والمشاركة في حفظه من كل شر .

مرة ثانية , عبدالله الثاني أكثر من ملك , وهو صاحب رأي ورؤية وبعد نظر , ولو كان لي رأي كمواطن , لنصحت بإزالة كل جليد قد يكون يغطي علاقات المملكة بجوارها وبالذات دول الخليج العربية .. السعودية والإمارات ومصر وغيرها , وبمبادرة رائعة أردنية فحواها , أننا نحن الأردنيين أدرى وأخبر وبحكم تجارب السنين بكل مرارتها , بنوايا ومواقف ودهاء المحتل الإسرائيلي الذي لن يسلم من شره عربي , إن لم نتفاهم ونتوحد موقفا وكلمة ورأيا ورؤية في مواجهته .
خلاصة القول : ما نعرفه نحن المحتجين وأصحاب الرأي الآخر إنطلاقا من حرصنا على بلدنا وهويتنا وتاريخنا وقدسنا وفلسطيننا , لا يساوي واحدا بالألف مما يعرفه الملك , ويقينا فهو الأكثر حرصا منا جميعا , فلنوحد صفنا مع الوطن والملك بعيدا عن الهواجس والشكوك , والقرار هو في نهاية المطاف للشعوب لا لترمب وزمرته . والله من وراء القصد .