الأمن هو الحقيقة الكاملة وخلّي الباقي يولّي..
جفرا نيوز - كتب : ابراهيم عبدالمجيد القيسي.
لم أكتب مقالة للدستور أمس؛ لأنني أيضا مواطن انشغل وأغرق في اليوميات والمسؤوليات، ورغبت التواصل مع بعض القراء بكتابة بعيدة عن صفحات الدستور..
لا وجه شبه يجمع بين أداء السياسة وأهلها من جهة، وبين المنظومة الأمنية والعسكرية عموما، حيث تلاحظ في الأولى تقهقرا وانحطاطا وانتاجا مستمرا للأزمات، وخسرانا كبيرا على صعيد الثقة بالواقع وهاجسا يتصاعد بالخوف على المستقبل، أما الثانية ففيها كل مظاهر الثبات والواقعية والاستقرار في الثقة والعلاقة..وهذه مفارقة أردنية تتعارض مع سياقات العلاقة المعروفة بين الدول وشعوبها.
التدليس والضحك على الذقون أصبح تكتيكا سياسيا، رغم بعده عن الاخلاق وعن قيم الصدق والثقة بين الدولة ممثلة بالحكومة وبين مواطنيها..
بين يوم وليلة سبحان الله، تفجرت البلاد بفرص عمل لا يمكن لعاقل او موضوعي أن يصدق بوجودها، وإن توفر شيء منها، فلن يكون الا من نوع عمل يومي مؤقت لا يدر دخلا ولا يؤمن استقرار للعامل فيه، وهي تشبه ما كان يقوم به مرشحون للانتخابات في منطقتنا، حيث يقومون بتعيين مزعوم لعدد من الشباب لكسب أصواتهم وأصوات ذويهم، يستمر حتى يوم الانتخابات فتتبخر الوظيفة التي لم تستمر سوى شهر أو شهرين ثم تنكشف الخدعة..
فأي وقت يشتريه السياسيون جراء هذه المزاعم المكشوفة، وماذا بعد انتهاء دورهم في المسؤولية ومجيء حكومة أخرى؟.. يعني كم يبقى من المخدوعين الذين سيصدقوا الحكومات ومسؤوليها المأزومين بعد هذا الخداع المستمر؟!.
بلا مبالاة تذكر؛ يجتر السياسيون خطابا ديمقراطيا يسبح في العدالة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون، وهم يعلمون تمام العلم بأن لا أحد يصدقهم، فيتحدثون عن النزاهة في التعيينات بكل مستوياتها بينما الواقع يقول العكس، فالحقيقة أن رئيس الحكومة نفسه وكّل يعني استقدم وعيّن كل أصحابه بوزارات وإدارة مؤسسات (وما زال)، وهي حقيقة لا يتجادل فيها اثنان، وإن كنا نؤكد حقه في اختيار فريقه الوزاري وحيازته على ثقة مجلس الأمة، فإننا يجب أن نؤكد أيضا أن أغلب أصدقاء الرئيس أخفقوا وكان قدومهم سببا مضافا لمزيد من تأزيم، وشرعنة للتنفيع..
من بين المفارقات التي تؤكد بأن السياسة أصبحت هي الإسم الآخر للخداع بشراء الوقت وإطالة عمر الحكومات الفاشلة، وشرعنة التضليل وتأزيم العلاقة بين المواطن والدولة، نذكر ديوان الخدمة المدنية مثلا:
حيث كنا وإلى وقت قريب، نثق بإجراءات الديوان، وكانت ترسو في أذهان كثيرين منا ثقافة فيها عدالة نسبيا، ولم تتزعزع هذه الثقة الا في السنوات الأخيرة، حين انكشفت استراتيجية مجالس النواب في التفلت من العدالة والمساواة، حيث كان النواب يقوموا بتعيين مواطنين بوظائف على الفئة الثالثة حملة توجيهية وما دونها، وما يلبث هؤلاء الا ويصبحوا من موظفي الفئة الثانية ويتبين أنهم من حملة الشهادات العليا..
وكذلك نقول عن تلك الأخبار حول تعيين مجالس النواب لمواطنين كمساعدين وسكرتاريا لكل نائب، وحين يبدأ عمر مجلس نواب جديد يقوموا بتصفير عداد الموظفين من المجلس السابق بنقلهم الى مؤسسات أخرى وتثبيتهم عن طريق ديوان الخدمة المدنية، ثم شروع أعضاء مجلس النواب الجديد بتعبئة مكاتبهم بالموظفين الجدد، وهكذا مع كل مجلس، وقد بلغ عدد الموظفين في عمر مجلس واحد أكثر من 1300 موظف، وهذا رقم مهول إذا علمنا أن التعيينات الحكومية لا تتجاوز 8000 كل عام!.
ومن الاستراتيجيات المخادعة التي فتحت مجالا للتفلت من العدالة (بتزريق موظفين) افتئاتا على حقوق آخرين، ما قيل عنه بأنه (مقابلات شخصية قبل التعيين)، حيث يفقد طالب الوظيفة دوره حين لا يحصل على علامة أعلى من الشخص المطلوب تزريقه تنفيعا لقوى وأشخاص بعينهم.
وفوق هذا كله؛ ما زال الرزاز يقدم أصدقاءه لمواقع إدارة تحتاج الى خبرات وسيرة عملية، مع كل الاحترام بالطبع لرئيس الديوان الجديد..الذي جعل الرئيس يتساءل بالأمس، ويطالب بحصر أعداد طالبي العمل في البلد، فإن كان رئيس حكومة ولا يعلم عن ارقام هذا الملف فهذا يدعو للعجب، وما يدعو لعجب أكبر أن رئيس الديوان الجديد نسي تماما بأن يخبر رئيس الحكومة بأن عدد طالبي الوظيفة في الديوان من حملة الشهادات العليا يزيد ٣٨٨ ألف شاب وفتاة، وأن الجامعات تخرج سنويا 20 الف جدد، وأن اكبر رقم تعينه الحكومات سنويا لن يتجاوز ٨ آلاف، لم يخبر الصديق صديقه او صديق والده بينما شرع بالتحدث عن الديوان والدور والقوانين، وبحديث قديم مستهلك لا يقنع أحدا، ويأتي في سياق استعراض يعتبر الناس (صفحة بيضا)، ولا يأخذ بالإعتبار بأنهم باتوا تحت الغضب وحتى الحقائق لا يسمعونها ولا يحترمونها فكيف سيكون حالهم مع الاستعراضات المستهلكة؟!.
والمؤسسات والهيئات المستقلة، التي هي بحد ذاتها مزارع للنخب في مناطقها، حيث التعيينات تجري فيها بلا قوانين سوى الواسطة والمحسوبية والتنفيع والاسترضاء وشراء الولاءات، وأثبت التاريخ حجم إخفاقات هذه المؤسسات وخسائرها، وثمة في ذاكرة الأردنيين موسوعات من قصص الفساد المؤكد والمزعوم..
وعلى عهدة الرزاز ازداد الانحراف في أداء كثير من هذه المؤسسات، ويكفينا الإشارة إلى الجامعات الرسمية مثلا، فهي جزر معزولة لا يمكن لشخص موضوعي أن يدعي بأنها تخضع لرقابة حقيقية وأن ما يجري فيها من تعيينات وممارسات طبيعي وقانوني..
كم زاد عدد موظفي رئاسة الوزراء بعد مجيء الرزاز، وكم تضخم بعد التغيير الأول لموقع ووزارة مجد شويكة؟ ومن هم هؤلاء الموظفون وماذا يفعلون هناك؟ وماذا أثمر عملهم غير مزيد من إرباك ونفقات وإزعاج للرئيس ومكتبه !.. كم سكرتيرة وموظف ضعيف أصبحوا رؤساء أقسام ومدراء منصات ومجسات ومشغلي ماكنات إشاعات صبيانية؟.. الله يلعن أخت الإعلام الذي أصبح شغلة اللي ما إله شغله وعملا يقدم دخلا ونفوذا للفاشلين وعديمي الشهادات والخبرات.. انسوا الموضوع (خلّوه لبعدين بنتفاهم عليه).
إن كنا ضد التفكير المأزوم وضد الحديث السلبي الذي يقوض الثقة بالدولة ومؤسساتها، فإن هذا لا يعني بأن الصمت عن الأخطاء في أداء الحكومة موقف وطني أو أخلاقي، فهو صمت شيطاني يسارع بالمركب الى الهاوية أو الدوّامة، ولا يقع في باب الوطنية، حيث يفقد المواطن ثقته في الدولة كلها، وليس بحكومة معينة، ولا يمكنه مع كل هذا الخداع أن يصفر عداد الثقة بعد رحيلها ويرحب بحكومة أخرى، فنحن نعلم بأن الحكومة نفسها تعجز عن اقناع الناس، وأصبحت تتوكأ على الفبركة والأشاعة والتكتيك السياسي المتوحش الملعوب ألف مرة، والذي يهدر كل القيم الوطنية والقانونية في تفكير الناس، ويجعل منهم مجرد قطعان مغفلة من الغاضبين...
كل الخطاب والأداء أصبح قديما رجعيا عدميا، لا يقود الى مستقبل مستقر، فسلعة شراء الوقت وحين يطول العمل بها باعتبارها تكتيكا سياسيا مشروعا، لن تفضي سوى إلى مزيد من إنحطاط في الأداء والسلوك وتعجّل في استحضار الاضمحلال ..
انصتوا السمع قليلا..!!
هل تسمعون ما أسمع؟!
هؤلاء لم يسمعوا أو يفهموا شيئا مما نقول وهاهم يتحدثون بالخطاب التكتيكي الخشبي البائد ..( تغيير قانون انتخاب وكمان قانون لا مركزية)!.. إن كانوا كذلك يفهوا التغيير والإصلاح فهم لن يفهموا شيئا مما نقول ونكتب.
(يصطفلوا) ..أو خليهم يولّوا قولتن.