وطن للضياع ام مواطن للهلاك
جفرا نيوز - لا شكّ انّ الأوطان ليست للبيع او للمبادلة لذلك يرفض المواطنون النزوح عن اوطانهم او هجْرها والهروب منها إلاّ إذا تعرضت لخطر داهم وكبير مثل إحتلال بقوّة السلاح او مذابح جماعيّة عرقيّة او طائفيّة او حصار المواطنين بلا مأكل او ملابس اي حرمانهم من الغذاء والدواء والكساء وخاصّة في ظروف جويّة عاصفة .
ولكن تلك الأخطار الداهمة عندما تأتي من الخارج يقف المواطنين صدّا منيعا ويدا واحدة في وجه المعتدي ويستطيع ان يتحمل الجوع والعطش والألم فداء لذلك الوطن ولترابه الغالي .
ولكن عندما تكون تلك المخاطرمن رفع لأسعار المواد الغذائية ورفع القيمة لإستهلاكات الماء والكهرباء والطاقة وغير ذلك بحيث لا يتحملها رب الأسرة فإنّه سيخرج محتجّا يصرخ باعلى صوته انه ما عاد قادرا على التحمل وقد يخرج مشيا لمئات الكيلومترات ليبحث عن عمل وهو يكون شبه متأكد انه لن يجد عملا كريما له لأن من يقصدهم ليس لديهم إمكانية لفتح شواغر في القطاع العام وليس لديهم صلاحيّة او قوةّ لفرض تعيينه في القطاع الخاص وليس لديهم خططا اصلا لمساعدته وانهم فقط لديهم فرصا للتعيين حسب المصلحة والمحسوبيّة وانهم فقط يعتمدون على الأجهزة الأمنيّة لتفريق هؤلاء الخارجين للبحث عن لقمة العيش ويعتبرونهم خارجين على القانون في طلبهم وانه ليس من حقِّهم طلب الحياة الكريمة لهم ولعيالهم واطفالهم بل وقد تعتبرهم الحكومة ومسؤوليها ان هذه الفئة من المواطنين التي خرجت تسير في الطرقات في البرد القارس وليلا نهارا هم متطرفون في افكارهم وبحاجة الى المحاسبة والعقاب واعتقالهم وسجنهم لولا مخافة ان تصبح قضيتهم رأيا عاما وتشتعل البلد على الحكومة والمسؤولين والفاسدين الذين اصبحت اسماء بعضهم معروفة والذين نهبوا اموال الدولة وثرواتها وتسبّبوا في موت الكثيرين بسبب الجوع والإصابة بالسرطان والجلطات القلبيّة والدماغيّة وكلُّ ذلك مخزون في عقول المواطنين وفي ضمائرهم وكأنه قنبلة موقوتة بحاجة لإشعال فتيلها لتنقلب البلد على من فيها وقد يعود ذلك بالدمار والضرر على اسرائيل وغيرها من سفارات ومواطنين يحملون جنسيات اجنبية ودون أي إنتماء لهذا الوطن الذي من شتوة غرقت المحلات والشوارع والبيوت ولم نفد اكاذيب الحكومة بتشكيل فرق طوارئ وخربت بيوت الناس وباتوا يشتمون المسؤولين في الشوارع .
وبالرغم من الحالة الاقتصادية العربية العامة المتردية، هناك 4 دول عربية على وجه الخصوص، ربما يكونون عرضة لهذا الخطر الاقتصادي الكبير، ففي 17 تشرين الثاني 2017، نشر موقع «بلومبرج» قائمة الدول التي قد تتخلف عن سداد ديونها، وذلك على طريقة فنزويلا، التي تخلَّفت عن سداد بعض ديونها مؤخرًا، وضمت القائمة اربع دول عربية على رأسهم لبنان، ثم مصر، ثم البحرين، إضافة لتونس ,وفي البداية يجب أن نشير إلى أن الدول تفلس عندما لا تستطيع الوفاء بديونها الخارجية، أو لا تتمكن من الحصول على أموال من جهات خارجية لدفع ثمن ما تستورده من البضائع والسلع، ويمكن أن تفلس أيضًا في حالة انهيار الدولة بسبب خسارتها حربًا؛ ما قد يعرضها لاستعمار بالأساس أو لوصاية دولية، أو انقسامها لأكثر من دولة .
رأى مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن قبل اربع سنوات، ديفيد شينكر، أنه "على الرغم من التطورات في سوريا والعراق، فإن الأردن يثابر من أجل النهوض باقتصاده، كما أشار البنك الدولي وصندوق النقد الدولي .
ومع ذلك، يقول شينكر: "فإن المرونة الملحوظة للمملكة، واستمرارية الاستقرار في البلاد، ليست عوامل مضمونة على الإطلاق، ومن المرجح أن تصبح أكثر ضعفا مع تدهور الأمن الإقليمي ."
وحول الاقتصاد الأردني، كتب ديفيد شينكر تقريرا على الموقع الإلكتروني لمعهد واشنطن، دعا من خلاله إلى "استمرار الدعم الاقتصادي الكبير الذي تقدمه الولايات المتحدة ودول الخليج للأردن ."
وقال الباحث في المعهد "في الاحتفال باليوم العالمي للاجئين)، حيث برز الأردن بوضوح ولسبب وجيه، فوفقا للسلطات الأردنية، وصلت نسبة اللاجئين السوريين في البلاد في الوقت الحالي 21 في المئة من سكان المملكة .
ولا يمكن ان يحصل إنهيار إقتصادي بدون شواهد وأدلّة قاطعة ومنها انهيار القطاع الزراعي وإفلاس صغار المزارعين وتراكم الديون عليهم والتخبط في نظام إستيراد وتصدير المنتوجات الزراعيّة وتسويقها بالإضافة للتأمين الزراعي .
والقطاع الصناعي اوشك على الإنهيار نتيجة إغلاق مصانع متوسطة وصغيرة ورحيل مصانع كبيرة واستثمارات هامّة الى خارج البلد وكذلك منافسة المنتجات الأجنبية مثيلتها الأردنية وقد انخفض الرقم القياسي لكمية المنتجات الصناعية من 97.2الى 91.3 اي بمقدار 6,1% بنفس الوقت الذي ارتفعت فيه قيمة الصادرات بنسبة 7,5% نتيجة ارتفاع اسعار تلك الصادرات مما يجعل المنتجات الصناعية الأردنية غير منافسة في الأسواق العالميّة في المستقبل القريب .
أمّا قطاع العقار فيمرُّ بمرحلة الإحتضار نتيجة إنخفاض اسعار وبدل الإيجار للعقار والأراضي في كثير من المناطق وكذلك إنخفاض مساحة المشاريع المرخّصة بشكل كبير جدا وإغلاق الكثير من شركات المقاولات والمستثمرين في قطاع الإسكان مكاتبها والديون المتراكمة على كثير منها وهذا القطاع انهياره يؤثِّر سلبيا على عشرات القطاعات الأخرى وقد تبين ان حجم التداول بالعقار خلال الشهر الأول من عام 2019 انخفض بمعدل 24% عنه في نفس الفترة لعام 2018 و35% عنه في 2017 وكذلك انخفضت الإيرادات الحكومية بنفس الفترة 2019(حوالي 18 مليون دينار ) بنسبة 21%عنها في2018 (حوالي22مليون دينار) وبنسبة 35% عنها في 2017 (حوالي 27 مليون دينار ) كما ان 33 شركة عقارية في قطاع الإسكان خسرت 5,5% كما ان التداول العقاري إنخفض بنسبة 26% في الربع الثالث من عام 2018, كما يقدر العاملون في هذا القطاع ان اكثرمن2 مليار دينار خرجت من القطاع العقاري .
اما القطاع التجاري فقد اصيب بانهيار كبير حيث قلّت كمّية المبيعات بالرغم من نزول الأسعار بشكل كبير كما تسببت ازمة القطاع التجاري بإغلاق مئات المحلات التجارية خاصّة في قطاع الملابس ورحيل الكثير من التجّار لخارج البلد وقد انخفضت المساحات المستأجرة في بعضها حوالي 22% كما ان مشتريات بعضها انخفض الى النصف إضافة الى ان الكثير من الماركات العالمية للملابس والمطاعم اغلقت او غادرت البلد الى خارجه وقد لجأ التجّار للمنافسة بتقديم عروض سخيّة دون فائدة .
وانخفضت قيمة ايرادات القطاع السياحي بشكل كبير فالسياحة الأجنبية ما عدا منطقة العقبة انخفضت كثيرا نتيجة إرتفاع اسعار المواد وتذاكر الدخول ووسائل النقل وكذلك السياحة الداخلية انخفضت نتيجة ارتفاع الكلفة على السائح المحلّي ,وانخفضت ارباح فندق الماريوت(الشركة العربية) من مليون ومائتين وثلاثون الف دينار عام2017 الى434 الف دينار عام 2018, وحيث ان رأس مال الفندق 32مليون دينار اي انعائد الإستثمار انخفض من 4% الى حوالي 1,4% كما ان عائد الإستثمار في شركة زارة (مالكة لعدة فنادق) انخفض من 3.4% الى 2,6% حيث ان رأس مال هذه الشركة 150 مليون دينار .
اما قطاع النقل فهو مصيبة المصائب في البلد نتيجة ارتفاع الأسعار على المواطن وعدم وجود منظومة نقل وطنيّة وكذلك تظلُّم مكاتب التكسي الأصفر وشكاوي شركات التطبيق الإلكتروني العاملة وتأخر وعرقلة السير وتأخر المشاريع مثل الباص السريع وغيرها واقترضت الحكومة للباص السريع 137مليون دينار إضافية .
وقطاع الخدمات من اسعار استهلاك الكهرباء والمياه ومواد الطاقة والتلاعب باسعار تلك الخدمات وعدم وضوح كيفية احتساب اسعارها إضافة لتشكيك الكثيرين من المحلِّلين في صدق التصريحات الحكوميّة حول تلك الأسعار والخسائر المتراكمة بالمليارات.
وكذلك هناك ما يواجهه الأردن من أخطار إرتفاع حجم المديونية الخارجية والداخلية بالنسبة للناتج المحلّي الإجمالي الذي زاد عن 96% وهذا بحد ذاته يُنذر بالخطر الداهم على المملكة وقد صرح رئيس الحكومة انه سيخقضه الى 77% عام 2021 .
وإنّ ما يسبِّب آثارا سلبيّة على مختلف القطاعات هو ملف الفساد وقد أثيرت شبهات فساد حول الكثير من الشخصيّات والتي تُقدّر بعشرات المليارات من الدنانير والتي من الممكن ان تساهم في حل المشاكل الماليّة للحكومة ولم تجرأ أي حكومة على تضييق الفجوة بين مداخيل طبقة عليا ورواتب طبقة كادحة بعد أن قضى على الطبقة الوسطى وإثراء الأغنياء وجوّع الفقراء ولم تمس تلك الحكومات المتعاقبة المداخيل المتجنِّية على حقوق المواطنين وهذه الفجوة في تصعيد وممكن ان تؤدّي الى مشاكل إجتماعيّة خطيرة مستقبلا ومن تلك الخطايا التي ارتكبتها إحدى الحكومات وبمساندة مجلس النوّاب هو منع أيِّ من المسؤولين المدنيّين والعسكريِّين من الحصول على أيِّ جنسية اخرى وهو على رأسص عمله وكان هذا اهم قرار وطني ويكرِّس السيادة الوطنيِّة للمملكة الأردنية الهاشمية ولكن سرعان ما تراجعت الحكومة ومجلس النوّاب عن هذا القرار الذي مثّل قوّة الرغبة الأجنبيّة على قوّة الإرادة الوطنيّة وكما ان هناك مشاريع جدليّة احدها شراء الغاز من شركات اسرائيلية صريحة او مخفيّة وكذلك كانت هناك مشكلة تأجير اراضي وادي عربة لإسرائيل ونجحت الأردن بعدم تمديد ذلك الملحق لإتفاقية سلام وادي عربة بفضل جلالة الملك .
وبالرغم من المخاطر التي تواجهها المملكة هل يمكن عرض الوطن للبيع بالمزاد كما عرضته في الثمانينات من القرن الماضي في مجلة تايم الأمريكيّة وسحبت العدد لاحقا من السوق لأنها وجدت ان الوطن لا يُباع ولكن يمكن إستيراد رجال مثل مهاتير محمد(مواليد 1925) أو لي كوان يو (مواليد 1923 ) أو لويس ايناسيو دي لولا سيلفا (مواليد 1945) وهؤلاء وغيرهم ممّن أصلحوا بلادهم بعد ان خرّبها الفاسدين واصبحت من الدول الرائدة بعد ان كانت مديونة ولا تحتاج العمليّة دون الحاجة لفلوس وإنّما فقط الإرادة والإنتماء .
أم هل يُعرض المواطن للبيع كما اشيع احيانا وورد في إحدى مسرحيات دريد لحّام ان مواطن قد يعرض ابناؤه اوبعضهم للبيع او ما يسمّى تخفيفا للإذلال ولحفظ الكرامة بالتبنّي وذلك ليخفف ذلك المواطن عن مسؤوليته في مصروفهم وتربيتهم نظرا للضنك الذي اوصلته الحكومات لحال المواطنين وحياتهم وطبعا لا الوطن ولا المواطن عُرضة للبيع لأن الوطن غالي على المواطن والمواطن كذلك حامي الوطن واساس نموِّه وتنميته امّا الذي يمكن ان يُباع بابخس الأثمان فهو الفاسد .
اللهم احفظ وطنّا من الضياع ومواطننا من الهلاك وقيادتنا من أيِّ مكروه .
احمد محمود سعيد
البناء الأخضر للإستشارات البيئيّة
ambanr@hotmail.com
2/3/2019