ولي العهد السعودي في عمان
جفرا نيوز - شحاده أبو بقر العبادي
نشرت وسائل الإعلام , خبرا عن زيارة يقوم بها سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للمملكة قريبا, للقاء جلالة الملك, والتباحث في العلاقات الأردنية السعودية, وفي قضايا المنطقة والإقليم والأمة عموما .
كنت وما زلت وسأبقى, من أكثر الواثقين بأن دول الخليج العربي الشقيقة عموما, والسعودية فالإمارات والكويت , بالذات , هي عمقنا الإستراتيجي الحقيقي , الذي لا يمكن لحريص على الأردن, وعلى مصالحه الإستراتيجية , أن ينكره , أو له يتنكر .
وبالطبع فإن ذلك لا ينتقص من أهمية علاقاتنا مع أشقائنا الآخرين , مصر العراق سورية البحرين قطر عمان ولبنان , لكننا نتحدث سياسيا وإستراتيجيا من حيث الأولويات , لا من حيث الإنتقائية .
وعليه , وبمناسبة هذه الزيارة المهمة المرتقبة والمرحب بها , للأمير محمد بن سلمان , فلا بد من إستحضار تاريخ العلاقات الأردنية السعودية كاملا , للإقرار , بأن هذه المملكة الشقيقة , كانت وتبقى بعون الله , الداعم الأول, والسند الأقرب , لمملكتنا , وفي مختلف الظروف والأحداث الجسام التي مررنا ومرت بها المنطقة عموما, ومنذ تأسيس مملكتنا وإلى يومنا هذا .
نعم , مرت علاقاتنا مع الشقيقة الكبرى بظرف لم نتمناه , لا نحن , ولا هم , وتحديدا في مسألة إحتلال الكويت الشقيقة وحرب تحريرها, وإختلفت وجهات النظر بيننا إزاء ذلك الخطأ المرعب والجسيم, والذي ما زلنا والمنطقة عموما, ندفع " فواتيره " كعرب, حتى اليوم .
هذا صحيح , وتلك محطة مفصلية شاذة مرت بها علاقاتنا الأردنية السعودية في حينه , ولكن , وللأمانة وللتاريخ , فإن مضمونها في الذهنية الرسمية والشعبية السعودية , كانت مجرد عتب لا غضب , وهو عتب تلاشى مفعوله وبسرعة, لتعود العلاقات كما كانت وأفضل , ولتعود السعودية وكما كانت من قبل , أكبر داعم لخزينة دولتنا ومشروعات حكوماتنا , والماثلة اليوم في معظم أرجاء الأردن , وليست المنحة الخليجية ببعيدة عنا , ومقدارها 3750 مليون دولار, من أصل 5 مليارت ,إلتزمت بها وبالتساوي, السعودية والكويت والإمارات , وقطر الشقيقة التي ما زلنا نجهل سبب عدم وفائها بحصتها منها .
لا يقف الأمر عند تلك المنحة فقط , فنحن كبار السن , نقر ولا ننكر, كي لا نظلم حظوظنا , بأن المملكة العربية السعودية الشقيقة , لم تتوان يوما عن دعم الأردن, بالمال وبالسلاح , وبالمواقف الأخوية القوية , إبان الحروب العربية الإسرائيلية , وقبلها وبعدها , وبإستقطاب مئات الآلاف من أبناء الأردن وبناته للعمل وحتى اليوم , والذين بدورهم أسهموا في بناء النهضة في هذا البلد الشقيق.
ندرك أن العالم كله قد تغير , وأن التطورات والأحداث الهائلة وجلها حروب ونكبات , قد غيرت الكثير من المفاهيم , والسياقات التي فرضها ذلك التغير , ونحن في الأردن والسعودية , ورغما عن إرادتنا وطموحنا , جالسون في خضم هذ الواقع الإقليمي والدولي المستجد, والذي تتقاطع فيه مصالح الدول , كبيرها وصغيرها على حد سواء . لكننا ندرك في المقابل , أن مصالحنا معا , تقتضي أن نكون على وفاق وإتفاق دوما , وأن مقتضيات التنسيق والتشاور والمصارحة والتعاون فيما بيننا , باتت اليوم أكثر إلحاحا من ذي قبل , وبالتعاون مع أشقائنا العرب في مجلس التعاون الخليجي , ومصر والعراق وسورية ولبنان , لا بل وكل العرب بلا إستثناء .
للسعودية الشقيقة خصوصياتها الحساسة في إقليم مضطرب ملتهب تسوده المطامح والمطامع , وللأردن الأمر ذاته , وأمن السعودية وقوتها وإستقرارها , ينعكس وبصورة مباشرة وغير مباشرة , إنعكاسا إيجابيا على الأردن , وأمن الأردن القوي المستقر , له كذلك , إنعكاسه الإيجابي المباشر وغير المباشر على الواقع السعودي . ومن هنا , فإن كل حكيم عاقل وحصيف , يؤمن بأن لا إنفكاك بيننا , وأن لا مجال إلا أن تكون علاقاتنا خاصة , وقوية, وإستراتيجية , وفي العمق .
نرحب بسمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في الأردن , وهي زيارة تأتي في وقت مهم ودقيق, لا بل وحتى خطير , وعلى المنطقة العربية كلها , ولا بد أن لها نتائجها الإيجابية الطيبة التي تصب في المصالح العامة لبلدينا وشعبينا الشقيقين من جهة , ومصالح وقضايا أمتنا العربية, والتي تجتاز ظروفا شاقة ومريرة , وبالذات على صعيد قضية فلسطين, وحقوق شعبها المشروعة , وإنعاكاساتها على الأردن , وعلى مجمل العمل العربي المشترك الذي يبدو أن الأمور تسير بعون الله ,
بإتجاه لملمته وإستعادته ما أمكن , من جهة ثانية .
خلاصة القول , الأردن والسعودية , بلدان وقيادتان ومملكتان وشعبان جاران شقيقان متماثلان في كل أمر , أمنهما وإستقرارهما وأمن دول الخليج جميعها , واحد لا يتجزأ , وهم من تحملوا وطويلا عبر العقود من تاريخ الأمة , الوزر الأكبر من أعبائها , وما منوا, ولا ضنوا, ولا إشتكوا, برغم كل ما واجهوا من ظلم القريب قبل البعيد , وبالتالي , فليس أمامهم اليوم , واليوم بالذات , إلا أن تتوحد مواقفهم, وكلمتهم, ومصالحهم, ففيها حاضرهم ومستقبلهم لا محالة , وإلا , فهم " لا قدر الله " , كمن يسلمون كل هذا للمجهول , في زمن جد حرج وصعب وخطير ! . والله جل جلاله , من وراء القصد .