هجرة مخترع .. أسئلة مشروعة
جفرا نيوز -المهندس عادل بصبوص
كان من الممكن أن يمر قيام مخترع أردني بالإعلان عبر صفحته على "الفيس بوك" عن عزمه الهجرة إلى تركيا مرور الكرام، كأي قرار شخصي لأي واحد منا، لولا قيام عدد كبير من المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الإجتماعي بإعادة نشر الخبر والتأكيد على أن سبب الهجرة هو الهروب من "الفساد" الذي أصبح له في البلد "كرسي وقرار"، وقيام هذه المواقع بنشر تفاصيل الإختراعات التي قام بها الشخص المذكور، الأمر الذي ترك لدى الكثيرين مشاعر مختلطة بين التعاطف مع كفاءة وطنية تترك البلد في وقت نحن في أمس الحاجة إلى وجودها، وبين حنق على المسؤولين الذين يقتلون المواهب ويحبطون الإبداعات.
ونحن إذ نتعاطف من حيث المبدأ مع صاحب المخترعات والذي سيضطر مرغماً إلى ترك وطنه وأهله والعيش في بلاد الإغتراب، نرى ضرورة مناقشة الموضوع بهدوء وروية، فالقضية ليست متعلقة بفرد واحد وإن بدت كذلك، فإن صحت الرواية المتداولة بهذا الخصوص فنحن أمام ظاهرة خطيرة تستوجب المعالجة، فالوطن الذي لا يحتضن مبدعيه ويهتم بهم ويرعاهم لا مستقبل له في عالم اليوم، والوقت ما زال متاحاً لتدارك ما لحق بالمخترع من تجاهل وإهمال وإحباط، ليس خدمة له فقط وإنما للوطن بمجمله الذي هو بحاجة ماسة إلى جهود ومنجزات الجميع فما بالك بالمخترعين والمبتكرين وأصحاب المواهب، وإن تبين خلاف ذلك فهو "اي المخترع" مدين لنا جميعاً بالإعتذار والتراجع عما كاله للوطن والمسؤولين من تهم وإن بدت له هينة ...... فهي عندنا كبيرة وكبيرة جدا.
ولتبيان الحقيقة في هذا المجال لا بد من إجابة الطرفين، المخترع والجهات الرسمية المعنية، على عدد من الإسئلة التي تطرح نفسها بإلحاح بهذا الخصوص، وحيث أن غالبية المخترعات موضوع البحث تتصل بالطاقة وإكتشاف مصادر جديدة لها وطرق إستخدام اكثر كفاءة وفاعلية، وحيث أن القضية قد تم نشرها على نطاق واسع، فوزارة الطاقة والثروة المعدنية والجهات المعنية الأخرى كالجمعية العلمية الملكية والكليات العلمية المتخصصة مطالبة بإبداء رأيها في هذا الموضوع، وبيان سبب عدم الإستفادة من هذه المخترعات وتطويرها، خاصة وأن موضوع الطاقة يمثل التحدي الأبرز الذي يواجه الوطن هذه الأيام، بل لعله السبب الرئيسي في تفاقم المديونية إلى المستويات الكارثية التي وصلت إليها.
وليسمح لنا صديقنا المخترع وقد أعلن عن المشروع الذي سوف يبدأ به حياته العملية في موطنه الجديد تركيا والذي لا علاقة له البتة بموضوع مخترعاته المتعددة، أن نتساءل معه عن عدم توجهه للعمل في مجالات تعتمد على مخترعاته وإبتكاراته، بحيث يستفيد منها ويعمل على تطويرها وقطف ثمار يانعة تفوق أية نتائج قد يحصل عليها من العمل في المجال التقليدي الذي إختاره.
قضية أخرى مهمة يجب الإنتباه إليها جيدا، وهي أن الأفكار الجديدة والمخترعات هي سلع نادرة جدا تتلقفها وتبحث عنها الشركات الصناعية الكبرى وتدفع مقابلها أغلى الأثمان، ولا داعي للمعاناة في هذا المجال حيث يمكن بيع الأفكار الخلاقة دون الحاجة إلى الهجرة وترك الوطن، هذا إذا كانت هذه الأفكار تمثل إختراعات ذات قيمة فعلا، فالكثير من الأفكار العلمية الجديدة تبدو للوهلة الاولى وكأنها إختراق وفتح عظيم، إلا أن هذا الإنطباع سرعان ما يتبدد عندما يتم العمل على تحويل هذه الأفكار إلى مشاريع فعلية Commercialization حيث تظهر قليلة الجدوى لا فائدة منا مقارنة ببدائل أخرى متوفرة، إضافة إلى أن استثمار المخترعات العلمية بشكل عام تحتاج إلى بيئة وقاعدة صناعية معظمها غير متوفر في الأردن.
الفساد شر مستطير كله وهو سبب كل العلل والامراض، ولكن تحميله وزر كل خيباتنا وإخفاقاتنا منذ العهد العثماني وحتى الآن قد حوله إلى غول يلتهم كل طموحاتنا وإحلامنا، أصبحنا نغفو ونصحو على رهاب ليس لنا منه فكاك، أفقدنا الثقة بأنفسنا وبمستقبلنا ومستقبل أطفالنا، وهو في طريقه ليصبح عارا ووصمة تدمر سمعة هذا البلد وأهله الطيبين.
نتمنى أن يعدل رفيقنا عن الهجرة ويغير رأيه في آخر لحظة، فنحن بحاجة له سواء ثبتت جدوى إختراعاته أم غير ذلك، فالصبر والتضحية والعطاء هي من شيم الكرام من أبناء هذا الوطن الغالي ورفيقنا منهم بالتأكيد.