حجر كبير يهوي في بركة راكدة

جفرا نيوز ـ المهندس عادل بصبوص
أعادت ردود الفعل التي صدرت عن عشائر عدد من المسؤولين السابقين الذين صدرت بحقهم إتهامات على خلفية قضية الدخان، وردود الفعل المضادة التي ظهرت في مواقع التواصل الاجتماعي وفي العديد من مقالات الصحف والمواقع الإلكترونية، طرح الأسئلة الصعبة والشائكة المتصلة بموضوع العشائرية، والتي ظلت لسنين طويلة منطقة محرمة يحظر الاقتراب منها، وتتمتع بالكثير من الحماية لا بل والقداسة أيضا مثلها في ذلك مثل المعتقدات والشرائع الدينية.
لعبت العشائر دورا إيجابيا وحاسما في المراحل الأولى من تكوين الدولة وفي كثير من المنعطفات التي كانت تتعرض الدولة فيها إلى تهديد وجودي، حيث كانت بحق دعامة اساسية من دعائم نشوء واستقرار الدولة الاردنية الفتية، مما جعلها تحظى بمكانة ودور يتجاوز كثيرا وظيفتها الاجتماعية، وتفرض نفسها لاعبا اساسيا وشريكا مهما في عملية تقاسم السلطة والنفوذ، وقد تجلى ذلك في التمثيل في المجالس النيابية وتشكيل الحكومات المتتابعة، ثم لاحقا في الحصول على امتيازات واستثناءات في مجالات وحقول متعددة، ضمن معادلة بقيت سائدة لعقود طويلة، برضا وموافقة ومباركة مختلف القوى الفاعلة في الدولة، وبالتدريج أصبحت العشائر وخاصة الكبيرة منها "مؤسسات" يلجأ إليها أبناؤها للحصول على موقع أو مركز ما أو كلما شعروا بأن ظلماً أو حيفاً قد لحق بهم جراء تطبيق أنظمة وتشريعات المجتمع التي وضعتها الدولة والتي شاركوا هم أنفسهم في صياغتها واقرارها من خلال تمثيلهم في السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولم تغير التطورات الكبيرة الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية وارتفاع درجة الوعي التي شهدها المجتمع من هذه الممارسات، لدرجة أن أكاديميين بارزين ورؤساء جامعات قد لجأوا الى عشائرهم في محاولة منهم لتغيير قرارات رأوها مجحفة وظالمة بحقهم.
بالرغم الدعوات المتتالية للاصلاح السياسي وصولا الى ديموقراطية حقيقية تتجاوز التقسيمات المناطقية والعشائرية فقد بقيت العشائر اللاعب الأبرز في هذا المجال، فهي من تختار المرشحين للبرلمان ضمن انتخابات داخلية وهي من توصل الفائزين منهم الى تحت القبة، حتى الاحزاب السياسية سواء العريقة منها ام حديثة النشأة، كانت تختار مرشحيها للمجلس من الاشخاص الذين يتمتعون بثقل عشائري، مما أبقى الكلمة العليا في الانتخابات البرلمانية للعشائر حصرا، مهما اختلفت صيغ أو طبيعة القوانين التي تجري الانتخابات بموجبها، وأبقى الاحزاب خارج دائرة الفعل والتأثير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وجعل من طروحات ودعوات إقامة دولة مدنية حديثة مجرد صيحات وشعارات عديمة الجدوى، فما يمنع اقامة مثل هذه الدولة بالدرجة الأولى ليس الفكر الديني القائم على الأحادية وإقصاء الآخرين وإنما "المؤسسات" والهياكل العشائرية المهيمنة على الحياة السياسية والاجتماعية والتي وإن كانت لا تمانع ابدا في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب إلا أنها تشترط أن يكون ذلك وفق معايير وأسس تراعي الحصص والتوازنات العشائرية.
في ضوء هذه الوقائع لم يعد غريبا أو مستهجنا ان تسارع العشيرة اذا ما تم اتخاذ اجراء قضائي بحق احد ابناءها الى نفي التهمة بشكل حاسم حتى قبل المحاكمة واستكمال التحقيق، فنحن جميعا مع تطبيق العدالة بكل حزم على المخطئين والمذنبين طالما لم يكونوا من عائلاتنا وعشائرنا التي يبقى ابناؤها دائما فوق الشبهات .
على الرغم من قناعة الجميع بأن ذلك يمثل خللا جوهريا ينعكس سلبا على الكثير من مناحي الحياة المختلفة، في الحياة، الا أن حساسية الموضوع تمنع الجميع من مجرد ابداء الراي في هذا المجال، تحت ذريعة المحافظة على الدولة وخصوصية الهوية والتوازن الدقيق بين مختلف مكونات المجتمع، حيث تتجاهل دعوات الإصلاح سواء كان سياسيا أو اجتماعيا أو اقتصاديا وجود هذه المشكلة، والتي وأن كانت لا تهدد الدولة وجوديا إلا أنها تشكل محددا وعقبة اساسية في رحلة التطور والحداثة والبناء.
مع ازدياد التحديات التي تواجه الوطن وضرورة العمل على التحول إلى دولة منتجة كفؤة عادلة لم تعد المعادلات والتفاهمات التي حكمت الحياة العامة لعقود صالحة لقيادة المجتمع في المرحلة القادمة، وغدا لزاما على الدولة بمختلف مكوناتها العمل الجاد وبشكل متدرج على ترسيخ قيم المواطنة الصالحة، بعيدا عن كافة الاعتبارات العشائرية والمناطقية وأن نقول جميعا وبصوت واحد نعم للعشيرة كحاضنة اجتماعية وحامية للقيم والاخلاق والمثل والطيب من السجايا ولا للعشائرية "ككيان" يأخذ من حصة الوطن ولاءاً وانتماءاً، ونعم للدولة مظلة واحدة ووحيدة ..... تقيم العدل وترعى الجميع وتحميهم.