شجر وحمر مستنفرة..
جفرا نيوز -كتب : ابراهيم عبدالمجيد القيسي.
كثيرون منا قرأوا الآية القرآنية التي تتحدث بمشهد بلاغي عن «الحمر المستنفرة» التي فرت من قسورة.. وإن كنا سنستخدمها هنا، فلن نتحدث سوى عن النفير الاعلامي عند البعض نحو الإثارة والسخافة والسخرية، وهو عمل لامهني في عرفنا الصحفي، لا يقوم به سوى أتباع «سلالة» تعتيمية ولا أقول تنويرية، تنحو الى الاستخفاف بالشأن العام وبالمؤسسات التي تقوم عليه وبعقل المواطن، ابتغاء التندر وطلبا لنجومية رخيصة جدا، لا يبجلها سوى أتباع تلك السلالة..
تداول بعضهم في الأيام الماضية خبرا من هذا النوع، ضاربا عرض الحائط بالمهنية وبالذائقة، بل إن صحافة فاقدة لبوصلتها آثرت أن تتقصى تلك النجومية ونشرت أخبارا، نفاها المسؤولون الذين نسبت إليهم، فالحديث عن سلالات ما من الكائنات الحية الأليفة وغيرها، ودور المؤسسات البحثية والعلمية المختصة للحفاظ عليها، كالنمل والنحل والقرود والأسود والخيول وسلالاتها الـ»مكدّشة» والبغال والحمير»..كلها لم ترق الى مستوى اهتمام بعضهم، وآثروا مطاردة الحمير والحديث عنها، والتحدث زورا وبهتانا بنسبة التصريحات لمصادر غير معروفة !.
أنا لا أريد التحدث عن قطعان (الحمير)، إنما عن الشجر الأخضر، وعن البيئة النظيفة النقية..وعما ينفع الناس:
قبل ايام قام جلالة الملك وجلالة الملكة بزراعة الشجر في منطقة الكمالية، وقد تعاملت كثير من وسائل الإعلام مع هذا النشاط الملكي تعاملا مناسباتيا، ففي كل عام يزرع جلالته الشجر بمناسبة عيد الشجرة، لكن لم يلتفت أحد مطلقا الى حقيقة أن جلالته قدم دعما ماليا لمشروع التشجير، بناء على توجهات وزارة الزراعة الجديدة في مسألة زراعة الأشجار الحرجية وغيرها، فتناولوا الخبر بشكل تقليدي.
نسبة الأراضي الحرجية الى مساحة الدولة هي 1 % فقط، فكل الأحراش التي نتحدث عنها ونشاهد صورها تنتشر على 1 % فقط من أراضي الدولة الأردنية، وثمة لدي سؤال قد يكشف بوضوح عن توجهات وزارة الزراعة:
كم زرعنا من الشجر بمناسبة عيد الشجرة؟ من منا لم يزرع شجرة حين كان طالبا في مدرسة، أو لم يشهد احتفالية تشارك فيها جهات رسمية او شعبية او حتى عسكرية لزراعة الشجر؟..
تسعى وزارة الزراعة الى توسيع المساحة المزروعة بالأشجار الحرجية الى 1.5 %، أي أننا مع نهاية هذا العمل سنجد زيادة في المساحة المزروعة تبلغ نصف المساحة المزروعة حاليا، وهذا رقم كبير ومثالي لو تمكن الأردن من تحقيقه، وهي غاية استراتيجية زراعية وبيئية يمكننا أن نبلغها ونغير فعلا في الحياة والمناخ ونعزز مصادرنا الحيوية الطبيعية، لكن ما هي سمات هذه الاستراتيجية وكيف يمكن لوزارة الزراعة أن تغير في بنية التفكير والثقافة «المناسباتية» لدى المحتفلين بمناسبة عيد الشجرة، أو الذين يسعون لتشجير المساحات المخصصة كأراض حرجية في الأردن؟.
مساحة الأراضي الحرجية المسجلة تبلغ 1077350 دونما، منها 400 الف دونم حراج طبيعي، ومنها 425 الف دونم حراجا صناعيا، ويوجد أراض حرجية جرداء مساحتها 252 الف دونم، من ضمنها 126 الف دونم صالحة للزراعة، ويوجد «حراج مملوك لمؤسسات رسمية وغيرها» مساحته 107 الاف دونم.
وتتوجه وزارة الزراعة لتحريج المناطق القابلة للتحريج، لكن بالتركيز على ديمومة ونجاح التشجير، والتوقف عن النظر الى الموضوع في مناسبات عيد الشجرة وغيرها، بل ثمة توجه اليوم لتوجيه المياه الرمادية من أجل زراعة هذه المساحات، من خلال تفعيل الوزارة لحوالي 200 محطة عاملة في تنقية المياه ومحطات زراعية مختصة، وتشجيع التشجير بإقامة المتنزهات الشعبية الترفيهية في مناطق الحراج، واستقطاب منح ودعم خارجي لإقامة مشاريع التحريج، وقد نجحت الوزارة في تخصيص ثلاثة مواقع وتشجيرها في 3 محافظات «الطفيلة، الكرك، عجلون»، بمساحة كلية تقدر بأكثر من 3 آلاف دونم، والعمل فيها جار بدعم خارجي، علاوة على أن الوزارة تقوم سنويا بتحريج 750 دونما، من خلال مديرياتها المنتشرة في كل الوطن،وهي تجري سنويا على نفقة الوزارة ومديرياتها.
فكرة التوسع في تشجير أراضي الحراج القابلة للزراعة،إيجابية، وانبثقت من علمية الجمع بين وزارتين «البيئة والزراعة»، حيث ثبت أن هناك تداخلا كبيرا في عمل بعض المديريات التابعة لكل وزارة، ومن هنا يمكننا أن نبني أملا على مزيد من اخضرار ونقاء في بلدنا..
نتمنى لو تصبح لدينا محميات طبيعية وغابات فيها تنوع حيوي، لتتمكن على الأقل «الحمر المستنفرة» من الاختباء عن الأسد «القسورة»..فحفظ السلالات مطلب حيوي طبيعي عالمي وليس أردنيا فقط.