نظرة عن كثب في قانون العفو العام
جفرا نيوز - كتب : طايل فواز الفايز
قال الحق في محكم التنزيل بعد اعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم "إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا" (النساء 149) , كما قال جل وعز في موضع اخر, بسم الله الرحمن الرحيم " وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ صدق الله العظيم (البقرة 109) ,ومن هذا المنطلق والتشريع الحكيم المحكم من فوق سبع طباق اتى العفو العام الالهي ليأمر حكام الارض الذين هم ظل الله في ارضه ان يمتثلوا بهذا التشريع الالهي العظيم رحمة وغفرانا واقالة لعثرات المخطأين واعادتهم الى جادة الصواب حرصا على اصلاح المجتمع , وعليه فقد تغذى دستورنا الاردني من هذا النبع الصافي, وعلى ضوئه كان قرار جلالة الملك المعظم عبدالله الثاني بن الحسين بتوجيه الحكومة لاصدار قانون العفو العام مرورا على السلطات الاخرى التشريعية والقضائية .في هذا المقال ساستعرض هذا المشروع من صفة قانونية وما يتبعها من عوامل اخرى مؤثرة سياسية واقتصادية واجتماعية وتاريخية .
في البداية فان ما استقر عليه جهد وتفسير فقهاء القانون ان العفو العام هو قانون يصدر ليزيل الصفة الجرمية عن الفعل من الاساس و كأنه لم يكن باقتلاعه من جذوره , مع الاخذ بعين الاعتبار عدم شموله الحقوق الشخصية والمدنية للافراد , ولكن المطلق لا يجري دائما على اطلاقه وبالاخص اذا ما ورد النص بتقييده, فاستنادا الى قانون العفو العام لسنة 2011 و في المادة 3 منه تم استثناء مجموعة من الجرائم واذكر منها جرائم التجسس المنصوص عليها في المواد 14 و 15 و 16 من قانون حماية اسرار ووثائق الدولة رقم 50 لسنة 1971 , وجرائم المخدرات والمؤثرات العقلية المنصوص عليها في المواد 8-11 و 21 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 11 لسنة 1988 , كما كان للجرائم الواقعة علي الاشخاص ايضا نصيبا من الاستثناء واذكر منها جرائم القتل المنصوص عليها في المادتين 327 و 328 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته و جرائم ايذاء الاشخاص المنصوص عليها في المادتين 334 مكررة و 335 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 المقترنة بصفة الادعاء بالحق الشخصي, وغيرها مجموعة من الجرائم ذكرت علي سبيل الحصر في قانون العفو العام لسنة 2011 مثل جرائم جمعيات الاشرار والجمعيات غير المشروعة وجرائم البنكنوت وجرائم التزوير الجنائي وجرائم الاعتداء على العرض كالاغتصاب وهتك العرض والخطف الجنائي وغيرها كما لا يشمل قانون العفو العام الشروع في اي منها , وما دون تلك الجرائم فان الفعل الاجرامي بعد صدور ذلك القانون ومروره بمراحله الدستورية ونشره بالجريدة الرسمية يعتبر فعلا مباحا وغير مجرما وهذا استثناء عن الاصل له ابعاد وتبعات .
وان ما نلاحظه الان على مشروع قانون العفو العام الصادر من الحكومة والمرسل الى مجلس النواب في ملامحه الاولى انه اضعف بكثير مما كان في شبيهه الصادر عام 2011 , وكل ما اتمناه في ما ذكرته اعلاه ان لا يكون كالسراب يحسبه الضمأن ماء , او كلاهث يفغر فاه سائرا حافي القدمين في رمضاء اشبعتها اشعة الشمس حرارة ملتهبة .
ان ما يأمله الشعب الاردني اليوم ان تترجم الحكومة والسلطلة التشريعية رؤى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم في الاصلاح الذي يبدأ بالمواطن الذي زلت قدمه عن الطريق القويم وتعثرت خطاه واختل توازنه فسقط بهفوة او هفوات ارتأى قائد المسيرة ان يقيل عثراته ويعيده الى اسرته مواطننا صالحا.
ومن ناحية اجتماعية فقد لامست اهداف العفو العام مسامع الملك ولكنها لم تلامس من اوكلت لهم المهمة وكانت اشبه بصدى صوت يصدح ويرتد الى مكان صدوره فالسجون مكتظة بالنساء اللواتي تم سجنهن على امور مالية لكل واحدة منهن لا تساوي مقدار العذاب النفسي الذي تعانيه , في مكان موحش يبعدها عن اسرتها .
ويا ليت شعري ان يكون في اصرار الحكومة على عدم شمول بعض القضايا المالية نفعا يعود على خزينة الدولة في تسديد عجزها , او يكون به نفعا ايضا لاقامة مشاريع ريادية تعود بالنفع العام .
اعود مرة اخرى متمنيا على كل من له علاقة في قانون العفو العام ان يجعل الفرحة شمولية وغير مجزءة في بيوتنا الاردنية فكل اب او ام سيفرح بعودة غائبه , وما هذا بالامر الصعب , او بالحلم الذي لا يمكن ان يتحقق .
ثم اذا استعنا بالتاريخ نجد كثيرا من الحالات في دول عديدة عربية واسلامية وغير ذلك قد اصدرت قوانين العفو العام وقد بالغت بالكرم منشوة بوطنيتها وحبها لشعبها والاخذ بيدهم وهدايتهم واعادتهم الى خطوط انتاج الخير والالتزام بالمبادئ والاخلاق والقوانين المرعية فكان ذلك كالشجرة المثمرة التي ظل ظليلها يقي ثمراتها من التحجر او العفن او الخراب .
وفي الخلاصة وبالاشارة والتلميح, والاذكياء يكفيهم ذلك ان يتحقق احلام الحالمين برحمة هذا العفو ان يكن اكثر شمولا وان تتابع دوائر التسامح , وان لايخيب امل الاملين بهذا الرجاء الذي انتظروه ردحا من الزمن والله ولي التوفيق .