سعد رحومي
جفرا نيوز- كتب:عبدالهادي راجي المجالي
مات سعد العراقي الوسيم والجميل والمدلل ,في حادثة البحر الميت ...ولو كنت هناك يا سعد لعاتبت المطر والغيمات , لقلت للماء ترفق ...هذي العيون العراقية , تحتاج للحب والحياة والورد أكثر من الموت ...فلماذا سرقت سعد منا أيتها الغيمات ؟
أبكيك يا حبيبي ..ودجلة منذ أمس , يبكي عليك ...ونخلة في شط العرب حنت ساقها , ونحبت عليك ..والأئمة يا سعد والسواري ..وأمة من الصبر الكربلائي , قرأت على مقام عبدالقادر الجيلاني سورة من كتاب الله ونذرتها لروحك...وقد قالوا عنك أنك قاتلت السيل , واستشهدت جبارا .. , كما هو العراق العظيم قدره أن يولد على سفح الشمس وسفح المعركة وسفح الوجع ..
أبكيك يا حبيبي ..
أيها الجميل والوسيم ..وأدري أنه كان بإمكانك أن تكبر , وتصبح مهندسا ..أو طبيبا , أو رساما ...ينثر العراق بريشته على المدى صبرا وحبا ...أدري أنه كان بإمكانك أن تكبر , وتصبح ربما شاعرا مثل بدر شاكر السياب , يحول الحزن إلى نهر وشمس ..وقرى عراقية خالدة , لكنك قررت الموت ...واستعجلت به ..وتركت فينا الحزن , وأنا يا حبيبي لأول مرة في عمري أشاهد الكرك تزحف نحو البحر كي ترثيك ...شاهدتها أمس تعاتب البحر بدمعها وغضبها ..وتسأله : كيف أخذت سعد ؟..
أبكيك يا حبيبي ...وماذا تبقى منك ذكرياتك ؟
وسادتك الطرية والجميلة ؟ ..سستبكيك الوسادة , فقد حضنت شعرك العراقي الجميل , الذي يشبه ألحان رياض أحمد ..حين تنثر على قلب الحبيبة , بعضا من الإشتياق ...
وتركت أقلامك , حتى الأقلام يا حبيبي ستفتقد أناملك الرقيقة والجميلة ...وهي لم تكن أناملا صدقني , بل كانت نوارس الخليج ..حين يفيض فيها الشوق وترحل لبر العراق ...
وتركت ..ماذا تركت ؟همساتك ...قهقهاتك ..ومشطك الصغير والجميل ..والمرايا التي ستفتقد وجهك , كانت المرايا ايها الحبيب في الصباح تذوب من عيونك الذابلة ..وستشتاق لك وأدري أنها فقدت وميض الغزل وانعكاسات ..العشق الصباحي العذب ...لأنك كنت الأحلى والأوسم , والأجمل ..وكنت حين تصعد ..صباحات عمان ذاهبا للمدرسة, تحضنك عيون الصبايا ...والحب ينتظر أن تكبر ..وها أنا أسأل يا ابن التراب العراقي الأغر ...كيف تجرؤ الدنيا على اغتيال الحب ؟ ..وكيف تجرؤ الغيمات ..على خطف الحبيب منا ؟
أوجعت قلبي ..يا ابن النخيل ..
والبارحة جاءت البصرة , على صهوة الغيم وبكتك ورثتك ..وأظن يا ابن دمي أن القادة النجباء ..من ماهر عبدالرشيد وحتى عبدالجبار شنشل ..جاءوا وأدوا التحية العسكرية وخلعوا الخوذة وانحنوا لعيونك ..فعيونك هي العراق ... جاء بدر شاكر السياب أيضا ملتحفا الخليج والدمع وبعض قصائد الشوق واعتذر لك فمقام عشقك ...ووسامتك ربما كان أكبر من القوافي وأكبر من من كل الكلام ....وناظم الغزالي جاء , وابتسم واعتذر باسم اللحن العراقي ..لأن خصلات شعرك أنتجت فينا من الحزن أكثر ..ما أنتجه الجنوب العراقي الصابر من دمع ووجد ونحيب ....وصدقني أن خصلة من شعرك ...تختصر كل أحزان المقام (المحمداوي) فينا .
جاء الحرس الجمهوري أيضا , وكان يريد أن يقاتل السيل والبحر لأجلك ....وأنشد شاعر على ضفة الحزن شعرا باللهجة العراقية النبيلة قال فيه :-
إحنا نموت لا ما انموت
ولو نفرض نقول انموت
والجناز يينا ايموت ...
بس من يمر باسم العراق الضيم ..
تصعد الغيرة بجسدنا ..
ونكسر لوحة التابوت ..
إحنا انموت لا ما انموت ..
ذبحتنا جميعا ياسعد , وأنا لا أرثيك ..لا تجوز المراثي ., فأنت العراقي الخضيب دما ...لكنه قدر فرض علينا , أن نعشق العراق ..وكلما ذبنا فيه , وذاب فينا ..غرقنا في دمع الحزن ...يكفيك أيها العظيم الجبار النبيل الشامخ ..يكفيك ما زرعته فينا من حزن .
ذبحتني ياسعد ...وقد تركت دمعي يكتب إليك , وتلك المرة الأولى التي يستولي فيها دمعي على قلبي ...فقلبي هو الاخر صار نهرا من الدمع ...ذبحتني يا سعد .