نظام الأشغال الحكومية .. اصلاح برسم الضرورة

جفرا نيوز - الدكتور طلال طلب الشرفات عندما نتابع اوجه الصرف والأنفاق في اروقة رئاسة الوزراء وبعض الوزارات مثلاً نجد ان ثمة شفافية مطلقة ودقة متناهية في اساليب الأنفاق ومقداره، بل ربما نجد ان وزير الدولة مثلاً لا يستطيع ان يصرف مبالغ زهيدة قد تكون ضرورية، وهذا قد يكون مفهوماً ولكن ليس هذا هو مناط ضبط الأنفاق؛ فنحن مع قيام الوزراء بأعمالهم والأنفاق المعقول بما يحفظ طبيعة مهامهم، الا ان الأهم هو ان يتم ضبط العطاءات في الوزارات المختلفة؛ فترشيد عطاء واحد وضبط اجراءات احالته يكفي لأنفاق كل وزراء الحكومة في اعمالهم اليومية.
مرة أخرى علينا ان ندرك ان ثمة ارتباك في تحديد اولوياتنا الوطنية في كل مظاهر الحياة العامة، فصناعة النخب في الأردن مرتبكة ومهترئة، ومراقبة الأداء الأقتصادي العام انتقائي، ومتابعة حوكمة العطاءات العامة شكلية ولا تعبر عن حرص وطني حقيقي، وعدم القدرة على ادراك خطورة الهدر ومخاطر غياب الوفر من اكثر المسائل التي باتت تشكل خطر حقيقي على المال العام، فالرشوة مثلاً لم تعد اسلوباً شائعاً في فساد العطاءات العامة وانما اضحت اساليب تمرير العطاءات بأحتراف سلبي، وصناعة الظرف لاحالتها على اشخاص بذواتهم تتجاوز كل اساليب الادارة العامة في ضبط وحوكمة الاجراءات.
نظام الاشغال الحكومية نظام مهترئ ويحتاج الى تعديل جذري وسريع، ونصوص النظام هي احدى اسباب عدم قدرة المؤسسات الرقابية على مراقبة العطاءات، واساليب الاحالة، والمفاضلة، والمتابعة، والاستلام والتسليم، والعطاءات الخاصة اشكالية كبيرة في هذا النظام وتحوي منافذ خطيرة للفساد، والصلاحيات الممنوحة لرب العمل في النظام هي احدى منافذ الفساد الرئيسة من حيث تشكيل اللجان في الاستلام والتسليم، ولجان التصنيف، والترخيص وحصر تلك الصلاحية في الوزير؛ هو ما جعل من موقع وزير الاشغال العامة موقعاً يتجاوز احياناً اهمية موقع رئيس الوزراء.
موقع مدير العطاءات الحكومية لا يجوز ابداً ربطه بوزير الاشغال بل يتوجب ان يكون مع رئيس الحكومة الاحرص على ضبط الانفاق وانجاح مهمة الحكومة امام البرلمان وقبله صاحب الشأن، والاردن – للأسف – ما زال عاجزاً عن تطبيق التجارب الدولية الناجحة في العطاءات العامة كالتجربة الماليزية والاسترالية وتجربة سنغافورة، فالعلنية والشفافية هي احدى وسائل سد منافذ الفساد، والحكومة ما زالت عاجزة فعلاً عن ادراك خطورة بقاء نظام الاشغال الحكومية على هذا الحال، وفي ظني ان الحوكمة الدقيقة لأجراءات العطاءات العام بما فيها تعديل النظام وفقاً للمعايير الدولية سيؤدي الى توفير مئات الملايين من المال العام الضائع بين الهدر والفساد.
الطريقة التي تحال فيها عطاءات وزارات الاشغال العامة والتربية والتعليم والمياة والصحة وامانة عمان ومنطقة العقبة الاقتصادية وغيرها تدمي القلب، وتثير سؤالاً كبيراً لماذا عجزت الحكومة الاردنية عن اعتماد المعايير الدولية في العطاءات العامة؟، ولماذا ما زال نظام الاشغال الحكومية على هذا الحال؟، واذا كنا ندرك ان الفساد جريمة منظمة فإن مظاهرالفساد في وطننا قد تجاوزت هذا المفهوم بمسافات، ولم يعد بالامكان اعادة الاعتبار للنزاهة والشفافية وحماية المال العام الا بتغيير شامل لمنظومة النظام والعاملين في العطاءات العامة بكل مستوياتهم ودرجاتهم .
ذات يوم استطاعت احدى المؤسسات الرقابية وقف احالة عطاء بلغ حجم الهدر فيه – بعيداً عن توصيف طبيعة الهدر – عشرات الملايين، وهذا المبلغ كان كافياً لأطعام فقراء الاردن لشهرين على الاقل، وعلى هذا النحو يمكن قياس حجم الفجيعة الوطنية في هذا الاطار، وعليه فأن سد منافذ الفساد اكثر اهمية من ملاحقة الفاسدين، فالتحقيق النوعي في قضايا الفساد ما زال ضعيفاً، ونتائج الدراسات تؤشر ان نسبة الادانة في قضايا الفساد التي تم احالتها للقضاء لا تتجاوز فعلياً 25%، والسبب يكمن في ضعف كفاءة التحقيق المحترف وغياب روح المبادرة والمتابعة في جلب الادلة والوثائق اللازمة لأثبات جرائم الفساد، والقاعدة تقول اذا اردت ان تخدم فاسداً فقم بأحالته الى القضاء بقضية ضعيفة وادلة غائبة.
الايام الفائتة اثبتت ان الأصلاح الحقيقي يجب ان يبدأ من الحكومة والبرلمان، ومقاومة قوى الأمر الواقع الخفية من النخب السلبية والتي تصنع نخب زائفة تفتك بالوطن تستدعي ان نعلن بكل جرأة ان الوطن فوق الجميع، وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء.