الشرفات يكتب : كي لا يتحول الفساد الى مرض مزمن ..!!

جفرا نيوز - كتب - الدكتور طلال طلب الشرفات
في خطاب العرش السامي اطلق جلالة الملك تحذيراً وطنياً من مغبة تحول الفساد الى مرض مزمن يصعب معالجته، وهذا التحذير ارتبط الى حد كبير بالواقع الاجتماعي الساخط على كل مظاهر تفشي الفساد والمحسوبية وادراك ملكي دقيق لعجز الحكومات عن ترجمة مضامين الاوراق الملكية النقاشية وتحويلها الى برامج عمل وطنية تخدم حالة الاصلاح السياسي والاقتصادي التي ما زالت – للأسف – حبراً على ورق ولم تجد استجابة حقيقية وفاعلة من كل مؤسسات الدولة بما فيها البرلمان . كي نكون منسجمين مع قناعاتنا الوطنية فأن الاداء الحكومي لا يحاكي البتة – حتى الآن - مشروع النهضة الذي دعت اليه الحكومة في خطاب الثقة، والاصلاح السياسي الجاد الذي بشرت به، سلوك سياسي لم يرق بعد الى مستوى الطريق الثالث المميز الذي انتهجه الرئيس في وزارة التربية والتعليم وحمله على اكتاف ثقة الجماهير الضمنية الى سدة السلطة في الدوار الرابع، واذا كنا نؤمن ان الرئيس الجسور يمتلك خطاباً واعياً ونوايا اصيلة في نصرة الفقراء واحترام سيادة القانون؛ الا ان المسافة الذهنية ومرتكزات ترجمة الرؤى اتسعت كثيراً بينه وبين معظم اعضاء فريقه بل وصل الامر احيانا الى تبني تطبيق النهج المضاد من قبل بعض معاونيه. حذرنا منذ البداية من قوى الشد العكسي وغلاة المحافظين القدامى والجدد وتحالف الأضداد في مجلس النواب، وقلنا ان الحلول التقليدية واستدعاء نخب التكنوقراط منزوعة الدسم؛ ستعيد انتاج سلوك الحكومات السابقة بثوب جديد، بل قلنا اكثر اننا نريد وزراء ومسؤولين ممن يحملون همومنا ويشبهوننا في احلامنا وابجديات الخبز والشاي فينا، ويدركون اننا نمر بأخطر المراحل وأكثرها دقة منذ تأسيس الدولة . في فكرة العفو العام ثمة خلل في الطرح والمعالجة، وفي التشريعات التي ارسلت الى البرلمان والمتعلقة بالنزاهة والكسب غير المشروع ثمة الغام زرعت في النصوص لمنع المراقبة الفعلية لنمو الثروة، وثمة عجز وتفريط في مشروع قانون النزاهة لمنع انطلاقها المعقول نحو محاربة الفساد، فأي اصلاح سياسي نبشر فيه وما زالت جرائم شراء الاصوات في كل العمليات الانتخابية لم ترق بعد لأعتبارها جرائم فساد، وما زالت الرشوة في القطاع الخاص تفتك بالنمو الطبيعي للأقتصاد. تؤلمنا جدا المحاصصة المقيتة لأنها تتضمن مفاضلة مقززة بين الأردنيين، وتعبّر عن أستحضارٍ لفئات دون أخرى، وتفضيل لمناطق على أخرى، وإستسلام لواقع ظالم فرض على الاردنيين وترسيخ لمفهوم الدولة العميقة، ولا تعكس واقع الحال في مستوى الوطنية، والانتاج، وحجم التضحيات، ودرجة التأهيل مع عدم التفريط بمرتكزات الهوية الوطنية، بل اكثر من ذلك فهي تعكس تقليداً سلبياً لسلوك حكومات سابقة قادت البلاد الى مزالق الفساد والمديونية والأهمال، وتعكر صفو الأخلاص والأنتماء للوطن، وهي فوق كل هذا وذاك فساد سياسي مكتمل الأركان مهما حاولنا تجميل صورته او الاسباب التي دعت اليه. كي لا يتحول الفساد الى مرض مزمن علينا ان نعمل على تعزيز الحياد الأيجابي لرجال السلطة والمال ونزع عوامل الضغط الخفي على الحكومة من اجل تمرير مصالحهم والاطمئنان على عدم مساءلة المتورطين منهم في اساءة استعمال السلطة او الاعتداء على المال العام او تمرير مصالح الساسة ورجال المال والاقتصاد بطرق تخل بمبدأ العدالة والشفافية وسيادة القانون والتراجع عن مفهوم الحصانات للوزراء والاعيان والنواب ورجال القضاء، فالحصانة والردع مفهومان لا يلتقيان ابداً . الاصلاح السياسي ليس قراراً يتخذ بل هو سلوك سياسي وخطوات بناء وطني تأخذ بعين الأعتبار خدمة الهدف الأسمى وهو تعزيز النزاهة والمساواة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون، وأمانة المسؤولية تتطلب ان نسمي الامور بمسمياتها وان نعلن ان ثمة خلل بنيوي في الثقافة الديمقراطية ومعايير النزاهة في سلوك النخبة الحاكمة المتوسطة والعليا في الادارة العامة والمؤسسات والوزارات على حد سواء ونعلن ان الشجاعة المطلوبة لثورة بيضاء على قوى الأمر الوقع تستحق المغامرة وتستوجب التضحية .