ليست من معارك النواب ..

جفرا نيوز - كتب :ابراهيم عبدالمجيد القيسي

هي معارك خاسرة، ما دامت متعلقة بمسؤول كبير وشرطي، لا سيما إن كان المسؤول هو عضو في مجلس النواب، أقول هذا مع احترامي لمجلس النواب ولأعضائه، وقناعتي بحقهم أيضا بالمطالبة بالتحقيق في الموقف، الذي تصدر اهتمام الناس قبل أيام، حين تم تداول شريط فيديو يظهر فيه شرطي سير في الميدان، يقوم بواجبه المطلوب في تنظيم حركة السير على أحد الدواوير في عمان، ويوجه حديثه لأحد النواب بأن عليه أن يحترم القانون حتى وإن كان مسؤولا، وهو موقف شجاع من الشرطي "بلاش نضحك على بعضنا يعني"، فقد مر زمن سمعنا فيه وما زلنا نسمع عن تجاوزات لفظية وسلوكية أخرى يسقط فيها مسؤولون ومتنفذون وتستهدف أبناءنا الشرطة وغيرهم من موظفي الدولة، فشرطة السير هم عسكر؛ وهم الذين يقدمون كل ما يستطيعون من جهد وصبر، وفي كل مرة يسقطون تحت سياط ألسنة المارة والجالسين في كراسي "مكندشة"، وحين تدلهم الخطوب، نرى العسكر وحدهم يموتون في سبيل الوطن وحماية ورحمة لكل من وما فيه، تاركين خلفهم أسر كأسرنا.."بلاش نضحك على بعض" ولنقل الحقيقة ولنعبر عن شيء من اعتراف بجمائل هؤلاء الشباب علينا جميعا. من حق أي قائد أن يقوم بتحفيز جنوده، وتوجيههم الى مزيد من الأداء النظيف، وموقف الشرطي نظيف، يعبر عن نقائه وبساطته، وفيه إيمان بالتساوي بين المارة في الشارع في الواجبات والحقوق، وهي أخلاق نعرفها جميعا، نقول هذا بناء على الشكل العام للموقف في الفيديو، أما إن أردنا أن نتحدث عن التفاصيل، فهو حديث لا يخرج الا بعد معرفة هذه التفاصيل، وهذا لا يتأتى الا بالتحقيق في الحادثة، وفي ضوء نتائج التحقيق يمكننا الحكم على الموقف، وهذا بالنسبة لي على الأقل لا يعني بأن الشرطي المنهمك في تنظيم السير في مثل هذه الأجواء قد أخطأ، أو أن نقول بأنه ليس شجاعا ويحافظ على أخلاق التعامل مع الناس كلهم بلا تمييز.
لمجلس النواب هيبته، ورئيسه يعتبرها أول وأهم حق يحافظ عليه ويؤكده، وهو قام بالمطلوب في هذا الصدد، فطلب تحقيقا بالحادثة، وهو الأمر الذي أيده رئيس الوزراء ونؤيده جميعا، فهيبة مجلس النواب من هيبة الشعب، لكن موقف أحد أعضائه وتفاعله اليومي مع المجتمع يمثله هو نفسه، ولا يمثل مجلس النواب، وقد عرفنا الكثير من المواقف الشخصية للنواب تعتريها أخطاء، لكننا لا ولن ولم نحمل مجلس النواب وزر هذه الأخطاء، فهذه حياة خاصة للناس، الا ما تعلق بالأخلاق والشؤون العامة، فالشخصيات العامة خاضعة للنقد والمساءلة والملاحقة الاعلامية. لم يتوان مدير الأمن العام عن تكريم اي شرطي فعل جميلا او حث عليه، وقد عبر عن توجهه هذا منذ أن تولى مهامه كمدير للأمن العام، وتعهد في الوقت نفسه أن لا يصمت عن أي خطأ يقترفه أي من أفراد وضباط جهاز الأمن العام، وقد فعل هذا (تكريما او عقابا)، وهذا دليل على التزام الرجل وصدقه، وهو لا يحتاج الى شهادة مني او من غيري، فميدانيته وأخلاقه تشهدان عليه. أما عن دور وزير الداخلية والحكومة؛ فهو مع الاحترام يأتي ثانويا في مثل هذه الحالة، فتكريم شرطي او معاقبته هو شأن داخلي متعلق بمؤسسة وطنية عسكرية كبيرة ولديها قوانينها ومحاكمها، ولديها تاريخها المشرف في الخدمة، وكفاءتها المعروفة باعتبارها بيت خبرة في مجالها، قدمت للأردن الكثير وبذل منتسبوها كل شيء حتى أرواحهم، فمن حقها أن تدير شأنها العسكري دون تدخل من السياسيين، وفي حال حدوث خطأ أو خلل ما، وهو يحدث أحيانا، لا ننكر؛ حتى في المفاعلات النووية تحدث الأخطاء وينجم عنها كوارث، لكن الأخطاء التي يسقط فيها بعض منتسبي الأمن العام تنال اهتمام المؤسسة وتقع في صلب مسؤوليتها، ويتم تحويل المخطئين الى المدعي العام فيها ثم الى المحكمة ويوجد سجن أيضا، يتم فيه توديع من يتعرض للمحاكمة، وهذه قمة في المؤسسية والعدالة والشفافية وسيادة القانون، فلا أحد يرتجل القرارات والعقوبات حيث يأخذ القانون مجراه، أما في التكريم والتحفيز فهذه حقوق القادة والمسؤولين في أية مؤسسة، لكنها في المؤسسات العسكرية تعتبر مبدأ في الإدارة، وتقليدا عسكريا يختصر بالقول "الرحمة تخص والعقوبة تعم"، وهذا مؤشر على التزام العسكر بروح الفريق وأن فشل أي فرد فيه فهو فشل للجميع.. لا تنازعوهم هذه الحقوق البسيطة القليلة، التي يشعر كل عسكري او شرطي حاز منها تكريما او ثناء من قائده، بأنه حاز الدنيا كلها، فلا تقتلوا هذا النقاء في مؤسسات طالما سهرت وبذلت كل شيء للحفاظ على أمننا وتوفير راحتنا. ولا يعني هذا الكلام بأننا ننتقص من هيبة ودور واحترام مجلس النواب، لأنها في الحقيقة لا تنفصل عن هيبة هذه المؤسسات ولا تزاحمها في أداء أو تحتك معها أو تنازعها حقها ودورها..فاقلبوا الصفحة، لأن لديكم الكثير من العمل وأقل القليل من الوقت..وإنني حقا أتعاطف مع مجلس النواب الذي بات في موقف حرج، ومطلوب منه الكثير إن لم نقل المستحيل، وآخر ما يهتمون به أو يفكروا فيه هو الاشتباك بأزمات، أو افتعال معارك مع أقرب وأهم المؤسسات في حياة الناس وشؤونهم وأمنهم وسلامتهم.