الجمع بين الراتب والتقاعد في قانون الجامعات وقانون التقاعد
جفرا نيوز - أد سيف الدين الفقراء/ جامعة مؤتة
إنّ واحدة من مشاكل المجتمع الأردني مع حكوماته أن يُقنن الفساد ويُشرّع له بحجج واهية يسمونها موجبات القانون أو النظام, ففي عهد حكومة معروف البخيت الأولى أقرّ مجلس النواب قانوناً للجامعات وصدر هذا القانون في عام 2009 م, وكانت مواد القانون مدروسة بعمق ونالت حظاً من البحث في اللجان المعنيّة في مجلس النواب, وأجرى المجلس آنذاك تعديلات إيجابيّة على القانون المقترح من الحكومة, وعندما تمّ حلّ المجلس في ذلك العام أصبح القانون نافذاً, ولأنّ التعديلات التي أجراها مجلس النواب لم تستهوِ وزير التعليم العالي آنذاك, قام الوزير بإجراء تعديلات على القانون من أهمها, إعادة صلاحيات إقالة رئيس الجامعة إلى مجلس التعليم العالي لإحكام سيطرة الوزارة على الجامعات ورؤسائها, والتعديل الثاني وهو الأسوأ كان نصه(على الرغم ممّا ورد في أي تشريع آخر، يُسمح لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الرسمية بالجمع بين ما يتقاضونه في جامعاتهم وبين راتب التّقاعد المدنيّ). وصدر هذا التعديل بموجب قانون مؤقت رقم (16) لسنة 2010، المنشور في الجريدة الرسمية رقم (5036) تاريخ 8/6/2010.
لقد فُصّلت هذه المادة تفصيلاً لرؤساء الجامعات وأعضاء هيئة التدريس ممّن شغلوا منصب وزير, لإتاحة الفرصة لهم للجمع بين راتب التقاعد وراتب عضو هيئة التدريس, لأنّ المادة نصت على الجمع في راتب التقاعد المدنيّ بنصّ صريح واستثنت المتقاعد العسكريّ, وغاب عن ذهن المشرّع أو أنّه تغافل عن وجود مئات من أعضاء هيئة التدريس من المتقاعدين غير الوزراء مثل المعلمين وموظفي القطاع العام الذين عينوا في الجامعات بعد إنهاء مدة التقاعد في الدولة, فتحملت موازنة الدولة الملايين بسبب هذا الجمع, وما زال هذا العبء ماثلاً قائماً على إرهاق موازنة الدولة, وممّا زاد الأمر سوءاً أنّ العسكريين المتقاعدين العاملين في الجامعات ثاروا على استثنائهم من هذا النصّ, وأجري تعديل في القوانين أتاح لهم الجمع بين الراتب التقاعدي وراتب عضو هيئة التدريس في الجامعات الرسمية, فتضاعفت فاتورة الاستحقاق على الموازنة بسبب الجمع.
الأمر المؤسف أنّ قانون الجامعات الأردنية رقم (18) لسنة 2018م أقرّ هذا التعديل في المادة (21/ أ) التي تنصّ على( على الرغم مما ورد في أي تشريع آخر، يُسمح لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات بالجمع بين ما يتقاضونه في جامعاتهم ورواتبهم التقاعديّة) ففتح باب الجمع على مصراعيه للعسكريين والمدنيين من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية والخاصة, وهذ يكلّف موازنة الدولة الملايين وما زال, وهو نص يتناقض كلياً بنسبة100% مع نص المادة (22/ ب) من قانون التقاعد المدني وتعديلاته التي تنصّ على ما يلي:(على الرّغم ممّا ورد في أي قانون أو نظام آخر لا يجوز الجمع بين راتب التّقاعد الذي يتقاضاه أي شخص (مدنيا كان أم عسكريا ) عن خدمته في الحكومة الأردنية وبين راتب أية وظيفة في هذه الحكومة أو في أي مجلس أو سلطة او مؤسسة رسمية أو بلدية أو دائرة أوقاف أو أي هيئة رسمية أخرى تابعة لها ...).
لا نعرف أين كان ديوان التشريع والرأي وفحول القانون عن هذا التناقض, ولم سكت خبراء الاقتصاد والمحاسبة, وأساطين الملفات الاقتصادية في الحكومات المتعاقبة عن هدر الملايين في موازنة الدولة بسبب قانون غير شرعيّ, ناهيك عن غياب العدالة بين المواطنين بسبب هذا القانون, فبأي حقّ يحلّ لأعضاء هيئة التدريس الجمع بين الراتب التقاعدي وراتب العمل وهم من أعلى الفئات في الرواتب, ويُحرّم ذلك على بقية المتقاعدين الذين يعملون في الوزارات والمؤسسات العامة في الدولة, بل ويُحرّم الجمع على الموظفين الإداريين والفنيين في الجامعات نفسها ويحصره في أعضاء هيئة التدريس .
وثمّة حلقة ثالثة في مسألة الراتب التقاعدي لعضو هيئة التدريس لا نعرف كيف تتعامل معها مؤسسات الدّولة وهي أنّ عضو هيئة التدبيس عند بلوغه سن الستين يستحق راتباً تقاعديّاً من الضمان الاجتماعي إذا استوفى شرط مدة الخدمة, ويسمح له النظام بالعمل لحين بلوغ سن السبعين في جامعته, وفي هذه الحالة إذا كان متقاعداً سيجمع بين الراتب المستحق له بصفته عاملاً في الجامعة, وبين الراتب التقاعدي من الحكومة, وبين وراتب الضمان, في حين أنّ هناك أعضاء هيئة التدريس يقبعون في خنادق البطالة ساخطون على الدولة يستجدون حقّهم الدستوري في العمل.
إنّ هذا الهدر في المال العام لم يخطر على بال معدّي الاستراتيجيات الوطنيّة وهم يتبجحون بالحوكمة الرشيدة وتطوير الحاكميّة, ويتفاخرون بتطوير الأنظمة والتشريعات, ولم يأخذ أحد بالحسبان أنّ هذا مدخل لاستنزاف موازنة الدولة المتهالكة, وهو عبء في النهاية على جيب المواطن الذي يُنفق على الدولة.