الرجال كالشجر ..نوعان !

جفرا نيوز -  شحاده أبو بقر

وجه الشبه بين الرجال من ناحية , والأشجار من ناحية , هو أن كلا منهما نوعان , فهناك شجر يورف ويثمر حتى وهو يحيا بماء المطر وحسب , وهناك شجر لا بد من ريه على مدار العام كي يثمر , وإلا جف وتوقف عن الإثمار وصار حطبا قابلا للإشتعال ولمرة واحدة ! .

وكذلك هم الرجال , فهم نوعان أيضا , نوع يعطي ويثمر خيرا لوطنه وكل من حوله سواء أخذ أم لم يأخذ , أعطي أم لم يعط ,وأيا كان داخل المشهد الرسمي أم خارجه , وهؤلاء هم رجال الشدة والرخاء معا , ونوع يعطي ويثمر فقط ما دام الضرع بين فكيه , وإن نزع الضرع منه توقف عطاؤه ولا ينتظر منه خيرا, وهؤلاء هم رجال الرخاء وحسب .

تلك قاعدة حياتية راسخة منذ بدأت الحياة على هذا الكوكب , فالناس جميعا رجالا ونساء خاضعون لهذه المعادلة سلوكا وتعاملا , ولهذا يتمايزون في أخلاقهم وأنماط تفكيرهم وطرائق عيشهم ونظرتهم الكلية للحياة .

لو حاولنا التجريب مثلا , لوقفنا أمام شجرة زيتون مباركة تعمر لألف سنة وأكثر ويستمر عطاؤها إعتمادا على ماء المطر ولا تنتظر تدخل أحد ليرويها , بمعنى أنها شجرة بعلية , وشجرة ليمون لا تعمر طويلا وتتطلب ريا مستمرا لكي تعطي وتثمر , بمعنى أنها شجرة سقي .

وبذات القياس مثلا , تقف أمام شخص متحذلق يجيد فن التلاعب بالكلمات والألفاظ ويعجبك كلامه إذ يريد صياغة الحياة على نحو يخدم ذاته وحده دون سائر أقرانه في الوطن , ويتوهم أنه قادر ما دام الضرع بين فكيه , وما أن تنزع الضرع ولو للحظات , توقف وتدارى عن الأنظار ولا تكاد تراه أو تسمع له ركزا, وهذا نوع لا يوثق به , فهو من النوع السقي وحسب , وهمه نفسه فقط ولا شأن له بقيمة عظمى هي الوطن ! .
وفي المقابل هناك من هم نقيض هذا النوع تماما , قلوبهم على أوطانهم بكل ما فيها ومن فيها يعطون ويثمرون حتى بلا وجود ضرع أو ماء ري , فهم من النوع الذي يوثق به ويؤتمن جانبه وهم لا يتوارون عن الأنظار ويستمر عطاؤهم سواء كانوا داخل هرم السلطة أو خارجها .

ولو إرتقينا بالحديث أكثر , لقلنا أن الأوطان ولكي تصمد وتزدهر وتسعد وتنمو أكثر , تحتاج إلى رجال من هذا النوع , رجال يحترمون الآخر إذ يحترمون أنفسهم والحياة حياء من الله أولا , ثم من شيم الغدر والتنكر والتولي يوم الزحف , وتعيش الأوطان في سويداء قلوبهم , وهؤلاء تجدهم الأوطان ساعة الشدة عندها وفي مقدمة الصفوف دفاعا صادقا عنها وعن وجودها ومستقبلها مهما كانت التضحيات , سواء كانوا خارج هرم السلطة أو داخلها , وحتى لو جف الضرع , فالوطن عندهم أولوية, ولا أولوية قبلها .

قبل أن أغادر , التاريخ حافل بالعبر وفيه عظات عظام , فكم من رجال ولا أعمم ! , كانوا ثقات داخل المشهد الرسمي وتخلوا وفروا ساعة الشدة والنفير , وكم من رجال كانوا خارج المشهد وهبوا لنجدة أوطانهم وإنتصروا لها في مواجهة الشرور والتحديات ساعة يتهددها خطر .

حمى الله الأردن بكل من فيه وما فيه الشعب والقيادة والجيش والأمن والمنجزات , وجعل رجاله جميعا من هذا النوع الذي نريد , حماة لأرضه وعرضه ومواقفه وكف الأذى عنه أيا كان مصدره , وبالذات في هذا الزمن الملتبس الصعب !. وهدانا الله جميعا سواء السبيل . إنه نعم المولى ونعم النصير , وهو سبحانه من وراء القصد .