هل يستعيد مجلس النواب دوره ؟!

جفرا نيوز - ابراهيم عبدالمجيد القيسي.
غالبا؛ ما جاء ضعف مجالس النواب من صالح الحكومات، فالحكومة الأضعف أول ما يهمها تحييد مجلس النواب، ببناء الشراكات الفردية مع أكبر عدد من النواب، لضمان مواقفهم في حال فتح قضايا مختلفة على بند ما يستجد من أعمال، أو حين يقوم نواب معارضون للحكومة بفتح ملفات من شأنها أن تحرج الحكومة، وفي هذا السياق نستطيع أن نكشف عن مكتبة كبيرة من المواد الصحفية والاعلامية الأخرى، التي تتحدث عن هذه الشراكات على الشكل الذي يحرج الحكومات ومجالس النواب السابقة أو الحالية.. في الأشهر الأخيرة؛ أعني تلك التي سبقت بقليل اعتصام الدوار الرابع، وحتى ما قبل أسابيع، تعرض مجلس النواب لما يشبه المحاكمة الشعبية، ويمكن القول بأن كل مواطن قال قوله في المجلس وأعضائه، وكثير من هذه الأقاويل التي اتخذت شكل حملات تندر ظالمة، ولا يستحقها المجلس، ففي الوقت الذي نتحدث فيه عن قصص ومواقف نيابية فردية لا تحظى بالتأييد الشعبي، أو ربما تنطوي على حالات من الواسطات والمحسوبية، في الوقت نفسه ثمة مواقف كبيرة مهمة قام بها المجلس وكثير من أعضائه، لم يتوقف عندها المتحدثون، ولعلني بهذا الحديث أفتح شهية بعضهم لمهاجمة المجلس ثانية، لكن قبل أن تثور ثائرة الثائرين علينا أن ندرك شيئا مهما، لا سيما نفر منا يتحدثون عن الديمقراطية والاصلاح السياسي ..الخ. الموضوعية والقانون والمنطق والحقيقة..كلها تقول بأن المسؤول الشرعي الديمقراطي الوحيد في بلدنا هم النواب (من وجهة نظر الديمقراطيين والتقدميين والاصلاحيين اتحدث)، فهم المسؤولون الوحيدون الذين يمثلون سلطة وجاءوا عبر صناديق الاقتراع، وهم حسب الدستور الأردني الذين يقع على عاتقهم الحكم ضمن النظام الملكي الوراثي، فالحكم أيضا نيابي، يقوم به نواب الشعب ومجلسهم، وانطلاقا من هذه الحقيقة، قد يكون النائب ومجلس النواب أول جهة تتعرض للنقد الشعبي، ويشتد ويمتد الحديث والتواصل بينها وبين الناس، أكثر من التفاعل والتواصل مع أية سلطة أخرى، ورئيس مجلس النواب حسب الدستور وحسب الديمقراطية هو المسؤول الفعلي الذي يمثل سلطة هي الأداة الدستورية الملكية في الحكم أكثر من السلطات الأخرى، لا سيما السلطة التنفيذية، التي تمثل الملك حسب الدستور، وتملك الولاية العامة، وهي المسؤولة أمام الدستور ومجلس النواب. تعرض مجلس النواب وللدقة نقول تعرض كثير من السادة النواب ورئيس المجلس الى موجات وحملات اعلامية انتقامية كثيرة على امتداد الأشهر المذكورة، ولم يقم المجلس ولا رئيسه ولا النواب الذين كانوا محاور هذه الحملات من التشويه والإساءة بأي عمل أو يعبروا بتصريح ضد خصومهم، الذين يقفون خلف هذه الحملات المسعورة، ففي الوقت الذي ندعو فيه لانتقاد كل المواقف النيابية غير الجميلة، فإننا يجب أن نتذكر بأنه مجلس الشعب وسلطته، وعلينا الدفاع عنه ضد أعضائه الذين يستغلون النيابة، ونحافظ عليه وندعمه أكثر ضد خصومه، فثمة للمجلس خصوم ملتزمون بالخصومة ولا يسعدهم أن يبلي المجلس حسنا، وهم فئة عريضة من الاردنيين، قد نفهم مواقفهم سياسيا، لكننا لا نقبلها في ظروف معينة، لا سيما تلك التي تستهدف مصادرة مجلس النواب "مجلس الشعب" وتحييده عن التأثير. نحن وفي مثل هذه الظروف العصيبة، لا نطلب علامات نجاح كاملة لمجلس النواب او اعضائه، بل إن أي درجة من نجاح ولو كانت "مقبول" هي تحصيل وإنجاز في هذا الزمن الغارق بالنزق، وبانهيار الثقة بالعالم كله، وليس فقط في بعض السلطات والجهات المحلية، حتى الدول العظمى تعاني من انهيار الثقة بأكثر مؤسساتها قوة وشفافية والتزاما، لكننا نسبيا يمكننا أن نلحظ سعة مدارك النواب ورئيسهم، من خلال تعاطيهم مع خصوم المجالس النيابية، ومع دعاة تحجيم دورها ودور أعضائها، وتعاملهم مع الحملات الاعلامية الهادفة لتجريحهم وتشويههم شخصيا، وأنهم أبلوا حسنا وكسبوا معارك سياسية في الوقت نفسه، حيث تقوم قوة نيابية تكاد تمثل المجلس كله، وتضم رئيس المجلس، تقوم بعمل كبير رغم عدم انعقاد دورة نيابية لا عادية ولا استثنائية، إلا أننا يمكننا القول بأن المجلس نجح في أكثر من مخاضة سياسية وحمى الناس من تغول بعض المؤسسات (نتجنب ذكرها) في قراراتها غير الشعبية، ولم ينتظر المجلس جزاء ولا مدحا من خصوم او حتى من محايدين. مجلس النواب بات قريبا جدا من مكانه ودوره الصحيحين، وننتظر منه أداء قويا، ويجب على الحكومة أن تلتقط مثل هذه التوجهات النيابية وتسير معها بشكل منسجم، فهي الخاسر الأكبر من معارضتها او محاولة إجهاضها، فالمجلس النيابي القوي الذي يمتاز بالأداء السياسي الموضوعي، هو مطلب ملكي وشعبي، ومن خلاله تستقيم الأداءات جميعا، وتحظى بثقة الناس. ننتظر موسما نيابيا مثمرا وبناءا ومنسجما الى حد أكبر مع منطق الاصلاح والانفتاح، وحماية الناس من تغول واجتهادات مسؤولي السلطات الاخرى، التي دأبت على تحييد مجالس النواب وكل الهيئات والمؤسسات التي يتولى مسؤوليتها أشخاص منتخبون.