ماذا بعد عودة الملك ؟


جفرا نيوز- كتب: فارس الحباشنة
مملكة الصم ، لم تعد كما كنا نعرفها . خبر غياب الملك قد أنتهى بعودته ليلة الخميس دون أن يعرف الأردنيون أكثر عن أسرار الغياب ، ولا الجهات الغامضة التي سربت مجموعة أشاعات كادت أن تتحول الى نظرية تفسر طلاسم و الالغاز الغياب و مؤسسة الحكم في الأردن .
خيال تحول الى واقع ، حيث سار الخيال الى ما هو أبعد من ذلك ، حتى في الصور الانشائية والبلاغية التي قدمها مدافعون عن الغياب ، وممانعون لأي طرح سياسي وشعبي يسأل أو يقترب من السؤال عن الملك ، وفيما بدت " مليشيات صحفية " غارقة بأحساس أنها حارسة وحامية للنظام الأردني .
عودة الملك لم تكذب كلاما تداوله الأردنيون ؟ العودة كذبت مصادر الاشاعات . ولم يقصد أردني بالمطلق غير أن يتمنى الخير و السلامة والعافية للملك ، و على العكس الأردنيون أنفجروا غضبا وقلقا على الملك جراء وابل الأخبار التعيسة و غير دقيقة و التحريضية التي أنبعثت على مسطحات التواصل الاجتماعي .
ولربما بحكم العمل الصحفي ، فقد كنت أواجه يوميا مئات الاسئلة من أصدقاء ورفاق و متابعين يسالؤن أين الملك ؟ و عندما لا أجيب و لا أملك جوابا ولا حتى أدنى معلومة من هنا وهناك ط ، وأقول لهم أني لا أملك ردا و معلومة ، يكذبونني أو يظنون أني أخفي شئيا ، وحقيقة أنا وغيرني من زملاء المهنة بعيدون عن الطبخة ، ولا نعرف شئيا عن بهاراتها و لهيب نارها المشتعل في الغرف المغلقة ، ولربما هو قدر ، ولكنه قدر جميل .
صحفيا هناك مناديب خالدون منوط بهم حماية وحراسة "مؤسسة القصر" ، و حتى من السؤال السياسي والشعبي المشروع ، هؤلاء من يبصون ب"عين واسعة" على" السيستيم " و ضيقة على الشعب والمجتمع و الرأي العام ، ويعرفون ما يجري في الداخل بدقة وتفصيل ، فلهم الشرعية وكافل الشرعية بان يستشروا بالدولة وصندوق أسرارها .
يحتلون المسرح ،ولهم طرق عملهم أمام الشاشات ، ومن خلف الاضواء يعرفوا ماذا يدبرون ؟ و الأردنيون عليهم الأنتظار ، ولا غير الأنتظار ، وماذا سيقروون بشأن أسئلتهم وما يلوح في أفق خيالهم من خوف و قلق و مستقبل بلادهم دون مجازفة ومواربة .
الفراغ دفع البلاد الى حالة عبث غير مسبوقة . وبدا الاهتمام الاسرائيلي بدخول سباق العرافين والمنجمين غريب ومنظم . الخبير السياسي أيدي كوهين في عز حيرة الأردنيين وأنفراط سبحة الأسئلة ، نشر نحو 10مناشير على الفيس بوك عن الأردن ، وطرح أراءا كثيرة عن واقع ومستقبل الأردني السياسي ، ومن بينها السؤال عن الملك .
وبدا البعض في ردوده على كوهين أكثر غضبا و حماقة معا ، فكوهين شارك في صناعة بلبلة الرأي العام والتشويش ، ولا بد من الأعتراف أن الرجل بليغ الاطلاع وعليم ، وعلى معرفة بما يدور في خيال الأردنيين وكهونة الدولة السري و الغامض .
ولست بمعرض الحديث هنا عن ردود عاطفية لأردنيين هددوا كوهين بالقتل وأن يرفشوا في بطنه ، وعلى أعتبار أنه ساكن في رأس الحارة مثلا ، و سيارته يوقفها مساءا أمام منزله في الحي والحارة الفلانية . و أحيانا الغضب مسموح ، ولكن دون أن يعطل التفكير الحكيم والرشيد و يطغى عليه .
السؤال عن الملك طرحته صحف وسياسيون وشعب كامل . وبالمعنى السياسي السؤال كان مهما . ولكن ثمة فريق سياسي تقليدي معاكس يناقض شعبية الملك ، بل يريدونه بلا شعبية . و يصعدون بهبات من الصعب أن تفسرها أو تقرأها خارج سياق أنها تضر الملك ،ولا تخدم مصالح الدولة شكلا ومضمونا .
الجمهور كتلة مخيفة في نومها وصحوها . و الدولة بكل حراسها مدربة على الترويض ، ولكن أحيانا ثمة اسئلة تخرج عن قوة الترويض وشراسة أنيابيه في خيال المواطنيين ، القلق والخوف أقوى وأعمق في مشاعر الأردنيين ، وألا ماذا تسمون الهاجس الجمعوي الغامض والمتلبد بالسؤال عن مستقبل الأردن دولة وشعبا .
الدولة القديمة تقوم على الترويض ، والدولة الحديثة والجديدة أظن أن الترويض على هذا النهج لا يصلح لادارتها وتوجيه مصالحها ، ولربما أن مفهوم الدولة وكما يجري مراجعته سياسيا واجتماعيا وقانونيا و مؤسساتيا لم يدخل غرف الأختبار السلطوي اليومي .
الأردنيون حائرون ، و الحيرة تصنع خوفا وقلقا ، ويفتقدون الاحساس بالثقة و الأمل . و ينتظرون أحدا يرد أو يوجه لهم أدنى تقدير و أحترام وواجب بالأجابة على سؤالهم الأول و التالي .
يتابعون ما يجري بخيال متوتر ومرعوب ، وبخيال اللاهث وراء لقمة العيش في معركة البقاء البيولوجي ، و يذوبون في سحر قطيع يحركه بصيمة و سحيجة و مهلللين وشيوخ نص كم ، يلعبون في عقول مستسلمة لقمامات قادة بقايا ما يسمون قادة الرأي العام .