اعتصام متقاعدي الأمن العام
جفرا نيوز - فراس الطلافحة
في بداية هذا المقال أقول : ليعلم جيداً المسؤول الذي سَيُمرر إليه هذا المقال ويؤَشر له على بعض الجمل التي وردت به بقلم فسفوري أصفر أنني ومثلي أربعة آلاف ضابط متقاعد من جهاز الأمن العام لم نعرف الخوف والجبن من المواجهة يوماً فلقد كانت صدورنا على الدوام مفتوحة لرصاص غدر الخارجين على القانون والمتمردين عليه فكانت ندبات الرصاص والجروح التي أصيب بها الكثيرون من الزملاء وأحالتهم إلى مقعدين وذوي حالات خاصة هي أوسمة بطولة ونياشين عز وفخر لهم قلدهم بها الوطن فزادتهم ألقاَ فصدورهم المملوءة بالشرف وحب الوطن ليست بحاجة إلى أوسمة شكلية تُعلق عليه بمظاهر وبروتوكولات احتفالية وتصفيق من الحضور وتصوير فوتوغرافي أما أكرمنا والأكثر شجاعة منا هم الشهداء من أبناء جهاز الأمن العام الذين قضوا نحبهم وهم أحياء عند ربهم يرزقون بإذنه بعد أن قدموا أعز ما يملكه الإنسان حياته رخيصة في سبيل الوطن لتنام عيون الأمهات والأطفال بهدوء وأمان .
لقد حملنا الوطن على اكتافنا وفي قلوبنا واحتضناه خوفا عليه مما يسمى بالربيع العربي من خلال نهج وأسلوب جميل وراقي انتهجته قيادة مديرية الأمن العام وكانت النتائج كما خطط لها فكان الإحترام المتبادل ما بين المواطن ورجل الأمن وكانت المسؤولية مشتركة بينهما في المحافظة عليه والسمو به وجعله موضع التقديس والجلال الأمر الذي أدى إلى تجنبه كل ما حدث في بعص الدول العربية المجاورة والشقيقة فكان هذا الإنجاز هو الأجمل وهو الأغلى على النفس بالإضافة إلى كثير من الإنجازات والتي لن نمن على الوطن والمواطن بها فهي واجب علينا اتجاههم وإن كان لها الدور الأكبر بإرهاق أعصابنا والوصول إلى مرحلة الشيخوخة مبكراً .
بعد هذا المشوار الطويل من التعب آثر الكثيرين منا وأنا منهم على احالة أنفسنا على التقاعد للعودة إلى أسرنا وخاصة أن عَدّ سنوات العمر قد اوشك على النهاية وحتى نعوض أبنائنا سنوات الفقد والبعد عنهم بسبب طبيعة العمل وتنوعه مطمئنين إلى أننا نعيش في دولة تحترم متقاعديها وممن أفنوا حياتهم في سبيل امنها واستقرارها وستقوم بصرف جميع مستحقاتنا لنعيش عيشة كريمة مستورة لنتفاجئ أننا كنا نعيش في وهم ونصدم بواقع افلاس صندوق قرض متقاعدي الأمن العام بفعل السياسات المتخبطة لمن تحملوا أمانة المسؤولية سابقاً ولا نحملها لمدير الأمن الحالي أو لمن سبقه لنبدأ بسلسة طويلة من المراجعات والإجتماعات والإلتقاء مع المسؤولين في وزارة الداخلية والأمن العام وإبداء الحلول من أجل ايجاد وسائل لرفد الصندوق واعادة إحياؤه من جديد إلا أننا لم نلمس جدية في التعاطي مع الموضوع لا بل تم حرماننا من مدخراتنا التي كانت تخصم من رواتبنا لتسلم لنا حال تقاعدنا مع المكافأة ليتم رفد الصندوق بها كحل من مديرية الأمن العام حين عجزت عن ايجاد الحلول المنطقية وربما لا نلومها ونحن أبنائها وخرجنا من رحمها ونعلم ما تعانيه دولتنا من ضائقة اقتصادية .
بعد هذه السلسة من الإجرءات من أجل الوصول إلى حقنا قمنا نحن المتقاعدين بتنفيذ أكثر من اعتصام تخللها الكثير من المشاهد الدرامية والسوريالية وكان من أصعبها أن يقف الوالد المتقاعد في مواجهة إبنه المجند حديثاً في قوات الدرك والضابط المتقاعد مع من قام بتدريبه وخدم في معيتة سابقاً .
يقال : أكثر ما يؤلم الشجرة هو أن يد الفأس التي تقطعها هي مصنوعة منها أما نحن المتقاعدون فكان ألمنا أكثر مع هذه الهجمة الشرسة التي تم تناولنا من خلال بعض الأقلام الدنيئة المأجورة والبعيدة كل البعد عن الأخلاق التي يجب أن يتمتع بها الكتاب والصحفي الشريف في طرح مشكلة أو قضية ما فتم نعتنا بأننا لم نقف مع الوطن في هذا الوقت الصعب وأن مطالبنا هي شخصية وليست عامة وكأنهم تناسوا أن المتسبب الوحيد بإفلاس الصندوق هو الفساد وإن لم يكن اختلاس فهو فساد الإدارة التي كانت تدير الصندوق وهو أشد أنواع الفساد .
أما أكثر الإتهامات زوراً فهو تسيس قضيتنا وهم يعلمون جيدا زيف ادعائهم وزعمهم فالوطن والقائد والشعب في قلوبنا وأن جهاز الأمن العام فنحن ندين له بكل ما وصلنا إليه وهو الحاضن لنا ولا يمكن أن نطعن به وبما يقدمه من خدمات لا يمكن تجاهلها أما قيادته ومنتسبيه هم زملاء لنا نقدر لهم تعبهم وسهرهم ومعاناتهم كما عانينا ولكن يبقى السؤال الأهم والمشروع أين ذهبت أموال الصندوق ونبرئ مدير الأمن العام الحالي وهو إبن الجهاز من تعثر الصندوق ونطالبه بتقصي الحقيقية والتحقيق في الواقعة ومعرفة المتسبب وتقديمه للعدالة فالملف الذي تورثه حمل ثقيل ولا يمكن أن يحل بسهولة أما وزارة الداخلية فهي الحاضنة لجميع الأجهزة الأمنية من أمن عام وقوات درك ودفاع مدني ويجب المساواة فيما بينها لنيل الحقوق .
الكاتب : ضابط متقاعد من جهاز الأمن العام وعضو جمعية الكتاب الأردنيين الألكترونيين .