هل حقا: ما فيه رواتب ..!؟.
جفرا نيوز- كتب: ابراهيم عبدالمجيد القيسي
الهدر ما زال "ضاربا اطنابه"، أو هكذا نفهم، حيث لا تغيير جذريا في أداء بعض المؤسسات، وقد يقول قائل بأن الحكومة لم تأخذ وقتها بعد لنلمس تغييرا على هذا الصعيد، وهو قول غير صائب البتّة، فبعض الممارسات الهادرة للمال العام يمكن رؤيتها فور حدوثها، سيما ونحن نتحدث عن حكومة استثنائية بناء لظروف قدومها، ولعل مظاهر الهدر المتمثلة بـ"تقليعة" العمل الميداني هي أصدق قيلا مما يتداولون عن اللقاء بالجماهير التي سئمت الوعود والعهود..ولعل موقف الحكومة بل توجهاتها التي عبر عنها مسؤول قانوني مختص بالنسبة لتقاعد الوزراء، تبين حالة الفصام المقيمة في تفكيرنا، والتي لا ينفع معها لا ظرف حرج ولا توجيه ملكي، ولا يردعها السأم الشعبي مما يأفك هواة العمل السياسي والاعلامي الرسميين، حيث كنت أول من استشهد بالقول الملكي الداعي لإقالة الوزير "التعبان"، فالمنطق يستدعي أن ينظر الى راتبه التقاعدي في حال تمت اقالته، ولم نتحدث عن التعميمات التي ينتهجها بعضهم لإجهاض أية فكرة منطقية ممكنة ومطلوبة.
كتبت يوما متسائلا: ما موقف المواطنين لو علموا أن لا رواتب للموظفين في الشهر القادم او الذي يليه؟! أو أنها قد تتأخر عن موعدها كما يجري في بعض المؤسسات شبه الحكومية؟ وفي اليوم نفسه خرج تصريح وزير المالية السابق يحمل المضامين عن احتمال تأخر صرف الرواتب أو صرفها غير كاملة، لو لم يتم في أسرع وقت اقرار قانون الضريبة "المسحوب" من النواب، وهو تصريح ما كان يجب ان يدلي به الوزير شخصيا، وهنا يتجلى غياب التكتيك الاعلامي في الحكومة السابقة، وعدم الاحتراف في طرق توصيل المعلومة الأقل تكلفة سياسيا واعلاميا.
واليوم أيضا؛ نسمع عن تصريحات ضد نائب رئيس الوزراء رجائي المعشر، ولا نريد أن نفهم بأن الحكومة الحالية بدورها أيضا تعاني من غياب الاحتراف الاعلامي الحكومي، وأن تيارات تتصارع داخل الحكومة كسابقتها، بل يجب أن نفهم تصريحات المعشر بأنها صراحة وشفافية وابتعاد عن الرومنسية السياسية، حيث لا يتطلب الأمر "روحة عند القاضي" لنفهم بأن خزينة الدولة تعاني خواءا قد ينعكس قريبا على رواتب الناس الشهرية، وهذه حقيقة توجب علينا جميعا النظر الى أزماتنا الاقتصادية وانفلاتاتنا الاعلامية والسياسية بنظرة أكثر منطقية وحرصا على البلاد..وليس التندر والتسخيف والاتهام، وهنا يجب على الحكومة أن تخرج علينا بحقائق واضحة، لعل الناس يفهمون بأنهم يتفاعلون مع الأزمات تفاعلا يقع خارج السياق الوطني، وينذر بغضب مجنون لا يستند لا الى منطق ولا الى ديمقراطية ولا الى خوف على البلاد ومستقبلها وظرفها الحرج.
هذه الحكومة جاءت لتغيير نهج عام، مارسته حكومات افتئاتا على الدستور والقانون والاصلاح، وكانت ربما مرغمة في كثير من المواقف، لكن لا شيء مطلقا يرغم حكومة الرزاز على التعامل بالخطاب المبهم أو المستنسخ عن سابقاتها في الملمات والأزمات، لا شيء يمنع هذه الحكومة من مصارحة الناس، بل إن التخفي وشراء الوقت والبحث عن مهارات التفلت، هي سمات النهج المطلوب تغييرها، وهذا ما يتوقعه الناس من عمر الرزاز وحكومته.."هاتوا من الآخر" واكشفوا حقيقة الوضع المالي لخزينة الدولة ووضع رواتب الناس، لعلهم حين يعلمون الحقيقة يلتفتون الى دورهم المتوقع في حماية الوطن وعدم الانفلات والسخرية من شفافية المسؤولين.
بعض الموظفين الهواة؛ هم من يقف خلف توريط بعض الوزراء بالمواقف المحرجة التي تبعث الناس على الاستياء، وهو خلل اعلامي أيضا، توقعنا عدم رؤيته بل استئصاله على عهد جمانة غنيمات، لكن المفاجأة حدثت وأصبح الهواة في درجة متقدمة من صناعة الأزمات، وأتحدث هنا عن تصريحات تلك الوزيرة (لم اعرف اسمها حتى الآن والله) حول تسعيرة المحروقات، وعن قيام بعض الوزارات بفبركة أخبار سوقية ركيكة وفاضحة، باعتبارها طريقا آخر لتلميع الوزراء بعد أن طالب الرزاز عدم تلميع الوزراء وبطولاتهم المصطنعة..
حارتنا ضيقة جدا، وأقل مواطن فيها يمكنه أن "يحلب النمل" فلا تتغابوا بمثل هذا التذاكي الفج، وأبعدوا هؤلاء عن توريط وزراء من قليلي الخبرة، ويحتاجون دورات طويلة ليتعلموا كيف يخرجون على الرأي العام علما أنه ليس مطلوب منهم التصريح فثمة اعلام في كل المؤسسات، ويوجد ناطق اعلامي باسم الحكومة، لا سيما وأن الرأي كله يجمح لشيطنة السلطة وتشويه المسؤولين ويتصيد الهفوات والأخطاء، فلا جسور ثقة بينهم منذ زمن، والشفافية والوضوح هما الجسر الأول الى عقل وقلب المواطن الأردني، وليس الفبركات والادعاءات والبطولات الوهمية حتى لا نقول الفساد والسرسرة والتنفيع وسائر مرادفاتها.
عندكو مشكلة حلوها قبل أن تكبر كرة الثلج، وتنحدر بنا جميعا الى الحضيض.
ibqaisi@gmail.com