تقاعد الوزراء .. الفرصة الضائعة

جفرا نيوز - المهندس عادل بصبوص تشعر بالحزن ويتملكك الإحباط لا بل الغضب إن كنت من الفسطاط الذي تفاءل وإسبشر خيرا بتولى د. عمر الرزاز زمام المسؤولية، وأنت ترى الفرص السهلة لكسب ثقة الجماهير يتم إضاعتها برعونة أمام المرمى مباشرة، بهذه الحال إستقبلت وربما غيري كثيرون إعلان الحكومة عن "خطوتها الإصلاحية" بتعديل قانون التقاعد المدني بحيث لا يحصل الوزير على راتب تقاعدي إذا لم يبلغ إجمالي خدمته في القطاع العام سبع سنوات، وقد تم الإعلان عن هذه الخطوة تنفيذا لتعهد قطعه د.الرزاز بعيد تشكيله الحكومة العتيدة بإصلاح قانون التقاعد المدني وخصوصا تقاعد الوزراء، وهو الذي قال بأنه لا يجوز ولا بأي معيار من معايير العدالة ان يتحصل الوزير على راتب تقاعدي مدى الحياة مقابل خدمته لأشهر معدودة في حين يعمل الموظف سنوات طويلة للحصول على راتب تقاعدي... لقد هللت الحكومة وعلى لسان وزير المالية لهذا القرار الذي رأى فيه إختراقا وفتحا عظيما، وقد برر معاليه ذلك بأن القانون الحالي يمنح الوزير راتبا تقاعديا ولو بلغ إجمالي خدمته في الحكومة يوماً أو بعض يوم، وبالتالي فإن رفع المدة إلى سبع سنوات هو إنجاز عظيم، وقد نسي معاليه او تناسى أن موظف القطاع العام لا يستطيع الحصول على راتب تقاعدي ما لم تبلغ خدمته في الحكومة خمسة وعشرين عاما، فأين العدالة في هذا المجال، ومن هو الأحوج للراتب التقاعدي أهو الموظف البسيط الذي يفني زهرة عمره وشبابه براتب بالكاد يسد رمقه ورمق عائلته، أم صاحب المعالي الذي يتقاضى راتبا شهريا يعادل إجمالي رواتب سنة كاملة لشريحة واسعة من الموظفين، ألم يصرح معاليه – وزير المالية بالطبع – قبل فترة ليست بعيدة ولم يكن وقتها قد حظي بالمنصب الوزاري بعد، بأن وضع صندوق التقاعد حرج ويتطلب عدم السماح بدخول متقاعدين جدد للصندوق – والمقصود الوزراء الجدد - بعد أن تم تحويل الموظفين المدنيين المعينين بعد عام 1995 والعسكريين بعد عام 2003 إلى صندوق الضمان الإجتماعي، لماذا لا يتم إخضاع الوزراء الجدد مثلهم مثل كل الموظفين إلى قانون الضمان الإجتماعي، علما بأنهم الأقل إحتياجا إلى أي معاملة تفضيلية فيما يتعلق بالتقاعد خاصة وأن الوزير يتقاضى رواتب ليست قليلة أثناء الخدمة إضافة إلى أن الوزير يكتسب خلال عمله في الحكومة تجارب وخبرات مميزة وعلاقات تتيح له فيما بعد تولى مناصب ومسؤوليات بإمتيازات ورواتب أحسن، إضافة إلى ان الكثيرين منهم لا تنتهي علاقته بالحكومة بخروجه من الوزارة فهو يعود من أبواب ونوافذ أخرى ليرأس مجلس إدارة شركة حكومية أو مجلس أمناء جامعة حكومية أو خاصة أو ليعود إلى السلطة مجددا – التشريعية هذه المرة - عضوا في مجلس النواب بالإنتخاب أو مجلس الاعيان بالتعيين. إن التمييز الصارخ غير المبرر بين تقاعد الوزراء وتقاعد عامة الموظفين، لا ينحصر فقط في عدد سنوات الخدمة التي يتحقق التقاعد بعدها، وإنما في قيمة الراتب الإجمالي الأخير الذي يمثل الأساس الذي يحتسب الراتب التقاعدي بناء عليه، فتقاعد الموظفين العاديين يحتسب بناء على الراتب الأساسي والذي يبلغ في حده الأقصى 593 دينار للموظف الذي يبلغ أعلى مربوط الدرجة الخاصة بعد خدمة تقل قليلا عن أربعة عقود، في حين يحتسب راتب الوزير التقاعدي بناء على الراتب الإجمالي والذي يبلغ قرابة أربعة آلاف دينار منذ اليوم الأول لدخوله الوزارة، فإذا علمنا أن هذا الجانب لم يطاله تعديل القانون، يتبدى لنا تواضع وهزالة الخطوة الإصلاحية العظيمة التي أخذتها الحكومة والتي يصح فيها القول والمثل الدارج تمخض الجبل..... إن المطالب بإعادة النظر في الرواتب التقاعدية للوزراء لا يعني بحال المطالبة بتخفيض رواتبهم التي يتقاضونها أثناء الخدمة، بالرغم من أن هذا الموضوع يشكل قضية خلافية بين الكثيرين، فكثير من المراقبين يرون هذه الرواتب ضئيلة ولا تتناسب مع المهام والمسؤوليات التي يضطلع بها الوزير، في حين يجادل آخرون بأن الرواتب المعلنة وهي رواتب مرتفعة برأيهم لا تشكل إلا جزءا فقط من الرواتب الحقيقية التي يتقاضاها أصحاب المعالي، إضافة إلى الإمتيازات الأخرى التي يعرفها الجميع. إن خيبة الأمل والمرارة التي خلفها تعديل تقاعد الوزراء بالصورة التي أعلن عنها، لا تعود إلى تبخر آمال وتوقعات كان من الممكن أن تؤثر إيجابيا على الخزينة العامة، وإنما للقناعة بأن العقلية وأسلوب التفكير والعمل التي أوصلتنا إلى الحالة التي نغرق فيها، ما زالت هي السائدة وهي التي تمسك بالمقود، وهي عقلية يعوزها الخيال والإبداع، حتى في قضايا بعيدة عن التعقيد ولا تحتاج إلى كثير من الفطنة والنباهة، فبالله عليكم يا معشر الحكومة ويا مطبخها الإقتصادي والإجتماعي، أليس لديكم من يدرس أو يتوقع الآثار وردود الأفعال لدى الجمهور عن القرارات التي سيتم إتخاذها، لماذا نصر في كل مرة على إتخاذ قرارات تستفز مشاعر قطاعات واسعة من المواطنين حتى في الحالات التي تتوفر فيها بدائل أكثر قبولا، ألم يكن من الأجدى للجميع أن يتم إخضاع كافة الوزراء الجدد إلى قانون الضمان الإجتماعي، خاصة وأن الغالبية العظمى منهم هم أصحاب أعمال أو موظفون مرموقون من القطاع الخاص وهم مشتركون أصلا في الضمان الإجتماعي، ما هو حجم الرصيد الإيجابي الذي كانت ستجنيه الحكومة من وراء قرار – لا كلفة له - كهذا القرار، لماذا أضعتم مثل هذه الفرصة الثمينة .... لماذا ؟؟