يوم وطني للإسكان

جفرا نيوز - المهندس عادل بصبوص يحتفل العالم ومنذ أكثر من ثلاثين عاما في أول يوم إثنين من كل عام باليوم العالمي للإسكان بهدف تأكيد حق الجميع في المسكن الملائم ولمراجعة الأوضاع القائمة في مدن العالم فيما يتصل بهذا الموضوع، وقد قرر مجلس وزراء الإسكان والتعمير العرب التابع لجامعة الدول العربية لاحقا أن يكون هناك يوم عربي للإسكان وأن يتم الإحتفال به في ذات الموعد من كل عام، حيث دأبت المملكة ممثلة بوزارة الأشغال العامة والإسكان والمؤسسة العامة للإسكان والتطوير الحضري على المشاركة في الفعاليات التي تقيمها الجامعة في هذا اليوم وخاصة في الجوائز والمسابقات المعمارية التي يتم تنظيمها بهذه المناسبة. إن تخصيص يوم للإسكان سواء على المستوى العالمي أو العربي، لا يعني مجرد تكريس مناسبة إحتفالية جديدة تضاف إلى المناسبات التي يحتفى بها سنويا، إنما هو تعبير عن الإلتزام الجاد بالعمل على تحسين الظروف السكنية للجميع وخاصة الفئات الفقيرة والمهمشة والتي لا يتوفر لها الحد الأدنى من متطلبات السكن الصحي الآمن، وهي مناسبة للمراجعة والتقييم يتم من خلالها تحديد مقدار التقدم أو التراجع في تنفيذ السياسات والأهداف التي تضعها الجهات المعنية بإتجاه توفير المسكن الملائم وخاصة للفئات المستهدفة، وحيث أن الأردن العضو في هيئة الامم المتحدة وفي جامعة الدول العربية معني بالإحتفال باليوم العالمي والعربي للإسكان، فإنه يحق لنا ان نتساءل إلى أي مدى يتم الإستفادة من هذا اليوم في مراجعة السياسات والبرامج المتعلقة بقطاع الإسكان، على إفتراض وجود مثل تلك البرامج والسياسات، والجواب سلبي بالطبع، فموضوع الإسكان على أهميته لم يعد يشكل جزءًا مهما من أجندة الحكومة وأجهزتها المعنية، وللإستدلال على ذلك يكفي الرجوع إلى تقارير الإنجاز التي أعدتها الحكومتان السابقتان، وإلى خطابات الحصول على الثقة التي ألقيت أمام مجلس النواب، لنجد أن موضوع الإسكان لم يرد في أي من هذه التقارير وتلك الخطب، حتى أن الخطة الحكومية الأحدث وأعني بذلك "خطة تحفيز النمو الإقتصادي الأردني 2018 -2022" قد تناولت موضوع الإسكان ضمن "قطاع البناء والهندسة والإسكان" بشكل هامشي ولم تتضمن أية إجراءات يمكن أن تحدث فارقا في الوضع الحالي للقطاع، والذي يعاني من تراجع وركود غير مسبوق، هذا على الصعيد الإقتصادي للموضوع، أما في الجانب الإجتماعي فغالبية الأسر الجديدة والشابة أصبحت تعاني الأمرين للحصول على سكن مناسب وفق مواصفات الحد الأدنى في ظل إرتفاع هائل في أسعار الأراضي السكنية، وإرتفاع متزايد أيضا في أسعار وكلف مواد ومستلزمات البناء.
تقتضي الموضوعية الإقرار بأن الوضع الإسكاني بشكل عام في المملكة ما يزال مقبولا أو حتى جيدا مقارنة بالعديد من الدول ذات الظروف الإقتصادية والإجتماعية المشابهة، وخاصة فيما يتعلق بمؤشرات الإسكان الرئيسية والمتمثلة بنسبة المساكن المنشأة من مواد دائمة ونسبة المساكن الموصولة بخدمات البنية التحتية ونصيب الفرد من مساحة المسكن ومتوسط عدد الأفراد في الغرفة الواحدة وغير ذلك، إلا أن الصعوبات المتزايدة التي تحول دون حصول قطاعات واسعة من المواطنين على السكن الملائم، تقتضي من كافة الأطراف وعلى رأسها الحكومة التخلي عن "سياسة النأي بالنفس" في هذا المجال والمبادرة إلى إتخاذ إجراءات سريعة تفاديا لوضع تزداد الأمور فيه سوءا مما قد ينذر بحدوث مشاكل وإختلالات إجتماعية لا تحمد عقباها.
إن أهمية الإسكان كحاجة أساسية لا تقل أهمية عن الغذاء والدواء وكقطاع إقتصادي حيوي أيضا، تقتضي الدفع بإتجاه وضع هذا الموضوع مجددا على قمة الأولويات، وأن يظل حاضرا على أجندة كافة الجهات، وذلك من خلال تنفيذ فعالية سنوية تهدف إلى إعادة تسليط الإهتمام على الإسكان كقضية وأولوية وطنية وبشكل متزامن مع الإحتفال بيومي الإسكان العربي والعالمي في مطلع شهر تشرين الأول، حيث يمكن أن تحمل هذه الفعالية عنوان "اليوم الوطني للإسكان" مما يوفر فضاءا فسيحا رحبا تعرض فيه كافة قضايا الإسكان ومستجداته ضن ملتقى يضم كافة المهتمين والشركاء إضافة إلى معارض لمستثمرين وصناعيين وتجارا وممولين وباحثين في مختلف المواضيع المتصلة بهذا القطاع والتي يمكن أن تشمل أيضا موادا وتقنيات بناء حديثة صديقة للبيئة وموفرة للطاقة، ومسابقات وجوائز محلية للإبتكارات والتجديدات، ويمكن للجهات غير الحكومية مثل جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان الأردني أن تكون رائدة ومبادرة في إقامة هذه الفعالية ضمن أنشطتها ومسؤولياتها المجتمعية، بالتعاون مع جهات أخرى مثل جمعية المعماريين الأردنيين وهيئة المكاتب الهندسية ونقابة المقاولين وغيرها، ويمكن أن تكون البداية من هذا العام، نعم هذا العام فما زالت تفصلنا عن مطلع شهر تشرين الأول القادم ثلاثة أشهر يمكن خلالها عمل الكثير إذا ما تم الإقتناع بهذه الفكرة وتبنيها، ذلك أن تنفيذ فعالية كهذه قد يؤشر لبداية حقبة جديدة وواعدة لهذا القطاع الهام.