مسحر لا يُشبه رمضان !!!!

جفرا نيوز - رائده الشلالفه - لا احد يستطيع ان يصف المشهد، وقد ضاعت ملامحه بين الماضي والحاضر، بين الموروث الشعبي والطقس الديني، فيما يباغتك صوت "مسحر" اخر الليل متفوها بعبارات تقليدية الغالبية منها تم سماعها من مسلسات الدراما العربية .. ليس هذا المسحر الذي كان يجوب الحارات مشيا على الاقدام حاملا "الطبل" وعصاه الغليظة التي يضرب بها جنبات طبله ليدوي الصوت في الروح يخلق خشية محببة.. وبصوت جهوري لكنه حنون يخبرك بان تقوم وتكبر وتوحد الله . في مفارقة مسحر الامس واليوم معركة تكنلوجيا وغزو ثقافي وقبلا استعماري، تغيرت الخارطة السياسية برمتها، واتشحت بالقلاقل والحروب والدماء، وما عاد مسحر رمضان "الحقيقي" يشكل جزءا مهما من الحاضر ان وُجد . وعلى ما يبدو، فقد اقتصر  ظهور المسحر راهنا في مدن المحافظات ذات الصبغة الشعبية، لتراه في احياء الزرقاء مثلا، او احياء عمان الشرقية، اللافت في مسحر اليوم" الذي لا يُشبه المسحر الا في مضمون فكرة العمل المسحراتي، انه يباغتك بل ويقتحم بصوته "النشاز" سكون ليلك وصفاء روحك، وقلما ينام الاردنييون قبل صلاة الفجر كما جرت عليه العادة خلال سنوات العقد الاخيرة، فالمواطن مستيقظا بل ولديه برنامج متكامل حتى مطلع الفجر، ما يعني انه ليس بحاجة من يوقظه للسحور، اضف الى ذلك ان البعض يستخدم المنبه في هاتفه الذكي، الذي يفوق ذكاؤه المسحر ذاته الذي يقترض من الليل بضع ساعة او تزيد ليؤدي مهمة مغفترضة تقول بجمع اكراميات وصدقات اواخر رمضان. لا بد اننا نحترم فكرة من اراد ان يمتهن مهنة المسحر ، لكن لكي لنحترمه بحق عليه ان يحترم اختياره لتلك المهنة الغارقة في التاريخ، فلا يعقل ان يجوب المسحر هذا الحي بمركبة شبه متعطلة، يصلك صوتها كجاروشة قمح اثرية، يتبعها صوت شاب او رجل يقذفك بعبارات غير متواءمة على نحو اصحى يا نايم وحد الله .. ويعيد ترتيب الجملة يا نايم اصحى وحد الله!! هو مسحر بالاداة والفكرة والوقت، لكنه ابدا لا يُشبه رمضان !! اللافت وربما المضحك في مشهدية السحور الراهنة، ان الاطفال يجلسون على الشرفات وابواب البنايات بانتظار المسحر، بل ويرافقونه لاخر حدود الحارة، يقودهم في ذلك شغفهم باللهو اخر ساعات الليل، اذكر وليس ذلك ببعيد، عندما كان مسحر حارتنا يمر من امام باب منزلنا، وما ان يتناهى صوته وطبله الى آذاننا الصغيرة حتى نلتف كالمومياء تحت الاغطية لا يظهر من اجسامنا سوى رعشة خوف تلازمنا لحين يتلاشى الصوت متزاتمنا مع قرقعة صحون امي فيما هي تعد لنا السحور. وبين سحور الحارات المنسية على خارطة الوطن، وبين شبان متعطلون عن العمل اقتحموا مهنة المسحر كوظيفة موسمية لا تزيد عن الشهر الواحد، وبين سياسات كافرة لحكومات بالمطلق لا تصلي نقول الله يحمي البلد !!