إشكالات قانونية في نظام الخدمة المدنية المعدل لسنة 2018
جفرا نيوز - د. أشرف سمحان
الناظر إلى نظام الخدمة المدنية المعدل لسنة 2018 وتحديداً فيما يتعلق بوضع منحنى طبيعي يتوجب معه وضع تقدير "ضعيف" لما نسبته 2% من الموظفين العموميين، وانهاء خدمة من يحصل على التقدير المذكور لسنتين على التوالي، نقول أن الناظر للتعديل المذكور على نظام الخدمة المدنية، يجده ينطوي على محذور ويحفه قيد هام، نستعرضهما كما يلي:
أولاً: فأما بالنسبة للمحذور فيتمثل في مخالفة التعديل المذكور لمبادئ مستقر عليها في القواعد الناظمة للوظيفة العامة، وهي التالية:
1-مخالفة التعديل المذكور للقاعدة الخالدة التي تقرر "ألا جزاء بغير خطأ"، ما يقتضي معه البحث في الطبيعة القانونية (التكييف القانوني) للإنهاء المستحدث للوظيفة العامة بسبب سوء التقدير الوظيفي، فبماذا يقصد بسوء التقدير الوظيفي؟ هل يقصد به ارتكاب الموظف لواقعة معينة بالذات تستوجب المساءلة التأديبية؟ ومن هنا تكن مثل تلك الواقعة مخالفة تأديبية ويكون إنهاء الوظيفة جزاء تأديبياً وفاقاً عنها، فلا يخرج بالتالي عن الفصل من الوظيفة.
فهل يقصد بالسبب المستحدث المذكور (إنهاء الوظيفة لسوء تقدير الأداء الوظيفي) ما سلف بيانه أم يقصد به "معنى نسبي" هو فشل الموظف في المنافسة على تقدير الأداء الوظيفي. والواقع أن النص المستحدث يخرج عن المفاهيم العامة والمستقر عليها لفكرة "الأداء الوظيفي" وما تنطوي عليه من مفهوم ذاتي لا نسبي، يمعنى وجوب أن ينظر إلى أداء الموظف في ذاته، لا بالمقارنة مع غيره، وإن في فرض نسبة 2% كنسبة إجبارية ومنح درجة ضعيف عنها، فيه استحداث لمفهوم جديد يتنافى والقواعد المستقر عليها في القانون الإداري، ويتنافى كذلك مع مبدأ ديمومة الوظيفة العامة، إذ لا يعدو في رأينا أن يكون في جوهره "تطهيراً للجهاز الوظيفي من أقل الموظفين كفاءة به، وبث لدماء جديدة فيه لتحسين جودة العمل الوظيفي"، لكن نبل الغاية هنا لا يجوز أن يبرر فساد الوسيلة، الوسيلة التي تتعارض مع مبدأ مستقر عليه هو مبدأ ديمومة الوظيفة العامة، والذي نستعرضه تالياً.
2-مخالفة التعديل المذكور، لمبدأ ديمومة الوظيفة العامة: فاذا كان الموظف هو كل انسان يعمل في مرفق عام بشكل دائم ومقابل أجر، فإن عنصر الديمومة في الوظيفة العامة يغدو غير واضح اذا علمنا أن هنالك 2% من الطاقم الوظيفي يتوجب إخراجهم من الوظيفة العامة.
3-ويرتبط المحذور السابق، بمحذور آخر، هو مخالفة مخالفة التعديل المذكور، لمبدأ التحديد الحصري لأسباب إنهاء الخدمة الوظيفية، إضافة سبب جديد لأسباب أنهاء الوظيفة العامة، والتي يفترض بها أن تكون محددة على سبيل الحصر، ولا يجوز التوسع فيها، والناظر للأسلوب المستحدث في إنهاء الوظيفة العامة، يجده غير منطبق على أي من أسباب إنهاء الخدمة الوظيفية المعهودة، فلا هو بالفصل التأديبي ولا هو بالإحالة على التقاعد، ولا هو غيرها، وهذا ما فات التعديل المذكور، فأي شكل قانوني يتخذه إنهاء خدمة الموظف بالحالة المستحدثة؟
4-مخالفة التعديل المذكور، وما يقرره من سبب مستحدث لإنهاء الوظيفة العامة، لمبدأ آخر من المبادئ الناظمة للعمل الإداري والمتمثل في استمرار سير المرافق العامة بانتظام واضطراد، إذ يؤدي السبب المستحدث لإفساد علاقتين جوهريتين لا تستقيم الوظيفة العامة إلا بهما، وهما:
أ.اختلال علاقة الموظفين ببعضهم البعض: وما يتوجب أن يسودها من وئام واتساق، إذ أن فرض نسبة معينة ممن يتوجب منحهم تقدير "ضعيف"، وإنهاء خدمة من يتكرر منحه هذا التقدير لسنتين متتاليتين، يزرع بذور الشقة والشقاق والتنازع بين زملاء الوظيفة، وهو ما لا تحمد عقباه دون ادنى شك، حين يجد الموظف نفسه مضطراً للحفاظ على وظيفته أت يعادي جميع من هم حوله، لينقذ نفسه من التقدير المذكور "سيء الذكر".
ب.اختلال علاقة المرؤوسين برؤسائهم الإداريين، وما ينطوي عليه التعديل المذكور من إخلال بالتوازن المطلوب في تلك العلاقة، إذ يجعل للرؤساء أصحاب السلطة في تقدير الأداء الوظيفي سلطة واقعية فوق القدر المطلوب لحفظ انتظام سير العمل في المرفق العام، مثل هذا الأمر يزرع بذور الفساد والأفساد في الوظيفة العامة، ويخل بالاتزان المطلوب في علاقات الوظيفة العامة، حين يعطي للسلطة الرئاسية وزناً أكبر مما هو مفترض، في حين المتوجب أن يسود علاقة الرؤساء الإداريين مع مرؤوسيهم اتزان دقيق، لا يجور ولا يجار عليه، فينتظم سير العمل في المرفق دون إفراط أو تفريط.
5-أخيراً، فلا يخفى على ذي فطنة، ما يؤدي إليه ذلك خرق مبدأ ديمومة الوظيفة العامة، من إفساد في الكثير من العلاقات الاجتماعية التي تتخذ من استقرارها أساساً لها، كما هو الحال في كفالة الموظفين لدى البنوك على سبيل المثال، واشتراط العديد من الأنظمة واللوائح كتلك الخاصة بالابتعاث والإيفاد كفالة موظف عام. والسؤال المستحق هنا: هل كانت هذه القواعد لتتقرر لولا مبدأ استقرار الوظيفة العامة؟
ثانياً: وأما بالنسبة للقيد، الذي يتوجب فرضه على تطبيق التعديل المستحدث، فهو عدم الرجعية، باعتباره أقرب للجزاء الإداري المفروض على سوء تقدير الأداء الوظيفي، والقاعدة التي تحكم الجزاء –أي جزاء من أي نوع كان- هي عدم رجعية تطبيقه على وقائع سابقة في نشوئها على سريان النص المقرر له (أي للجزاء المستحدث). وبناء على ذلك، كان لزاماً ألا يطبق الجزاء المذكور إلا على سنتين لاحقتين على سريان التعديل المذكور، ما يغدو معه النص المذكور نصاً مؤجل التطبيق فلا يصح إنهاء أي وظيفة إلا بسبب تقدير "ضعيف" في سنتين لاحقيتين على سريان التعديل المذكور، وما ذلك إلا تطبيق لاعتبارات العدالة، فلا يجوز أن يفاجأ الموظف "بجزاء" عن "عمل" لم يكن مقرراً عند ارتكابه له، طالما كنا بطبيعة الحال أمام واقعة إرادية هي سوء تقدير الأداء الوظيفي.
ويترتب على ما سبق، ما يلي:
1-عدم جواز انهاء خدمة أي موظف بسبب تقدير "ضعيف" في سنة سابقة على سريانه، وتقدير "ضعيف" في السنة التالية لذلك (لسريانه)، بمعنى تقدير "ضعيف" عن سنة 2017 وتكراره عن سنة 2018 .
2-ومن باب أولى كذلك، عدم جواز انهاء خدمة أي موظف بسبب تقدير "ضعيف" في سنتين سابقتين على سريانه، بمعنى تطبيقه فوراً على من حصلوا على تقدير "ضعيف" في السنتين 2016 و2017 .
ذلك ما كان من أمر اجتهادي في هذه المسألة، ورأيي يبقى صواباً يحتمل الخطأ ورأي غيري يحتمل الصواب، فإن أصبت فمن الله وتوفيقه، وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، فعسى أن أكسب باجتهادي هذا الأجرين لا الأجر الواحد، والله من وراء القصد،