إبراهيم سكجها !
بقلم : شحاده أبو بقر
رحم الله أبا باسم أستاذ الصحافة الفذ , ورحم زمانه ومكانه ومكانته , وأسكنه الكريم الجنة مع الصديقين والشهداء والصالحين بإذنه تعالى . فلقد ذكرني به نجله الأستاذ باسم أمد الله بعمره , في عبارت معبرة نشرها في " جفرا " بمناسبة ذكرى رحيله .
لم أكن أعرف المرحوم أبا باسم شخصيا عندما بدأت عملي كصحفي مطلع الثمانينيات من القرن الماضي ,عندما تأسسست صحيفة يومية جديدة بإسم " صوت الشعب " , وأخذ الكثيرون من الزملاء في وكالة الأنباء الأردنية حيث أعمل يذهبون إلى الصحيفة أو يسعون في طلب من يتوسط لهم عند رئيس تحريرها أبي باسم للعمل فيها بعد الدوام الرسمي .
لم أوسط أحدا معه , وإكتفيت بأن أرسلت له رسالة أقترحت فيها أن أقوم بإعداد صفحة أسبوعية بإسم " إستراحة الأسبوع " أتناول فيها الحديث عن شيء متميز في الأردن بشرا كان أم جمادا .
مرت أسابيع ولم أتلق منه جوابا , قلت في نفسي هو لا يعرفني برغم أنني كنت أكتب مقالات دوريا في " الرأي " وبالمجان أيام رئاسة المرحوم محمود الكايد لرئاسة تحريرها, ونسيت الأمر بعد أن عين العديدين " بتشديد الياء " من زملائي في الوكالة وغيرها .
بعد فترة إتصل بي وطلب أن أزوره في الصحيفة , سألني عن إقتراحي وطلب أن أعد صفحة كتجربة للتقييم , أعجب بالصفحة ثم تاليا بالعمل ككل , ولأنه صحفي كبير ومن طراز متميز ينحاز رحمه الله للعمل ونوعيته وليس للأشخاص , فقد جعل مكافأتي هي الأعلى بين الزملاء العاملين بنظام المكافأة , 35 دينارا للصفحة وكان هذا رقما عاليا في حينه , لا بل كان يصر أن يشرف هو بنفسه على ترتيب نشر الصفحة كل يوم أحد , وأذكر أنه غضب كثيرا عندما تولى نائبه المرحوم يوسف أبو ليل الإشراف عليها بغيابه عن الجريدة لساعات .
صارت الصفحة مقروءة جدا وأذكر أنه قال لي إن مبيعات الجريدة تزداد يوم نشر صفحتك , ولم يكن يتدخل في إختياري للشخصيات التي أختارها للحوار , بإستثناء مرة واحدة عندما إقترح أن أخصص صفحة لحوار مع المهندس ليث شبيلات وهكذا كان , حيث كان شبيلات في بداية نهوضه السياسي برلمانيا .
مرت الأيام وإذا به يطلبني إلى الصحيفة بإعتبار أنني كنت أسلم مادتي لسكرتاريا مكتبه وأغادر فورا , وعند حضوري أبلغني أن رئيس مجلس الإدارة حينها معالي الأستاذ سامي قموه يريد التعرف علي فذهبت , وإذا به يبلغني بقوله " عموه أنا سأترك رئاسة مجلس إدارة الصحيفة وأريد تثبيتك فيها رسميا قبل أن أغادر لأنني معجب بما تكتب " , شكرته طبعا وأعلمته أنني موظف رسميا في وكالة الأنباء الأردنية ولهذا لا يجوز أن أكون موظفا في مكانين عام وخاص معا .
بعد فترة جاء رئيس مجلس إدارة جديد وإدارة جديدة , وعندما إطلع على كشف المكافآت الشهرية إستغرب كما يبدو كيف أن مكافأتي هي الأعلى ولعله ظن أن رئيس التحرير يحابيني لسبب ما , وقرر تنزيلها إلى 25 دينارا , طبعت رفضت وطلبت من محاسب الجريدة صرف مكافأتي عن الشهر المنتهي وغادرت الصحيفة ولم أدخلها منذ غادرها أبو باسم رحمه الله .
هي قصة شخصية لكنني أحببت ذكرها لأقول أنني تعلمت من المرحوم الكثير ليس في أصول ومهنية وحرفية العمل الصحفي فقط , وإنما الإنحياز للكفاءة لا للواسطة والمحسوبية ولا للقرابة على حساب العمل , فهو رحمه الله وأكرم مثواه من يافا وأنا من يرقا بالسلط , ومع ذلك كان شديد الحرص على إستمراري في التعاون مع الصحيفة ورفع مكافأتي أكثر من سواي , مع أنني أزور الجريدة مرة واحدة في الأسبوع ولربع ساعة فقط إن كان موجودا لأسلمه المادة مع فنجان قهوة في مكتبه , أو أسلمها للسكرتاريا وأغادر ... رحمك الله أبا باسم فلقد كنت نمطا فريدا وأنموذجا متميزا للمسؤول الحر الخلوق , ولرئيس التحرير الفذ . الله عليها الدنيا الغرور فكثيرا ما تنحاز لمن لا يستحق على حساب من يستحق , وبالتالي على حساب العمل العام , ثم على حساب مصالح الشعوب والاوطان , وأظنها فعلت ذلك معك في حياتك , مثلما فعلته معي . والله من وراء القصد .