الدبلوماسية الأردنية واستراتيجية التحول
جفرا نيوز - د.فايز بصبوص
انه الألم الذي يعتصر قلب كل انسان عربي ومسلم ومسيحي ونصير لكل المظلومين انه التجلي الأبرز لمدى انحدار العمل العربي المشترك انه وبكل بساطة قرار قد وضع المسمار الأخير في نعش الجامعة العربية والتي منذ تأسيسها استمد شرعيتها ووجودها على قاعدة محورية القضية الفلسطينية ومركزية مدينة القدس الشريف في كل قممها .
ان القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس الشريف عاصمة لدولة الاحتلال يعبر بكل وضوح عن ترهل وضعف الأنظمة العربية ومؤسساتها ان رد الفعل العربي ( الرسمي ) على هذا القرار الذي يحمل في طياته زلزالا كارثيا سيطيح بكل ما كان معهودا في السياسية العربية .
ان التناغم والتماهي والاعتماد على الوقت وعلى المال في كبح ارتدات هذا القرار هو رهان خاطئ من هذه الزاوية قد تميز الموقف الأردني تميزا واضحا من خلال رفضه المطلق لهذا القرار المصيري والذي اخرج الدبلوماسية الأردنية المعهودة بتوازنها خارج نص الثوابت والمستقرات التي بنيت عليها سياسة الأردن على تاريخه ، ان الذي يجعل الأردن يخضع لضغوط لم يعهدها من قبل وذلك لأنها تأتي بشكل مباشر من اخوة الدم والمصير في الخليج العربي من اجل امتصاص واحتواء تبعات هذا القرار بغض النظر عن تخلفهم السياسي في قراءة المشهد بأطاره الشامل ، من هنا فأن الموقف الأردني المنسجم بنسبة 99% مع وجهة نظر الشارع العربي والإسلامي والمسيحي قد ادخل الأردن في نفق سيصبح تيارا هادرا يجرف كل من تخلف عن فهم مضمون ذلك القرار وتبعياته .
ان الأردن ومن خلال تاريخه ومنذ الحسين بن علي طيب الله ثراه والذي ارتبط وجوده بشرعية عقد ديني وأخلاقي مع مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي جاء استجابة لطلب العون من اهل القدس وفلسطين بترسيخ الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف ، وهذه الوصاية ليست غريبة عن الهاشميين فهي امتداد لوصايتهم على المقدسات الإسلامية في الحجاز هذا الذي جعل الاعمار الهاشمي بمستوى فرض عين على كل الأسرة الهاشمية منذ تأسيس الدولة الأردنية الحديثة الى هذا اليوم هذا في بعده الديني والعقائدي والأخلاقي ام البعد السياسي فقد تجسد بأجماع الشعب الفلسطيني وأبناء بيت المقدس على الحفاظ على هذه الوصاية حتى اليوم المعلوم والمثال الواضح على ذلك عندما اتخذ قرار فك الارتباط بين الأردن ومنظمة التحرير أصرت القيادة الفلسطينية بالأجماع الحفاظ على هذه الوصاية وحين تلمست القيادة الفلسطينية والقيادة السياسية الأردنية ان هناك خطر حول مرجعية القدس تداعى الطرفان في عام 2013 ووقعت السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير اتفاقية تجديد العهد للهاشمين على هذه المقدسات ، وكذلك حصل مع كل المقدسات الدينية والمسيحية في المشرق والمغرب
ومن هنا جاء بيان الفاتيكان بأن الفاتيكان يرفض أي تغيير على الوضع القائم في القدس ويرفض اعتبار القدس عاصمة لدولة واحدة ، لن نتطرق هنا الى الجهد المضنى الذي بذله جلالة الملك المفدى في افراغ مضمون هذا القرار من جوهره والذي رأى فيه الأردن تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية ، ونزع السيادة السياسية الفلسطينية وانتزاع عروبة القدس ووضع الوصاية الدينية عليها في اطار التدويل من خلق مرجعيات وأوصياء جدد هم بالأصل غير قادرين على الوصاية على شعبهم ان خطورة التركيز على نزع الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية تكمن في الغاء عروبة القدس وأخاضعها للتدويل وهي أيضا تسقط شرعية منظمة التحرير الفلسطينية وبذلك تسقط جميع قرارات مجلس الامن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة من اجل اعتبار الشعب الفلسطيني بكليته اقلية طائفية يتم احتوائها من خلال أدوار وظيفية وأداريه في ظل دولة الاحتلال اما البعد الآخر فهو نزع المرجعية الحقيقة للديانة المسيحية ( مسيحيو الشرق ) وتفتيت هذه الوصاية بين الطائفة المسيحية وبذلك تكون كنيسة القيامة معلما سياحيا وليس مكان مقدسا .
ان الاجماع الدولي حول الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية قد تجلى بمؤتمر منظمة التعاون الإسلامي والتي دعى لها جلالة الملك والرئيس التركي رغم غياب عدد من الدول العربية على رأسها المملكة العربية السعودية والامارات والبحرين والكل اصبح على علم بالضغوط التي مورست على الأردن لعدم حضور هذه القمة وهذا يمتد بدوره الى الدعوة الى قمة عربية والتي لن تعقد في ظل رفض العربية السعودية وبعض الدول العربية وخاصة مصر .
ان هذه المعركة والتي يخوضها باقتدار وحكمة جلالة الملك المفدى ستسجل في تاريخ هذه الأمة المعاصر ان هذه الحكمة أسقطت ورقة التوت عن ظل من يعتبر القدس مدينة كباقي المدن وهذا يتطلب تحول حقيقي في ثوابت الدبلوماسية الأردنية وتحالفاتها والتي قامت على مدار التاريخ باعتبار ان العمل العربي المشترك والتحالف مع الدول العربية هو ركيزة من ركائزها فالمطلوب خارجيا قد صنعه جلالة الملك المفدى من خلال توسيع
دائرة العزل التاريخي للولايات المتحدة الامريكية ودولة الاحتلال فهذا العزل لم يحصل في تاريخ الولايات المتحدة منذ نشأتها
وقد جاء قرار الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة ليوسع دائرة العزل السياسي والأخلاقي للولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل والكيان الصهيوني رغم تهديد الولايات المتحدة في سابقة لن يعهدها التاريخ الدول الأعضاء بقطع المساعدات الامريكية عنها في حالة صوتت لصالح القرار الذي يدين اعتراف الولايات المتحدة الامريكية بالقدس عاصمة للدولة الصهيونية.
من هنا كلنا يلمس مدى تأثير الدبلوماسية الأردنية بتحالفها مع السلطة الفلسطينية والدولة التركية على القرار الدولي وهذا يتطلب اسنادا حقيقيا وواقعيا على الأرض يجعل ترجمة هذا القرار من قرار أخلاقي وينقله الى مستوى قانوني وتشريعي يفرض على الإدارة الامريكية التراجع القصري، عاش جلالة الملك عاشت الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف.