لماذا القدس الآن وأين الفاتيكان ؟!

جفرا نيوز - ابراهيم عبدالمجيد القيسي
( نحن لا نستطيع أبدا أن نتعاطف مع الحركة الصهيونية، إننا لا نقدر على منع اليهود من التوجه الى القدس، ولكننا لا يمكن أبدا أن نقره، وبصفتي قيّما على الكنيسة لا أستطيع أن أجيبك بشكل آخر، لم يعترف اليهود بسيدنا "المسيح"، ولذلك لا نستطيع أن نعترف بالشعب اليهودي، وبالتالي؛ فإذا جئتم الى فلسطين وإذا أقمتم هناك، فإننا سنكون مستعدين كنائس ورهبانا أن نعمكدم جميعا..) "نعمدكم تعني نحولكم الى الديانة المسيحية"..وهذه وثيقة محفوظة في الفاتيكان. والوثيقة المذكورة هي رسالة بابا الفاتيكان بيوس العاشر عام 1904 الى ثيوردو هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، الذي كان ارسل للبابا رسالة عام 1903 طالبا منه مساعدة الفاتيكان، ليقوم بحث بعض الدول على تهجير اليهود الى فلسطين، وقد خفف الفاتيكان "نسبيا" من موقفه تجاه اليهود، بعد أن حدثت "الهولوكوست" في الحرب العالمية، حيث تم توظيف هذه الأحداث وتضخيمها لابتزاز أوروبا لا سيما الفاتيكان، الذي تم اتهامه آنذاك بأنه لم يوفر حماية لليهود في ايطاليا وروما، وقد بقي هذا موقف الفاتيكان من الحركة الصهيونية بعدم الاعتراف باسرائيل حتى اعترف بها العرب بعد كامب ديفيد واوسلو ووادي عربة. لماذا قام ترامب بتوقيع قرار القدس عاصمة قومية لليهود الآن؟ وما هو موقف المسيحية العالمية من هذا الاعتراف؟ هما السؤالان اللذان وجههما الرئيس اللبناني أمين الجميل الى المفكر والكاتب د محمد السماك، مؤلف كتاب القدس قبل فوات الأوان،الأمين العام للجنة الوطنية الاسلامية المسيحية للحوار، ويجيب السماك : عام 1917 وفي يوم 6 كانون أول،سقطت القدس من العثمانيين على يد الجنرال البريطاني اللمبي، وأعلن يومها "الآن انتهت الحروب الصليبية"، وبعده قام القائد الفرنسي "غورو" باحتلال دمشق وأول عمل قام به هو التوجه الى ضريح صلاح الدين الأيوبي، و"رفس" الضريح ببسطاره العسكري وقال "ها قد عدنا يا صلاح الدين"، وبعد 100 عام تماما على احتلال اللمبي للقدس وفي نفس التاريخ، يوم الأربعاء الموافق 6 كانون الأول 2017، وقع ترمب قرار "نقل السفارة الأمريكية للقدس" وصرح باعتبار القدس عاصمة قومية لدولة اسرائيل اليهودية (فهو يقول ضمنا بأن الحروب الصليبية مستمرة.. وهو قول صدر قبل سنوات صريحا من جورج بوش الإبن بعد تدمير العراق واحتلاله).. وهنا أضيف بأن اليهود عام 48 احتلوا فلسطين وعام 1967 احتلوا القدس التي كانت تحت الحكم الأردني؛ أي بعد 50 عاما على سقوطها من يد العثمانيين. أما عن "وين المسيحية؟ وشو دورهم؟" فكلام البابا بيوس العاشر في المقدمة يعبر عن حقيقة الموقف المسيحي من اليهود والصهيونية، لكن يجب أن نعلم شيئا عن " الصهيونية - المسيحية"، علما أن هذه العقيدة مسيحية انجيلية، فهي حركة عقائدية يمينية متطرفة تتواجد في أمريكا وغيرها، لكنها مسيطرة في أمريكا، ويبلغ تعداد المنتسبين اليها "حسب كتبهم" أكثر من 70 مليونا، منهم نخب ومفكرين ورهبان وقساوسة، ومن بينهم من أصبحوا رؤساء للولايات المتحدة الأمريكية، كجورج بوش الابن ورونالد ريغان، وترمب؛ وكلهم عنصريون، لهم مواقف مشهودة في عدائيتهم للاسلام وللمسيحية التي يمثلها الفاتيكان والكنيسة الشرقية، وتؤمن الحركة بالعودة الثانية للمسيح عليه السلام، لكن انطلاقا من القدس ومن الهيكل المزعوم تحديدا، فهم لا يحبون اليهود ولا ينسجمون معهم في الطرح العقائدي سوى بما يتعلق بالهيكل، أي أن"صهيون" يجب ان يتواجدوا وأن يبنوا الهيكل في القدس وعلى أنقاض المسجد الأقصى ليتسنى للمسيح "حسب زعمهم" العودة من جديد، وهنا يجب أن نوضح قناعة هؤلاء بالنهاية المرتقبة للكفار، والكفار حسب وجهة نظرهم "هم كل من لا ينتسبون الى حركتهم الانجيلية المتطرفة"، أي أن المسلمين وسائر الطوائف المسيحية واليهود انفسهم "هم من الكفار الذين سيأتي المسيح ويطهر العالم منهم !"، ولديهم تفاصيل هي "نبوءات توراتية في (سفر حسقيان)، يؤمنون بها عن المعركة الحاسمة الطاحنة(هارماجيدون) التي تجمع بين الكفار ويموت فيها الملايين، التي تحدث في "سهل مجيدو"، الممتد من القدس الى عسقلان ويطل على حيفا، وحسب كتبهم ونبوءاتهم بأن أحداث المعركة ستكون كثيرة، ويأتي السيد المسيح على "غيمة" فوق أرض المعركة بعد أن يباد الكفار كلهم، ينزل المسيح على الأرض ويحكم "الألفية" ..حكم يمتد الى ألف سنة، وقد تكون هذه شعوذة وخزعبلات لكن يؤمن بها بعض رؤساء أمريكا !.. فالرئيس رونالد ريغان، قال حين تسلم الحقيبة النووية بعد أدائه للقسم أمام قسيس وهو يجب أن يكون من هذه الحركة بالذات: (أتمنى لو يكرمني الله بأن أضغط على الزر النووي في معركة "هارماجيدون" وأساهم بعودة المسيح..!)..وهذه هي العقلية التي تمثلها مدرسة الرئيس الأمريكي الحالي ترمب، وهي تعهداته الانتخابية لناخبيه وهم يمثلون المدرسة الصهيونية - المسيحية اليمينية المتطرفة التي تعتبر القاعدة السياسية الاقتصادية للوبي الصهيوني في أمريكا، ومن بين ناخبي ترمب، صديقه اليهودي الذي يملك مجموعة كازينوهات، ودعمه حملة ترمب الانتخابية بمبلغ 200 مليون دولار. بقي القول تذكيرا بعبارة مهمة قالها "بن غوريون"، وهو اول رئيس للدولة العقائدية اليهودية ( لا اسرائيل بدون القدس، ولا قدس بدون الهيكل)!..ترى الى أي حد ينطبق هذا التصريح مع ما قاله مسؤول أمريكي رفيع أمس الأول عن حائط البراق؟ يقول "لا نستطيع تصور" أي وضع لا يكون فيه حائط البراق جزءا من إسرائيل، وليس هذا فقط ما بقي، بل أيضا يجب أن نعلم بأن الأراضي التي صادرها الأمريكان مسبقا لبناء سفارتهم في القدس، هي اراض اسلامية "وقف" وأخرى يملكها فلسطينيون. اقتضت الضرورة كتابة هذه المقالة تذكيرا بالخلفيات العقائدية والتاريخية والمواقف الدولية من الصهيونية ومن فلسطين والقدس، لا سيما والجهل يطبق على كل الشعوب المستهدفة من الحركة الصهيونية، فهي شعوب لم يتسن لها أن تبني دولا مستقلة وصاحبة سيادة حقيقية على قرارها وعلى أراضيها، حيث هزمت الدولة العثمانية مطلع القرن العشرين، ثم حل الاستعمار الأوروبي على المنطقة، وقبل رحيله سلمها للصهيونية، وما زالت الدولة الأعظم تدعم هذا الكيان لتقوده الى "مصيره المحتوم"..