التحولات السياسية في الشرق الاوسط وغياب الدور الاردني

جفرا نيوز - أحمد عبد الباسط الرجوب
حفلت الأيام القليلة الماضية بجملة من التطورات المتلاحقة، كانت كفيلة بالإشارة إلى أين تتجه الأمور في منطقة الشرق الأوسط عموماً وفي سوريا والعرق تحديدا في ظل التقدم الذي احرزة الجيش السوري وحلفاؤه على مسرح العمليات الحربية ضد تنظيم داعش داخل الحدود السورية في شرق البلاد، بموازاة نصر مماثل حققته القوات العراقية بإقفال ملف تنظيم داعش الإرهابي نهائياً من الأراضي العراقية ، وفي موازاة ذلك اللقاء الذي تم مؤخرا والذي جمع الرئيس بشار الأسد ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بلقاء قمة في سوتشي مما يؤكد على إيصال كل رسائل التعاضد بين الحليف الدولي الروسي والإقليمي السوري بعدما كانت الأنظار تتجه إلى السعودية بانتظار ما سيتمخض عنه مؤتمر " الرياض2 " للمعارضة وإمكانية توافق منصاتها الثلاث، موسكو والقاهرة والرياض، إضافة إلى مستقلين، على تشكيل وفد واحد يفاوض الحكومة السورية في جنيف، وكذلك القمة الثلاثية التي جمعت قادة روسيا وإيران وتركيا مؤخرا في سوتشي الروسية أيضاً وهنا يمكن التكهن بأن الحوار الوطني " السوري – السوري " في سوتشي، من شأنه أن يضع خريطة طريق يضع ممثلو الدولة السورية ومن يحضر من المعارضات خطوطها العريضة، لأن الدعم الدولي بات متوفراً لهذا المؤتمر، فالرئيس الامريكي دونالد ترامب كان سعيداً بعدما أعلمه بوتين بنتائج قمته مع الرئيس الأسد، وأردوغان لا يستطيع التنصل بسهولة من رعايته لأستانا ومؤتمر سوتشي خير دليل... اتفق قادة روسيا وتركيا وإيران في ختام قمة بمنتجع " سوتشي " على خطوات للتوصل إلى تسوية سياسية تنهي الحرب في سوريا، ويشمل ذلك تنظيم مؤتمر حوار تشارك فيه كل المكونات السورية، وتعزيز وقف إطلاق النار، وزيادة المساعدات للمتضررين من الحرب كما أنها أثمرت عن موقف تركي أكثر قرباً من المواقف الروسية، ولابد أن موسكو صاغت حروفها خلال زيارة الرئيس الأسد، من ناحية توحيد المواقف حول تسوية الأزمة في إطار أستانا، وتهيئة الظروف لحوار سوري شامل في سوتشي، بعدما أثبتت تطورات الأزمة السورية أن رعاة أستانا لم ينتزعوا أي تنازلات ممن يحلو للمعارضة تسميته " النظام " في سورية، لا بل واستطاعوا جذب السعودية إلى هذا المسار بدليل إبعاد الأخيرة ولو بشكل غير مباشر لصقور " الهيئة العليا للمفاوضات قبل انعقاد " الرياض2 "... وغير بعيد عن ذلك فقد وقّعت حركتا فتح وحماس اتفاق المصالحة الفلسطينية رسمياً بتاريخ 12 اكتوبر / تشرين الثاني 2017 في القاهرة، وذلك برعاية رئيس المخابرات المصرية - وغياب للدور الاردني - لإنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة الفلسطينية ، حيث اتفقت الحركتان على تمكين الحكومة الفلسطينية من العمل على كافة التراب الفلسطيني، في قطاع غزة ورام الله، بموعد أقصاه الاول من ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري 2017 ، والذي في رأيي بأن هذه المصالحة برعاية مصرية ودعم سعودي انما تمهد لصفقة القرن التي يتبناها الرئيس الامريكي ترامب وبمساعدة دول عربية مؤثرة وتوافق اسرائيلي " لتصفية وليس تسوية " القضية الفلسطينية... قد تكون هذه المقدمة هي المدخل المناسب لدراسة التحولات السياسية في الشرق الاوسط واختفاء الدور الاردني تجاه تطورات الاحداث في سوريا والعراق وفلسطين وهي الاحداث التي تثير جدلا واسعا إعلاميا وسياسيا لتوصيف الحالة السياسية المتسارعة احداثها في منطقتنا " الشرق الاوسط " وهو ما يخص الشأن الاردني تحديدا اذا ما تعلق الامر بالشقيقة والجارة سوريا ، وفي عرف السياسة يفترض أن تحدد كل دولة سياساتها ومواقفها وممارساتها السياسية وفق ما تقتضيه وتتيحه جغرافيتها ومواردها البشرية والطبيعية، وهي بالطبع ليست قدرا حتميا ولكنها خيارات معقدة لا تصلح الوصفات الجاهزة لتفسيرها وتقييمها وفي هذا السياق يحاول الاردن أن يتخذ علاقات جوار وتضامن دون انخراط في السياسات والمواقف المحلية والإقليمية... وباء على ما تقدم ومن خلال قرائتي لمجريات الاحداث في المنطقة وما يعترية من تهميش والاقلال من اهمية الدور الاردني في احداث المنطقة وتحولاتها السياسة ، فإن السياسة الاردنية تحتاج الى مراجعة جذرية لقراءة الاحداث وتوظيف علاقتنا التاريخية التي ارسى دعائمها المغفور له جلالة الملك الحسين رحمة الله في لعب دور اردني من مجريات الاحداث وعلى النحو التالي: (1)
الشأن السوري
كانت السياسة الاردنية قد انطلقت من التحيز للرئيس الأسد واتهام المعارضة بالعمالة في بداية الأزمة، إلى دعم المعارضة السياسية وتهيئتها لتولي زمام الأمور، مرورًا بتبني خيار الانتقال السلمي التدريجي للسلطة، ثم العودة إلى المربع رقم واحد حيث تأييد الموقف الروسي الداعم للرئيس الاسد.. تلك كانت أبرز ملامح التحول الدراماتيكي في الموقف الأردني تجاه الأزمة السورية هذا التحول الذي وصفه البعض بـ"الانقلاب" هو في الأصل نتاج عملي لمقدمات قد مهدت له طيلة السنوات الماضية، كما أنه جاء بالتزامن مع زيارة الملك عبدالله الثاني للولايات المتحدة وروسيا نهاية يناير /كانون ثاني 2017 ، ثم العودة للمربع رقم واحد مرة أخرى، حيث دعم التوجه الروسي بكل ما يشتمل عليه من تفاصيل بشأن مستقبل سوريا ونظام الأسد، خاصة بعد فرض موسكو كلمتها على مقادير الأمور داخل سوريا عقب تراجع الدور الأمريكي بشكل فتح المجال للدب الروسي للعزف المنفرد دون منافس... لقد شارك الاردن في منصات التفاوض بشأن مستقبل سوريا بمشاركة عدد من خبراء من الأردن والأمم المتحدة في اجتماعات "أستانة" لبحث سبل الخروج من المستنقع الدموي، وإيجاد حل سياسي للأزمة ... ولكنه للاسف تم تغيبة عن قمة سوتشي والذي كان مفترضا حضورها على غرارمشاركة تركيا في هذا الشأن. وهنا باعتقادي لم تقوم السياسة الاردنية باستثمار هذا التحول وغيابها عن اهم مفاصل هذه الازمة وخاصة القمة التي عقدت مؤخرا في منتجع سوتشي الروسي كما اشرنا اليها ، وضرورة التركيز على وساطة الطرف الروسي لفتح معبر " ناصيب " بالإضافة لمعابر " الرمثا " من الجانب الأردني، و" درعا " من الجانب السوري لاهميتها الاقتصادية للاردن وان تطلب ذلك فتح قنوات اتصال مباشرة مع الحكومة السورية في هذا المجال والاسهام في اعادة الاعمار في سوريا عند اسدال الستار على العمليات العسكرية والتي اشرفت على نهايتها...
(2)
القضية الفلسطينية
في رأينا بانه من الطبيعي والمنطقي بأن الترتيب النهائي لوضع الضفة الغربية لا بد أن يتم بمشاركة الأردن، باعتبار أن الضفة كانت جزءا منه، وباعتبار أن ما تبقى من الصراع العربي الإسرائيلي يقع معظمه إن لم يكن جميعه في الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والجولان عام 1967 وهو احتلال نشأ بعد حرب كان الأردن طرفا فيها، ولا يمكن تسوية تداعيات هذه الحرب وتحقيق الانسحاب المطلوب دون أن يكون الأردن طرفا أساسيا في التسوية وكما أن العلاقة الأردنية الفلسطينية لم يعد ممكنا التخلي عنها أو مراجعتها لأنها وصلت مرحلة من التعقيد والتشابك وصارت هوية سياسية للأردن، وبخاصة أنه اذا ما اخذنا في الاعتبار النازحين الفلسطينين المقيمين في الاردن والذين تكفلت لهم القرارات الدولية شرعية عودتهم إلى ديارهم " القرار الشهير رقم 194 من الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يقضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض (وليس: أو التعويض) وأصر المجتمع الدولي على تأكيد قرار 194 منذ عام 1948 أكثر من 135 مرة ولم تعارضه إلا " دولة الاحتلال الصهيوني " وبعد اتفاقية أوسلو عارضته أمريكا ...
(3)
الشأن العراقي
حيث ان السلطات العراقية قد أنهت " عصابات داعش الإرهابية "، من خلال المشاركات العسكرية للجيش والقوى الامنية العراقية والحشد الشعبي كلها مجتمعة قد أتمت مهمة صعبة، وان وهم الخلافة الذي كان قادراً على محو الحدود التي فرضها اتفاق سايكس- بيكو، أوشك على نهايته ، يضاف الى ذلك الدعم الدولي للحكومة العراقية والذي في رأيي لم تجتمع كلمة العالم في التاريخ كما حصل مع العراق سواء تحت عنوان التحالف الدولي ضد داعش أو من دول خارج التحالف، إذ التقى الجميع إلى جانبه " أي العراق " لمواجهة الإرهاب ... وفي هذا الاطار يجب أن يطور الاردن علاقاته على نحو استراتيجي مع العراق ، مما يؤدي الى زيادة حجم التبادل التجاري وفتح معبر طريبيل الحدودي امام حركة عبور النقل التجاري والمسافرين وامكانية الاسهام باعادة الاعمار في المناطق التي خلفتها الحرب مع تنظيم داعش في المناطق والتجمعات العراقية. باختصار وفي علم السياسة لا يوجد المستحيل في لعب الادوار ، وها نحن امام ثمار قمة سوتشي الاخيرة فقد ازهرت سريعا بتصريحات الرئيس التركي اردوغان لفتح نوافذ سياسية مع الرئيس السوري بشار الاسد .. والسؤال هنا نوجهه لحكومتنا الاردنية ... هل آن الاوان للاردن للعب السياسة في علاقتة مع الدول لكسب المصالح ؟ هل نرى في القريب مبادرة اردنية لفتح نافذة حوار مع الحكومة السورية؟ لقد اكتوى الأردن ولا يزال بنار إغلاق المعابر الحدودية مع العراق وسوريا جراء أحداث الإقليم المشتعل، وأسهم إغلاق المعابر في دخول الأردن في أزمة اقتصادية اضطرته للانخراط في برنامج تصحيحي مالي مع صندوق النقد الدولي، وسط ارتفاع مضطرد منذ ثلاث سنوات في الأسعار والضرائب بشكل غير مسبوق. إن المتابع للسياسة الاردنية في عهد المملكة الرابعة يجد انها تنطلق من تعامل في مرحلة زمانية بتوظيفه في سياسة خارجية ودور إقليمي يتوافق وموقعه وموارده، فإنه في المرحلة الجديدة يتحايل على قسوة المكان وحتميته بتخفيف وطأته ومتطلباته والزهد في مكاسبه وتحييد الصراعات المحيطة أو على الأقل التعامل معها بحذر، والانكفاء على الداخل والتعامل مع الدول المحيطة على أساس التعاون الاقتصادي والتجاري والسياحي وعدم الاعتداء والتدخل في الشؤون الداخلية كما يلاحظ بأن أن الأردن يراجع سياساته الإقليمية منذ عام 1999 فهو لا يريد دورا إقليميا في فلسطين ولا العراق، ولا يريد أيضا أن يغير مواقفه إلى العكس تماما، ولكنه يحاول أن يتخذ علاقات جوار وتضامن دون انخراط في السياسات والمواقف المحلية والإقليمية. ختاما وليس تناقضا مع ما تقدم... اعتقد أن الأردن الرسمي يسعى لأن تكون سياساته متفقة مع الموقف العام العربي وبخاصة الدولتان الرئيستان في النظام العربي وهما السعودية ومصر، ولا يريد أن يندفع إلى موقف متطرف يمينا أو يسارا، اخذين بعين الاعتبار التعديل الإيجابي للسياسات الاردنية تجاه العراق ، يضاف الى ذلك أيضا مراجعة علاقات الاردن مع دولة الكيان الصهيوني، فلم تعد في حميميتها ودفئها السابق وهو اقرب ما يكون إلى النموذج المصري في العلاقة مع دولة الاحتلال الصهيوني...
السلام عليكم ،،،
باحث ومخطط استراتيجي
araoub@aol.com