عالم الغد ثنائي القطبيه

جفرا نيوز - بقلم: زيد ابوزيد
نعم، فهي حقبة جديدة بدأت تتشكل بعد فترة ضياع البوصله العالميه، واذ اعتقد البعض لسنوات ان العالم ستتشكل فيه قوى جديده صاعده ستتجه به الى التعدديه والى توازن المصالح، وربما تسقط خيارات سياسية وعسكريه واقتصاديه كثيرة في السياسة الدولية افترضت لعقود بروز أدوار جديدة في النظام العالمي تتسيد فيه الصين او الهند وأوربا المشهد مع تحالفات مع دول في امريكا اللاتينيه واسيا ليعيش العالم الافتراضي عصر الفضاءات الكبرى سياسياً واقتصادياً، لتنعطف السياسة الدولية انعطافةً حادةً مرة أخرى وليظهر من بعيد الدب الروسي متوثباً ونازعاً عنه فراء السبات، وليحتل فراغاً شغر لسنوات منذ سقوط الاتحاد السوفيتي في فخ العولمه ذات الطابع الامريكي في نهاية الحرب البارده، ومن ثم انقسامه وسقوط الايدولوجيا ذات الطابع الاشتراكي ، وظهور القوة الامريكية مختاله ومتباهيه بانتصارها لتخوض حروبها المجنونه ليكون العراق اول ضحايا الغطرسه، ومن ثم انزلاق العالم الى فوضى الاداره الامريكيه وتدخلاتها الخرقاء، وليكون خريف العرب الاكثر ظلاماً في حروب التجزئه والاقتتال الداخلي وحروب التطرف والارهاب، و متاهة حروب القبائل وميلشيات الوكالة عن بعد، ومن وسط ذلك كله انهارت صيغ عالميه افترضت نهاية عهد وابتداء آخر، لتعيد الحاله انتاج الماضي بثوب جديد عنوانه روسيا. إذن نحن أمام إعادة إنتاج القطبية الجديدة ، وهي أيضاً ثنائيه تتجه الى خوض حروبها الخاصه لاعادة إنتاج نفسها، وقبل ان تتحدد معالمها بشكل كامل وتتحدد خيارات الاستقطاب والاستقطاب المضاد، وطبيعة المصالح التي تربط رأسي الهرم السياسي العالمي ، لا بد ان ندقق في طبيعة العلاقات التي تربط القطبين وهما الولايات المتحدة الامريكية وروسيا ، فدائماً ما كانت العلاقات بينهما تحركها عوامل كثيرة، وتمر بفترات من التوتر والتأزم، ولكنها لم تصل أبداً إلى مرحلة الحرب المفتوحة، وعلى عكس ذلك، فكثيراً ما كانتا تدعمان بعضهما البعض في اللحظات الحرجة من التاريخ، وهكذا كان أبان الحربين العالميتين الأولى والثانية وفي التدخل الامريكي في العراق وليبيا ومن ثم التدخل الروسي في سوريا؟، دليلاً على ان المصالح بينهما سيحدد طبيعة الصراعات والاستقطابات القادمه، وفي عالم الغد الافتراضي فإن القطبين الافتراضيين سيتحالفان منعاً لظهور منافسين جدد بسبب الاتفاق على سيادة مبدأ القطبين وتشكل الأحلاف على أساس ذلك. من هنا كانت روسيا القيصر بوتين والتي مرت بمخاض عسير كاد أن يودي بها الى تجزئه جديده، والى انهيار اقتصادي حاد، ولكنها استجمعت نفسها، وأعادت بناء نموذجها الاقتصادي على أسس الإقتصاد الرأسمالي الحديث مع احتفاظها بنمط سياسي وأمني شمولي، أخرجها من دائرة نفوذ السياسه الامريكية المهيمنه منذ انهيار الاتحاد السوفيتي على يد غورباتشوف صاحب نظرية الهدم وإعادة البناء، وانتقالها مع بوتين بعد نتائج نظرية غورباتشوف الكارثيه إلى إعادة تشكيل الدور من جديد بحثاً عن ماضٍ تليد، لتعود روسيا الى سياسة الردع والتصدي، وخاصة في مناطق تعتبر حيوية للولايات المتحدة الامريكية في اسيا وافريقيا، بل وحتى عن العودة الى الحرب الباردة، وتحالافات بشكل خاص مع ايران وتركيا والعراق بل وحتى الى التدخل المباشر في سوريا ، وهي مناطق حساسه جداً للسياسه الامريكيه بسبب قربها مع الحليف الاسرائيلي ومنابع النفط ، فما السر في ذلك؟. من المعروف أن للعلاقات الروسية الأميركية تأثيرا هائلا على النظام العالمي ومستقبله وعلى مختلف الميادين الأخرى ابتداءً من الأمن ، والطاقة والاقتصاد، وانتهاءً بقضايا انتشار السلاح النووي، وهي أدوار ترفض كثيراً من دول العالم دور الوصاية فيها كما ترفض سياسة الهيمنة والقطبية ثنائية كانت أم قطبية أحادية اللون، ولكن ذلك لا ينفي وجود ظاهرة الهيمنة الأمريكية الآن، والتنافس الروسي والصيني والاوروبي وغيره، ولكن تبقى العلاقات الروسية الأمريكية أبرز محطات التأثير العالمية، والميدان النووي يشكل واحدا من الأساسية للتعاون بين روسيا والولايات المتحدة، و ما مِن بلدٍ غيرِهما يمتلك مثلَ هذه الإمكانيات الكبيرة في هذا الميدان او يتحمل مثل هذه المسؤولية الكبيرة التي تعاملت معها الولايات المتحدة الأمريكية بمكيالين، أولهم حلفاء للولايات المتحدة الأمريكية يمتلكون وسائل إنتاج السلاح النووي وتغطي وجوده الولايات المتحدة كالكيان الصهيوني، وأعداء تطارد برامجهم كإيران وكوريا الشمالية، ودور روسي متردد يحاول أحياناً ان يتوازن، وأحياناً ينقاد بشكل كامل للدور الأمريكي وحسب المصالح بينهما. ومن الملفات الأخرى التي تحكم علاقات العملاقين الطاقة وأهم روافدها البترول، فعلى روسيا بوصفها من اكبر منتجي المحروقات في العالم، وعلى الولايات المتحدة بوصفها من اكبر مستهلكي تلك المحروقات، تقع مسؤولية عظيمة عن توفير جو سليم ومريح في العالم، ولكن هذه العلاقة تأثرت باحتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق والذي تحتوي أراضيه ثاني أكبر الاحتياطيات المكتشفة وربما أكبرها على الإطلاق، وهي بذلك أصبحت ترابط وسط أكبر الاحتياطيات في الخليج العربي مشكلة تهديداً لروسيا على المستوى الاستراتيجي ، ومع بروز أزمة الملف النووي الإيراني رغم الاتفاق الهزيل أصبح لهذا الوجود خطره الهائل، وألقى على الوضع المحيط بإيران تغيرات ملموسة، ويرتبط ذلك بالدرجة الأولى بالتحولات التي شهدها نهج السياسة الخارجية الأميركية على يدي أوباما فيما يسمى بدعم تغييرات ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، وكذلك بالتطورات في الشأن الداخلي الإيراني، وبالتغيرات الهامة التي جرت في العلاقات الروسية الأمريكية، فنهج بوش في إبقاء الإيرانيين على مستوى توتر عال، ولكن متحكم فيه دون مفاوضات مباشرة، استبدله أوباما بالحديث عن الحوار للوصول إلى حل مع إبقاء التهديد موجود، وبنفس الطريقة فيما يتعلق بروسيا فقد أبدى أوباما استعداده للتعاون معها بمراعاة مصالحها، لكنه لم يتخل عن العقلية المستفزة للكثيرين حول الدور القيادي للولايات المتحدة في العالم، وان كان بصورة أخف من الماضي ، ولكن ذلك استهدف إزالة مخاوف موسكو وحثها على المزيد من التعاون الوثيق مع واشنطن حول الملف الإيراني وهو ما حول ترامب في حملته الانتخابية ومن ثم في تصريحاته الحالية من تغييره بالحديث عن تسيد العالم عبر تمتين جبهة امريكا الداخلية وعبر قيادة مرحلة المصالح الامريكية العليا الاحداث زيفها. وهذا في واقع الأمر يؤكد ما سبق أن اقترحته روسيا التي لا ترغب في التخلي عن سوق الطاقة النووية الإيراني الواعد، كما أن روسيا حليف لإيران ولن تسلم رأسها للغرب بل على العكس من ذلك، فإذا ما حدث تطبيع علاقات إيران بالغرب ستزداد المنافسة حدة على الأسواق الإيرانية الغنية والواسعة، وسينضم إليها لاعبون جدد. وروسيا تعلم ان للولايات المتحدة الأمريكية ولكثير من دول العالم الصناعية أطماعاً بالاقتصاد الإيراني ونفطه، خاصة وأن الغرب في كل الأحوال لن يَقْدِم في المستقبل القريب على استئناف التعاون الاقتصادي والعسكري مع إيران بحكم العلاقات المتوترة بعد وصول ترامب للسلطه في امريكا وتهديده بالعودة عن اتفاق العالم مع ايران في ملفها النووي الشائك ومن المعلوم ان الغرب مرتبط برغبة الولايات المتحده الامريكية وهي فرصة ينتظرها الروس للاستفراد بعوائد علاقته بايران يضاف اليها تاثير ايران في العراق ولبنان وهو ما يشكل لروسيا حاضنه مهمه في منطقة استراتيجية من العالم، ولأن القضية تتمثل في أن ما يقلق الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، ليس البرنامج النووي الإيراني فقط ، بل إن الأمر الرئيسي المثير لانزعاج واشنطن هو سياسة إيران الشرق أوسطية، وهو ملف ستشارك به موسكو بشكل مؤكد أيضاً لسحب الملف من أيدي واشنطن، وقد تحاول إجبار طهران على تقديم تنازلات في هذه المسالة،بدفعها لتحسين علاقاتها بجيرانها الخليجيين. اذن، فالوضع الكلي للعلاقات الامريكية الروسية الجديده، أصبح أكثر ارتباطاً بالوضع الكلي للصراع الدولي، وفي هذا الخصوص، تشير التسريبات إلى أن واشنطن، ما تزال تدرس مدى جدوى العودة إلى التحالف مع بكين من أجل الاستعانة بها في مواجهة موسكو، وبالمقابل، فإن بكين يبدو أنها اختارت التعاون مع موسكو لمواجهة واشنطن بعد ايقاف ترامب للتجارة عبر ضفتي المحيط وتهديده للشركات التي تستخدم اراضي الصين والمكسيك وغيرها لانتاج السلع الامريكية، و في هذه الحالة، تبقى أمام هذه الدول الاصطفاف مع سياسة بوتين الاكثر ثباتاً، وهو ما يعني ان الدب بعد ما حققه من نفوذ في الشرق الاوسط وبعض دول البلطيق يعود ليتصدر هرم القطبية الجديده بامتياز وهو دور يمكن للنظام الرسمي العربي عمل مقاربة معه لحماية مصالحه بعد مرحلة طويله من التمزق والتشرذم،