السياسة " فن " فيه رقي الدول , فهل نجرب ؟

جفرا نيوز - بقلم : شحاده أبو بقر
السياسة الرسمية لأي دولة على هذا الكوكب , هي بحد ذاتها فن إبداعي غايته خدمة المصالح العامة والعليا للدولة ولشعبها , وكلما كانت الدولة مترابطة في تناغم أداء مؤسساتها السياسية والأمنية والإعلامية وفي القطاعين العام والخاص معا , كلما كان بمقدورها مقاربة هذا الإبداع في أقوى تجلياته وأكثرها إنتاجية , والعكس صحيح تماما ! . الدول النابهة التي تنتهج سياساتها وفق هذا المبدأ , تتقاسم مؤسساتها " الحكومة والبرلمان والإعلام والأمن والقوى الحزبية ومؤسسات المجتمع المدني " , الأدوار بتنسيق مثمر يديره عقل الدولة بكفاية عالية في مقاربة هذا الفن السياسي الذي يلزم الآخرين خارج الحدود , بالقبول وربما الإنصياع في إتخاذ الإجراءات والمواقف والسياسات التي تخدم مصالح تلك الدول النابهة ! . للتوضيح , أسوق مثالا حيا يجسد ما أعني , إذ تمر علاقاتنا الرسمية حاليا بمأزق مع دولة الإحتلال , على خلفية إرتكاب موظف سفارتها لدينا جريمة قتل مواطنين أردنيين إثنين , غادر بعدها مع السفيرة وطاقمها دون عودة , حيث يضغط الملك بشدة على الطرف الآخر مؤكدا على حتمية محاكمة المجرم وإطلاع الاردن على مجريات التحقيق, قبل أي حديث عن إمكانية عودة طاقم جديد للسفارة , وفي المقابل , يمارس نتنياهو سياسة الممطالة في هذا الامر بإعتراف الصحافة الإسرائيلية , والهدف إحراج الاردن ولي يده مراهنا على مرور الوقت وربما الضغوط من جهات داعمة للكيان ! . في هذه الحالة تتجلى الحاجة لما وصفته بالإبداع السياسي في تبادل الأدوار وتقاسم المواقف المنسقة بين مؤسسات الدولة الاردنية لإرغام الطرف الآخر على الرضوخ للمطالب الاردنية , وهنا لا بد وأن تظهر الحكومة الاردنية مثلا بمظهر من يواجه ضغوطا حزبية وشعبية هائلة ترفض بعضها وبالمطلق عودة السفارة دون تجريم المجرم , فيما تضغط أخرى وبتنسيق تام كذلك بإغلاق السفارة من أصله بينما تدعو الحكومة في المقابل إلى التريث كي نرى رد فعل الطرف الآخر أي إعطاء الامر فرصة , ولا ضير وفي إطار التنسيق ذاته , أن تتضارب حتى تصريحات وزراء من حكومتنا بين من يصرح بالتريث قليلا وبين من ينحاز إعلاميا إلى الموقف الشعبي ! . بوضوح أكثر أنا أدعو إلى المناورة المنسقة التي يتولى الإعلام عرضها للعلن , إسماعا للطرف الآخر وتشتيتا لذهنيته وإجباره على التفكير مليا بما يمكن أن يحدث إن لم يتماهى مع المطالب الاردنية ! . باب المناورة السياسية واسع جدا وبالإمكان مقاربته ليس في الحالة المشار إليها أعلاه وحسب , بل وفي كل أمر يحقق مصلحة أردنية عليا , وعينا أن نعترف , أننا لا نجيد هذا الفن السياسي كثيرا , والسبب ربما عدم وجود مطبخ سياسي إبداعي متناغم لدينا , فسياساتنا مباشرة معروفة ومكشوفة للجميع , وهذا واقع لا ينسجم وروح العصر الذي نعيش في عالم ذكي حد الخبث إن جاز الوصف , وهو عالم لا مكان فيه لغير النابهين الذين ينتزعون حقوقهم ومصالحهم من بين أنياب الذئاب رغم أنوفها وخلافا لإراداتها . أخيرا , لدينا المركز الوطني لإدارة الأزمات , فلماذا لا يتولى مثلا وبالتشاور مع من يلزم من خبراء السياسة المبدعين مناقشة كيفية إدارة أزمة السفارة أعلاه وسواها من أزمات شتى نعانيها على كل صعيد , نتمنى ذلك , لا بل نتمنى ونطالب بفريق سياسي غير منظور مهمته تولى ما اشرت إليه آنفا من مهمات وطنية . السياسة فن راق يحقق المعجزات رقيا للدول والمجتمعات متى كان إبداعيا . الله من وراء القصد.