مبادرة الملك.. عهد أردني جديد

جفرا نيوز - حمادة الفراعنة
 ليس صدفة ، إستقرار الأردن السياسي ، رغم الثورة العاصفة التي تطيح بالنظام العربي غير الديمقراطي ، الواحد منها وراء الآخر ، أمام هبة الشعوب العربية التي تئن من حدة القهر السياسي والجوع الإقتصادي ، وغياب الكرامة الإنسانية ، وتدني مستوى المشاركة في مؤسسات صنع القرار ، فالثورة الشعبية العربية قامت من أجل تحقيق هدفين أولهما أنظمة جمهورية ذات رؤساء منتخبين ، وثانيهما أنظمة ملكية ذات حكومات برلمانية حزبية .
الأردن لا يختلف جوهرياً عن باقي البلدان العربية غير الديمقراطية ، فقبول الديمقراطية والتعددية ، والإعتماد على صناديق الإقتراع وإستعادة الأردنيين لحقوقهم الدستورية المنهوبة عهدها قصير منذ عام 1989 ، مع نهاية العهد العرفي وإستئناف الحياة النيابية وحرية تشكيل الأحزاب السياسية ، ومع ذلك ، فالديمقراطية في بلادنا ما زالت في مهدها ، وهي تحبو في أولى خطواتها ، ووفق التعبير الشعبي " ما زالت سكر خفيف " ، ولهذا فالأردن ليس بعيداً عن أهداف التغيير ، بل هو احدى محطاتها العربية ، فالتغيير أحد الإستحقاقات المطلوبة منه داخلياً ودولياً .
ولكن ميزة الأردن ، أن الإستقرار يقع فيه ويتواصل ، رغم غياب الديمقراطية والتعددية ، وعدم الإعتماد على الدستور الذي ينص صراحة على أن النظام في بلادنا " نيابي ملكي " فالقيم الدستورية ما زالت مغيبة ، والقوى المحافظة قوية ، وأطراف الشد العكسي ضد الديمقراطية وضد التعددية ، متحكمة ، والسلطة التنفيذية هي المهيمنة ، وتكاد تكون منفردة في التحكم في سلطة إتخاذ القرار ، والجهاز الأمني والمخابرات لها تأثير قوي على مؤسسات صنع القرار لدى الحكومة والبرلمان والإعلام والنقابات العمالية ، مع ذلك يتميز الأردن ، بمواصفات الإستقرار السياسي ، وإستقرار حجم المعارضة الحزبية وواقعيتها ، ومحدودية تأثيرها الجماهيري ، رغم تاريخ بعضها العريق كالشيوعيين والبعثيين والإخوان المسلمين .
إستقرار الأردن السياسي يعود لأسباب جوهرية يمكن إختصارها بالعوامل التالية :
أولاً : وجود ملك على رأس الدولة ، يتجاوب مع رغبات الأردنيين ، ويتلمس تطلعاتهم ، ويحرص على أمنهم ، ويحترم خياراتهم في حدود الممكن ، ويترفع عن الإنتقام والقسوة وتسلط السلطة .
ثانياً : وجود قوى معارضة متزنة وواقعية ، تعرف حدودها ، فلا تتجاوزها ، وتحرص على حقوقها ، ولا تتخلى عنها ، تبتعد عن التطرف ، وتُدينه ، ولا تقبل بالعنف وتتصدى له ، مما خلق جواً من التفاهم ، بين الدولة والمعارضة ، تفاهم أصبح أحد مكونات الأردن ، واحدى أدوات قوته وإستقراره .
ثالثاً : وجود أجهزة أمنية تتسم بالمهنية واليقظة ، وتتصرف في حدود القرار السياسي المعطى لها ، وتحاول التكيف معه بعيداً عن القمع والبطش والعنف وإسالة الدماء .
في عامي 1990-1991 ، بادر الملك حسين لاجراء المصالحة الوطنية مع قوى المعارضة ، وشكل اللجنة الملكية للميثاق الوطني ، من كافة ألوان الطيف السياسي الأردني ، ووضعت صيغة الميثاق ، لنهاية مرحلة وبدء مرحلة جديدة من الإنفتاح ، وإستئناف الحياة البرلمانية وترخيص الأحزاب .
اليوم جدد الملك عبد الله ، ما بدأه الملك حسين قبل عشرين عاماً ، بروح جديدة تستجيب لتطلعات الأردنيين ، وإستحقاقات المرحلة ، والمرحلة تقوم على نظام " نيابي ملكي ، والفصل بين السلطات ، والأمة مصدر دائم للسلطات "
في خطابه يوم 12 حزيران ، بمناسبة ذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش ، حدد الملك " رؤيته للإصلاح والتغيير " بقوله : " اليوم نعلن رؤيتنا الإصلاحية لأردن المستقبل ، تترسخ فيه الديمقراطية والمشاركة الشعبية ، لبناء الدولة الأردنية ، يكون العدل غايتها ، والتسامح رسالتها ، وحقوق الإنسان هدفها ، حيث لا تطرف ولا تعصب ولا إنغلاق ، بل حالة من الديمقراطية والتعددية والمشاركة ، وذلك عبر خطوات سياسية إصلاحية سريعة وملموسة " .
ويقول في تفصيل رؤيته حول الإصلاحات السياسية تحديدا : " سننطلق من توصيات لجنة الحوار الوطني التوافقية نحو قانوني الإنتخاب والأحزاب ، بحيث تكون ممثلة لطموح الأردنيين ، وتضمن إنجاز قانون إنتخاب عصري يقود إلى مجلس نواب يكون ممثلاً لجميع الأردنيين ، وموضع ثقتهم في الحفاظ على حقوقهم وتحقيق تطلعاتهم ، وينبغي لهذا القانون أن يضمن النزاهة والشفافية في العملية الإنتخابية ، وضمن آلية تقود إلى البرلمان بتمثيل حزبي فاعل ، مما يسمح في المستقبل ، بتشكيل حكومات على أساس الأغلبية النيابية الحزبية وبرامج هذه الأحزاب".
خطاب الملك، فيه نقد علني لطرفي الصراع الخفي بين المحافظين والمتطرفين بقوله :
" نحن نراقب الأحداث والتحولات التي تشهدها المنطقة العربية ، وهذا يتطلب التمييز الواعي بين التحولات الديمقراطية المطلوبة والممكنة ، وبين أخطار الفوضى والفتن . ولا بد من الإتفاق على أن الشعور والقناعة بالإنتماء إلى الوطن ، هو الذي يحدد الهوية الوطنية للإنسان ، ويحدد حقوق المواطنة وواجباتها ، بغض النظر نحو خصوصية المنابت والأصول ، أو المعتقدات الدينية أو التوجهات الفكرية والسياسية . فنحن أسرة واحدة ، مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات ، ولا فضل لأحد على الآخر إلا بما يعطي للوطن . نحن في أمس الحاجة لتفعيل البرنامج الإصلاحي ، والإسراع في تنفيذه ، فنحن ماضون في مسيرة الإصلاح والتحديث والتنمية الشاملة ضمن منظومة الحرية والعدالة وتكافؤ الفرص ، فلا تأجيل ولا تردد في التعامل مع ملفات الإصلاح والحرية والديمقراطية " .
ويخلص الملك عبد الله إلى النتيجة بقوله :
" إنني أدعو جميع القوى السياسية والمجتمعية إلى إعتماد هذه المبادرة والبناء عليها ، وترجمتها إلى خطوات فورية تجاه العمل الوطني المسؤول لتحقيق رؤيتنا لأردن المستقبل ، الأردن الذي يليق بطموحات الأردنيين وعزمهم على مواجهة التحديات ".