أَلُخَلَهْ..وِيتْ.
جفرا نيوز - ابراهيم عبدالمجيد القيسي
مصطلحان في أدب الرعاة للتعامل مع الكلاب، سواء أكانت كلاب حراسة القطيع أم تلك ال(هاملة) الضالة.
لكن دعونا نتحدث عن (الصادر والوارد أولا)، فهما أيضا مصطلحان مهمان يستخدمان لأرشفة للمعاملات الرسمية وغيرها؛ لكنهما مصطلحان مهمان في أدب الرعاة، وأعتقد ان العرب عرفوهما لدى الرعيان، أكثر مما عرفوهما في النظام والدقة والتوثيق..
كانت مهمة إحضار الماء توكل إلي حين يداهمني عارض صحي، فأسهل عمل يمكن أن أقوم به هو إحضار الماء لاستخداماتنا المتواضعة في بيت الشعر، وحين يبدأ الرعاة بورود البئر أتأهب لركوب الحمار المحمل بأربعة براميل معدنية، وكنت أنتظر أحيانا حتى موعد ما قبل صدور الرعاة عن البئر، وعلاماته أن تتوقف الأغنام عن ورود حوض الماء، فتتجمع في قيلولة، تصبح "مطوبرة" أي تضع رؤوسها في ظلال بعضها، إلا "كباشها" وبعض النعاج الشبقات في موسم "الحْنَا" وهو موسم التزاوج، فهي في حركة شبه دائمة، ومن علامات صدور الرعاة، إشعال بعضهم نيرانا لإعداد ابريق شاي الغداء او ما بعده، عندئذ أذهب للبئر واردا لإحضار ماء، فيقوم أحدهم نخوة بنشل الماء وملء البراميل الأربعة، فلا توقيت او صلاحيات تخولني بالاقتراب من تلك البئر، سوى موعد ورود او صدور الرعاة عنها.
لكننا اليوم نفعلها كثيرا؛ أعني نمارس الورود والصدور على بئر الوطن وعلى حوضه، وكثيرون منا يردونها أو يذودون عنها، لكن ثمة حماة متطوعون دونما تكليف سوى حالتهم المرضية المقيمة، ولا تختلف حالهم عن حال كلاب ضالة، ولا اقول كلاب الرعاة المكلفة بحماية القطيع، حيث تنتظر الكلاب الرسمية صدور القطيع والجميع عن البئر، ثم تذهب لتعب في حوضها، تلعق الماء بالتشارك مع الدبابير والحشرات الأخرى، ثم تليها الكلاب الضالة التي تتبع القطيع بلا تكليف ولا رغيف.. لا تجد تلك الكلاب أحيانا ما يروي عطشها، فهي ليست "معينة رسميا" لحراسة القطعان، إما بسبب وجود كلاب مؤهلة مع القطعان، أو بسبب همالتها وعدم كفاءتها في حماية القطيع، لكنها وتحت وطأة العطش والجوع، تبقى على مقربة من القطعان، تنبح بلا سبب، وتتلقى عربدات الكلاب الرسمية في حراسة القطيع، وأحيانا تتلقى حجارة الرعيان، حين يتكاثر عددها وتصبح قطيعا يرادف قطيع الأغنام ويشتبك مع كلاب الحراسة، ويعطل الأغنام عن البحث عن الحشائش وخشاش الأرض.
أَلُخَلَهْ..وِيتْ....
مصطلحان يستخدمها الرعاة لطرد الكلاب كلها، ولم اعرف مصطلحا آخر للتعامل مع أي كلب لنهره سوى (أَلُخَلَهْ..وِيتْ).
رعاة الشأن الرسمي أيضا لديهم حراسة مختصة، وفي السياق يوجد كلاب ضالة، أصبح عددها في هذه الأيام أكثر من عدد القطعان، وتحول المثل (الكلاب تنبح والقافلة تسير) الى (القافلة تبنح والكلاب تسير) !!. إن بعضهم لا يفهمون سوى أَلُخَلَهْ..وِيتْ، ولا يبدون أية استجابة لأي من أدوات الزجر والتنبيه الأخرى، ويقبلون بالزجر وغيره مع قليل من الفتات، وهي لقيمات يقدمها الرعاة رأفة بالكلاب غالبا، وبعضهم يريدون إشباعها كي يرتاحوا من نباحها، فهم في الحقيقة رعاة لصوص، ولا يريدون أن يلتفت الناس الى الأصوات التي تزفهم كلما وردوا بئرا أو صدروا عنها، وكذلك نفهم أن مهنة بعض الكلاب هي الجلوس على جانب الطريق والنباح على "الرايح والجاي والطالعة والنازلة"، ولا نجد سببا منطقيا لهذا النباح سوى صخب يراد منه أعطيات وهبات ولقيمات الرعاة اللصوص.
في الأيام الماضية نفد رصيد الانترنت في هاتفي، بسبب متابعتي لبعض الأفلام على اليوتيوب لأحد هؤلاء، حين أشار علي صديق بأن أشاهد بعضها، وأعطاني اسم الكلب المذكور، وتابعت بعض ما ينبح به من أمريكا على الرايح والجاي، ولا يمكنني أن أتحدث منطقا أو سياسة أو أخلاقا ليفهم كلب مثله، فهو لا يفهم هذه اللغة، ولا يتوقع ردا سوى (أَلُخَلَهْ..وِيتْ)! هذا ما تفهمه الكلاب، في الواقع يعجبني احيانا منطقه في النباح فهو يصلح لوصف أعراض "الكلبنة" ليفهمها الناس والقوافل والقطعان.
وعلى صعيد الرعاة المحليين وكلابهم والقطعان المتشردة الأخرى، سمعنا في الأيام الماضية عن قطط اعتقدت نفسها كلابا، تموء اعتقادا منها بأنها تزمجر، وهي في أفضل الأحوال ومع المراعاة سنعتبرها تنبح رغم أنها قطط، ولا يمكن لها أن تقبل بأي أدوات الزجر المعروفة لنهر وزجر القطط، فهي لن تفهم سوى (أَلُخَلَهْ..وِيتْ)، ولا اعتقد بأنها بعد هذا ستحتاج منا الى أن نلقمها بحجارة ليتحول نباحها الى عويص او جواح يليق بكلب ضال جائع مهنته النباح لاستجداء الرزق.
أَلُخَلَهْ..وِيتْ .. تكفي يا كلاب، فالناس يسهل عليهم فهم ما يعتمل في صدوركم من أحقاد، ودعونا نكتفي بتداول صادركم وواردكم بهدف التسلية بكم، فأنتم لا تريدون بأن نتوقف عن التسلية ونعرض سيرتكم مع الجريمة والنباح والجواح والصياح..
قلنا لكم: أَلُخَلَهْ..وِيتْ.
تكفيكم.
ibqaisi@gmail.com