تقنية «تدوير المناصب» ما زالت معتمدة
جفرا نيوز- كتب: بسام بدارين
إستقالت وزيرة التنمية الإجتماعية الجديدة في الأردن الدكتورة هاله لطوف من عضوية مجلس الأعيان التي حظيت بها أصلاً بعد مغادرتها من موقعها الوزاري الحالي وهو موقع تعود إليه للمرة الثالثة على الأقل في غضون ست سنوات.
ورغم أن وزارة التنمية الإجتماعية لا تحظى بالإهتمام الإعلامي والسياسي كغيرها من الوزارات السيادية إلا ان تدوير وتداول النخب فيها يحصل دوما من دون إطلاع الرأي العام على اسباب مغادرة او تعيين اي وزير.
لطوف خاضت سابقا نفس التجرية مع العشرات مثلها ما بين مجلس الأعيان والحقائب الوزارية حيث يتحول مجلس الأعيان لمؤسسة رديفة عندما يحتاج أي رئيس حكومة لتعبئة شاغر جهوي أو ديموغرافي أو مناطقي ويشمل الأمر أحياناً مناصب ووظائف عليا في ادارة الشركات الحكومية الكبيرة.
الوزير الذي غادر لتجلس لطوف وجيه العزايزة هو أحد أبرز الخبراء في الملف الإجتماعي وكان طوال الوقت يتحدث عن برنامج طويل الأمد ضمن إستراتيجية متكاملة للعمل الإجتماعي على مستوى المملكة.
لا يثق المراقبون في أن قصوراً في الأداء هو الذي تطلب التغيير في موقع وزارة التنمية الإجتماعية ولا حتى في موقع وزارة الطاقة لكن الرئيس الملقي أوحى بذلك عشية التعديل الوزاري خصوصا وان الوضع المالي لوزارة التنمية الإجتماعية لا يساعد أي وزير بتقديم حلول حاسمة للمشكلات في هذا الملف.
في كل الأحوال لا يمكن ترسيم مكاسب الإستعانة بالدكتورة لطوف حصرياً في حقيبة وزارية سبق ان شغلتها إلا اذا كان من تطلب ذلك هو «المحاصصة» المألوفة في الإختيار والتوزير والوظائف العليا.
وهي «تقنية» يتفق رئيس الوزراء الأسبق المخضرم طاهر المصري على أنها «ما زالت صامدة» وللأسف وتعتبر من علامات أو إشارات التراجع في الإدارة وهي إشارة لا يمكنها ان تنسجم مع منهجية «الدولة المدنية».
تعويض التمثيل الديموغرافي والمناطقي والعشائري ما زال الأسلوب المعتمد في توزيع الحصص والحقائب الوزارية.
وبالرغم من الضجيج الذي أثاره التعديل الوزاري الأخير ما زالت المحاصصة تثير لغطاً كبيراً وإن كانت لا ترضي كل الأطراف مهما حرص عليها رئيس الوزراء في أي حكومة بدليل ان عضو البرلمان عن مدينة مادبا نبيل الغيشان كتب علناً يستفسر: لماذا تغيب محافظة مادبا للسنة السادسة على التوالي عن الحصص الوزارية؟
سؤال مشروع من ممثل برلماني مثقف ينقل نبض الشارع ليس لأنه أو ناخبيه مؤمنون بالمحاصصة ولكن لأن المحاصصة في الواقع هي الخيار المعتمد لدى دوائر صناعة القرار وهي التي تتسبب عمليا في ظاهرة «تدوير النخب» وتداولها وحجب فرص قوية لأصحاب كفاءة حرمتهم الظروف من العمل الوطني المهني.
وهي أيضا ـ أي المحاصصة ـ السبب الأول لظاهرة في منتهى الغرابة في الأردن وتتمثل في الإستمرار بعودة نفس الوجوه والرموز والأسماء لبعض الوزارات والوظائف العليا مع إستمرار الحديث عن الأداء السلبي والحاجة للإصلاح الإداري. يضع الناشط السياسي والحزبي والمدني عبدالله غوشه يده على أعماق الجرح الإستنزافي عندما يتحدث عن الوقائع التي تبتعد عن فكرة تمدين الدولة أو مدنيتها في مقاربة ملموسة تمؤسس الفارق بين النظرية والواقع .
غوشه يخشى من ان تتحول المحاصصة التقليدية لعنصر طارد للكفاءة والمهنية مع عبور الوقت ويرى على هامش نقاش تفصيلي بأن الإعتماد على معيار الكفاءة فقط هو وحده الكفيل بالحيلولة دون تمركز مراكز قوى نافذة في الإدارة تختبيء مرة وراء الجغرافيا او الديموغرافيا او تستثمر بصورة سلبية وعلى حساب الصالح العام في الجهة والعشيرة .
يتفق غوشة مع المصري على الإستنتاج القائل بصعوبة تكريس الدولة المدنية ما لم تخضع معايير الإنتقاء لآليات غير تقليدية خصوصا وان المواطن الأردني لم يعد يهتم بـ«التمثيل» على حساب الكفاءة وبالحصص بدلا من «المهنية». اللافت جداً في مرض المحاصصة مؤخراً هو انها تستغل سراً من منهجية موازية لها باسم «الشللية» حيث تحرص مراكز قوى نافذة داخل مؤسسات القرار والدولة على تداور وتبادل المواقع المتقدمة تحت ستار المحاصصة وعبر إدعاء تمثيل العشائر والمناطق.
وهي مسألة تجعل العشائر والمناطق نفسها خارج نطاق التمثيل أصلاً لأن الصيغة اقرب للشللية منها للتمثيل الحقيقي ولكن بإسم من يفترض ان تنطق بإسمهم او تخاطب غرائزهم المحاصصة.
تلك بكل حال واحدة من أكثر أعراض عملية التداول وإعادة التدوير خطورة على مستقبل الإدارة حيث تخطب كل النخب تقريبا ضد المحاصصة وتعتبرها «بغيضة» وتتهمها علناً أو عبر المنابر ووسائل الإعلام.
لكن النخب نفسها وخلف الستارة تتعاطى مع المحاصصة وتسعى يوميا وبإنتهازية سياسية ملموسة للإستثمار فيها مما ساهم بوجود «شلل ظل» عابرة للحكومات ومجموعات نافذة هنا وهناك.