عاصفة العاشر من رمضان الخليجية ... ما بين خلط الاوراق والهزات الارتدادية
جفرا نيوز
عاصفة العاشر من رمضان الخليجية ... ما بين خلط الاوراق والهزات الارتدادية ...تصاعد دخانها في القمة العربية الامريكية... وفي واشنطن رتق القتق !!
أحمد عبد الباسط الرجوب
منذ العاشر من رمضان الجاري والمواطن العربي يحبس انفاسة على تسونامي الازمة الخليجية والتي القت بضلالها بين دول مجلس التعاون الخليجي ، هذه المنظومة العربية التي تأسسست في 25 مايو / ايار 1981 ، وللمفارقة فقد كانت المبادرة الكويتية من لدن الشيخ جابر الاحمد الصباح رحمة الله امير دولة الكويت خلف تأسيس هذا المجلس ، وها هو امير دولة الكويت السياسي المخضرم الشيخ صباح الأحمد جابر الصباح يقود مارثون المصالحة للخروج من نفق هذه المشكلة والتي باتت تؤرق الامة العربية برمتها وليس اقتصارا على دول الخليج العربية ، لكن رغم اشتداد " العاصفة " ، فإن نوافذ عديدة تبقى مفتوحة ما زال الوسيط متكتماً على نتائج وساطته ، في حين تؤكد المعلومات أنّ هناك " سلة " قيد النقاش ستُفضي إلى تفاهمات والايام القادمة ستكشف عنها تباعا.
يبدو ان قضايا النزاع التي عصفت بهذه الازمة في نظري لا زالت غير واضحة المعالم وهو البيان الذي اقدم عليه الاعلان الرباعي بقطع العلاقات وفرض الحصار ثلاثي الابعاد على دولة قطر ، وبقى موضوع المشكلة برمته حتى كتابة هذه السطور "بدون تحديد مطالب او شروط " طرحتها الدول الاربعة الا ما رشح من بيانات وتحليلات بخصوص قضايا الاعلام وما يتصل تحديدا بقناة الجزيرة الصوت العالي والمسموع في منظومة الاعلام العربي ، كما ويضاف الى ذلك ايواء دولة قطر قيادات الاخوان المسلمين وقادة حماس ، وما تبعه ايضا من اصدار تلك الدول قائمة التسعة والخمسين بأسماء أفراد وكيانات تم وصفها بأنها مرتبطة بدولة قطر ، وهنا وفي اعتقادنا ان هذه العوامل الظاهرة للعيان لا ترقى الى هذا الحد من التصعيد وقطع العلاقات والتي كان يمكن حلها من خلال الاطر والاعراف الدبلوماسية وضمن اطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية ، الا اذا ما كان وراء الاكمة من عظائم الامور... وهنا وبالنظر الى هذه المجريات المباغته والمفاجئة ما يقودنا الى ان المسألة هى استحواذ على النفوذ وليس ابعد من ذلك!
إن الاجراءات التصعيدية التي اتخذتها دول الاعلان الرباعي ضد قطر قد تمت دفعة واحدة وباعلى سقف من المطالب وفي اتخاذ القرار وكأنه السبق لامر ما وبالتالي استنفذت ما لديها من اوراق ، غير ان الارتداد الناجم عن هذه القطيعة والحصار قد راوح مكانه وذلك بالنظر الى ما ابرزته التقارير الاقتصادية العالمية المتخصصة حول متانة الاقتصاد القطري واستعدادات قطر واستراتيجتها في السنوات الماضية واستثمارتها التي كانت تصب في تأمين مستلزمات الدولة للحياة المدنية وبخاصة استراتيجتها للامن الغذائي فقد اثمرت فيما يحول دون عوزها او وقوعها في مطب استنزاف مخزونها وخاصة من المواد الغذائية ...
وبالنظر الى هذه الازمة وابعادها السياسية وهو ما طفى على السطح بوصف حركة حماس بالارهابية ، ومن وجهة نظري كمواطن عربي يؤمن بقضيتة فلسطين المركزية " قضية العرب " بأن هذا الامر فيه خلط للاوراق لا بل يجب دعم هذه الحركة التي تناضل من الداخل المحتل في سبيل تحرير ارضها من براثن احتلال صهيوني عنصري قسري " ابارتاهيدي " ،...الم تنتهج المقاومة الفرنسية الاسلوب نفسة في مقاومة الاحتلال الالماني في الحرب العالمية الثانية ولم يتم نعتها بالارهابية ، منوها بأن وزارة الخزانة البريطانية قدمت مايزيد علي 6 مليارات فرانك للمقاومة الفرنسية في الداخل والخارج حتي يونيو / حزيران 1943هذا على عهدة الكاتب الصحفي جون - مارك بينوه في كتابه " أموال المقاومة "... وهنا يتندر المواطن العربي هذا التمايز في القياس ما بين ما قامت به الدول العربية والاسلامية وبمساندة الولايات المتحدة الامريكية لدعم الفصائل الافغانية ومعهم المتطوعون العرب لتحرير افغانستان من الاحتلال السوفياتي في ثمانينيات القرن الغابر ، وقد خلف هذا الدعم ظهور تنظيم القاعدة الذي انبسط نفوذة وتفرخت خلاياه الى ما نحن نعيشة هذه الايام والمتمثل بتنظيم داعش التفكيري الظلامي والذي تسبب وجودة في مآسي طالت الحرث والنسل في بلاد الرافدين وسوريا وارهاب الدول في مختلف اصقاع العالم ... سؤال يطرحة المواطن العربي وبتجرد: هل دعم حركة تناضل من داخل فلسطين المحتلة هو دعم للارهاب؟! سؤال لا ينتظر الاجابة التي ادركها وفهمها الجميع..
وفي هذا الاطار ومع افراغ الدور الاستراتيجي العربي في المنطقة وتهميش دورة " اي العربي " من قبل اطراف الازمة ، فقد لجأت دولة قطر للتحالف مع الدول المحورية في المنطقة وبخاصة تركيا واحياء الاتفاقية القطرية التركية التي جرى توقيعها منذ العام 2015 والتي جرى التسريع على اعتمادها من مجلس النواب التركي مؤخرا وبما يسمح بانتشار قوات تركية في دولة قطر وهو ما احدث التوازن العسكري والذي في رأينا سيفضي الى حالة من الجمود على هذه القضية الى امد قد يطول " لإيجاد مخرج دبلوماسي للنزول عن الشجرة للجميع " مع بقاء مناورات الدول في تقريب وجهات النظر بين هذه الدول وزيادة هامش الحل لكن في المقابل الجانب الدولي لا يقدر على الانتظار طويلا ، وهذا ما اكد عليه الرئيس التركي في حديثة لوزير خارجية البحرين مؤخرا بضرورة انتهاء هذه المشكلة وقبل انتهاء شهر رمضان ...
وبالنظر الى الموقف الامريكي ، وللتذكير وبعجالة كيف تعاقبت الادارات الامريكية على ادارة وافتعال الازمات في منطقة بعينها من العالم ، وكانت مآلاتها حروب استعرت رحاها بدء من الحرب العراقية الايرانية في العام 1980 مرورا باحتلال العراق ابريل / نيسان 2003 وما تبعها من ازمات والى يومنا ، وما توجته زيارة الرئيس ترامب - صاحب الولاية الكونية - الى المنطقة في شهر مايو / حزيران 2017 واجتماعة بقادة الدول الخليجية وقادة الدول العربية والاسلامية " التحالف السني الامريكي " وما جرى على هامشها من اتفاقيات تجارية ومالية مع المملكة العربية السعودية وبالارقام التي تناولتها وسائل الاعلام العالمية ، وما تلاها مباشرة بزيارته الى دولة الكيان الاسرائيلي ... وبرأيي الشخصي فإن الدخان الابيض لهذه لازمة قد ظهر على هامش هذه القمة الامر الذي تولدت على اثره هزات ارتدادية والتي في مجمل اهدافها هى جمع الاموال " بعقلية التاجر .. الاموال مقابل الحماية " لايجاد فرص العمل في بلاد العم سام امتثالا لوعود السيد ترامب لناخبية في حملته الانتخابية ... وكنت قد تنبأت الى هذا في مقال سابق في هذه الصحيفة الغراء " العولمة والامركة - الرأسمالية العالمية الجديدة " .
وعليه وبدون الحاجة الى حدة ذكاء نخلص بأن الموقف الامريكي حمّال أوجه متغير " مثل طقس لندن " وهذا ما لاحظناه في بداية الازمة من تناقض التصريحات ما بين التغريدات الترامبية لسيد الابيض البعيدة عن " السياسة الحقيقية Real Politics " وما افضي به وزير خارجيتة تلرسون ، تصريحات تبدو للوهلة الأولى أنها صادرة عن جهتين متناقضتين يمثلان طرفي النزاع في الأزمة القطرية الخليجية الراهنة ، وهنا نرى ان ادارة الرئيس ترامب تشكل تحولا ظرفيا لا جذريا يتغير لاحقاً ؟ ..لكن الملفت للنظر أن كلا التصريحين خرجا من إدارة واحدة ، هي إدارة البيت الأبيض ، ليعبرا عن رأي دولة واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية ، تجاه قضية بعينها ، وهو ما أصاب طرفي الأزمة من جانب ، والمتابعين من جانب آخر، بحالة من الضبابية في تقييم الموقف الرسمي الأمريكي ...
أما الموقف العربي الرسمي الهزيل تجاه هذه الازمة ، فقد اصابنا بالخذلان وكم تأملت بأن تكون هناك مبادرات جادة للتحرك لتقريب وجهات النظر بين اطراف الازمة وان يكونوا على مسافة واحدة من اطراف المشكلة ، وكان الملاحظ وقوفهم بالمتفرج وما بين اسداء النصح وعلى استيحاء وخجل ، وكان الامل بان يخف رحالهم " أي قادتنا " الى عواصم تلك الدول " الرياض وابوظبي والدوحة والمنامة " لتقريب وجهات النظر للخروج بحل ينهى هذه المشكلة لما فيه الصالح العربي وامنه القومي ... وللمقارنة ( بشيزوفرينيا Schizophrenia ) المواقف العربية وكلنا يتذكر كيف اسرع العرب للمشاركة في مسيرة باريس بتاريخ 11 يناير / كانون الثاني 2015 للتضامن مع ضحايا أحداث مجلة "شارلي إبدو" الفرنسية الساخرة !، وهذه المواقف يا قادتنا يسجلها التاريخ - التاريخ لا يرحم ؟!
وفي سياق ما تقدم ومن موقف الحياد " لان المشكلة عربية بامتياز " وفي اطار البيت العربي اقول وبكل اسف فقد وصلت بلادنا العربية إلى ما نحن عليه الآن من ضعفٍ ووهن ، لدرجة أصبحت فيه الأمة ألعوبةً في أيدي أعدائها وتحولت ثرواتها إلى جيوب ومصارف جلّاديها ، لقد اجهزت الأجندات " البريطانية - الصهيو- أمريكية " بحذافيرها على بلادنا العربية وبدعم او تواطؤ من العرب انفسهم ودون خجل ، فكانت فلسطين محور مؤامراتهم منذ بلفور وكذلك لبنان الذي أدخلوه في سبعينيات القرن الغابر في أتون حرب أهلية ضارية ، ووصلوا الى العراق وأنهوه ، وجاء دور اليمن والسودان وليبيا وتونس ومصر وسورية وحاضرنا ينبئ بفصل جديد قد حيكت خيوطة في ليل اسود والوصفة الطبية " بالعامية الروشته " جاهزة لتقديم المبرارت للتنفيذ ، ...
ولكننا بحاجة للكثير من التنبه لإدراك أن "إسرائيل" هي المشكلة وأن فلسطين هي الحل، ورغم أنّ فلسطين تذوب في المشهد الإقليميى شديد الانصهار، إلّا أنها الحاضرة أبدًا وغصبًا ، فما يحدث الآن في سوريا والعراق واليمن وليبيا هدفه إطالة عمر كيان الاحتلال، وتكريس ضياع فلسطين للأبد ... وهنا استدرك واقول بان الشعوب العربية كلها على فهم ودراية بعد ان ادركت جيدا بأن ربيعها العربي كان مسرحية هزلية ، وبرأيي الشخصي المتواضع انها الكاميرا الخفية " الهزلية والعبثية في التدمير والتخريب "... حقيقة واقعية لكنها مؤلمة وقاسية سنكتوي بلسعاتها لاجيال واجيال !!
واخيرا ولي اخرا وبغض النظر عن التصريحات الامريكية المتناقضة ، وفي رأيي ومن الطبيعي أن يستقرّ الحل لرتق فتق هذه الازمة في نهاية المطاف وبما يتوافق مع المصالح الأمريكية ، وستضع هذه العاصفة أوزارها ، وباعتقادي أن هناك إرادة " أميركية " ستقرّر وضع حد يحول دون تفاقم الخلاف واستحكامه ، وذلك ببساطة بأن القمة الاسلامية الامريكية والتي عقدت بالرياض في شهر مايو / ايار 2017 ، كان هدفها الرئيسي المعلن هو الوقوف في وجه ايران وكبح جماح تمددها وتدخلها في الدول العربية والاسلامية وبخلاف ذلك فإن استمرار الخلاف بينها " اي دول القمة الاسلامية الامريكية " يظهر مزيداً من الضعف في المحور الذي تقوده أميركا ، ومزيداً من القوة في المحور الذي تشكلة ايران ودول محورها وبغطاء روسي لا يخفى صلابته وفي سباق الصراع على المشروع الشرق اوسطي " الروسي الامريكي ".. وهذا ما يعزز رأينا في الحرب الباردة المضادة التي تدور رحاها ما بين المحورين " الروسي الايراني - والامريكي " بما قامت عليه ايران بتوجيه صواريخ بالستيه بعيدة المدى " أرض - أرض " من كرمنشاه في غرب إيران على دير الزور في الاراضي السورية ليل الأحد 18 يونيو / حزيران 2017 وما يمثل إشارة إنذار في جميع الاتجاهات لإسرائيل ودول الخليج العربية وكذلك للولايات المتحدة، لتحقيق عدة أهداف منها إظهار القدرة على تحقيق إصابات دقيقة بواسطة صواريخ يصل مداها ما بين 700 إلى 600 كيلومتر هو بحد ذاته استعراض للعضلات من قبل إيران كما إنها تحقق لنفسها موقع وهيبة دولة عظمى عسكرية إقليمية وحتى عالمية...
ادعو الله صادقا ان يزيل هذه الغمة وينزع فتيل هذه الازمة عن امتنا ويجنبها شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن ، والله ما نحن في عوز الى هذا ابدا ، ونقول للحكماء في امتنا ننتظر دوركم المنشود ، وهنا نناشد قادة دول مجلس التعاون الخليجي - يا من كنتم تسدون عن الامة ثغورا حينما لا يستطيع غيركم سدادها - بوقفة تاريخية تسجل لكم لاعادة اللحمة الى دول المجلس تلك التجربة الوحيدة المضيئة في تاريخنا العربي المعاصر والتي بقيت متماسكة في كينونة الوحدة العربية وتكليل جهود سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح امير دولة الكويت " نحني له احتراما " لتحقيق مسعاه في رأب الصدع واعادة اللحمة والوحدة الى مجلس التعاون الخليجي وحلها ضمن اطار البيت الخليجي ، وبخلاف ذلك سيكون ثمن الخسارة كبيرا لو استمرت هذه الحالة لا سمح الله...
ومع يقيني بأن الصعوبات الحالية ظرفية بعون الله وأن الحكمة والتحفظ سيسودان في النهاية ، خاصة بأن التحديات الحقيقية التي تعترض سير الدول والشعوب العربية نحو تضامن فعال ووحدة حقيقية كثيرة وهى مواجهة الاطماع الصهيونية والإرهاب التكفيري من خوارج العصر.
شكرا لصبركم ، واعتذر عن الاطالة لاهمية الحدث ...
السلام عليكم ،،،
Mail:arajoub@aol.com
Web: www.ahmadrjoub.com