حرب حزيران 1967.. انتكاسة للمشروع القومي العربي وحل الدولتين بعيد المنال

جفرا نيوز - أحمد عبدالباسط الرجوب
تحل علينا الذكرى الخمسون لحرب الخامس من يونيو / حزيران  1967 " أو حرب الأيام الستة أو النكسة " ، تلك الحرب الاليمة التي دارت بين دولة الكيان الإسرائيلي والدول العربية في كل من مصر والأردن وسوريا وبمساعدة لوجستية من لبنان و العراق و الجزائر و السعودية و الكويت ، لقد اندلعت الحرب ذاتها بفِعل ضربة إسرائيلية استباقية استهدفت القوات الجوية المصرية ، وبعد ستة أيام فقط من القتال ، سيطرت إسرائيل على شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة ، ومرتفعات الجولان ، والضفة الغربية ، والقدس بالكامل وأصبحت إسرائيل الجديدة أكبر بثلاثة أضعاف من إسرائيل 1948القديمة ، وجعل من انتصار إسرائيل في حرب الايام الستة دولة دائمة على نحو لم تنجح حرب 1948 أو حرب 1956 في تحقيقه ، ونتيجة لهذه الحرب العدوانية فقد اكتسبت الدولة الجديدة درجة من العمق الاستراتيجي واضطر أغلب القادة العرب إلى تحويل هدفهم الاستراتيجي من إزالة إسرائيل من على وجه الأرض إلى إعادتها إلى حدود ما قبل 1967.. ورغم أن تلك الحرب دامت أقل من أسبوع ، فإن إرثها لا يزال واضحا قويا بعد مرور نصف قرن من الزمن على نشوبها...
مهدت اسرائل للحرب قبل اندلاعها بين العدوان على غزه وسيناء عام 1956 وبين عدوان 5 يونيو / حزيران 1967 بسلسله من الاعتداءات على حدود الدول العربيه العديد من الاعتداءات لتحقيق اهدافها المباشره لشن الحروب على الدول العربية والتي كان من اهم اهدافها:
- تحطيم القوه العربيه التقدميه الناميه
- القضاء على النشاط الفدائي الفلسطيني بتحميل الدول العربيه مسؤولية هذا العمل مع كونه حق مشروع ( واكده ميثاق الامم المتحده واعتبره حقا طبيعيا اصيلا لتقرير المصير)  .
- عدم فسح المجال امام اتفاقيات الدفاع العربي المشترك في الدول العربيه لتأخذ مداها .
- أحتلال الضفه الغربيه لنهر الاردن وقطاع غزه وسيناء وهضبة الجولان لتحقيق المطامع التوسعيه.
عقب هزيمة العرب في نكسة 1967، بدأت حرب الاستنزاف ضد الجيش الاسرائيلي وخاصة على الجبهة المصرية على الضفة الشرقية لقناة السويس حيث كان الهدف من ذلك هو حرمان إسرائيل من تعزيز مواقعها على الجبهة ، في انتظارِ المد الروسي من العتاد والذي تقرر إثرَ النكسة وتحملت دولٌ عربية أبرزها الجزائر جزءا كبيرا من كلفته المالية ، كما كان جهد فصائل المقاومة الفلسطينية جوهريا في تلك الحرب حيث شتَّتت تركيز جيش الاحتلال وكبَّدته خسائر جسيمة وقد تجلى ذلك في تلاحمهم مع الجيش العربي الاردني  خصوصا على الجبهة الأردنية التي شهدت معركة الكرامة عام 1968 والتي كانت أولَ نصرٍ رمزي استعاد به العرب بعض كرامتهم بعد النكسة ، الى ان قامت حرب اكتوبر / تشرين الاول 1973 وانتصرت فيها القوات العربية على الجبهتين المصرية والسورية وما تخلل ذلك من وقف لإطلاق النار في تلك الحرب والتي كان من نتائجها توقيع " معاهدة صلح كامب ديفد 1979 " بين المصريين والاسرائليين والتي بموجبها استعادت مصر كامل اراضيها التي احتلتها اسرائيل في حرب الايام الستة .. مما إدى إلى انسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء وإلغاء نظام الحكم العسكري في الضفة الغربية وقطاع غزة لصالح الادارة المدنية الإسرائيلية وما ترتب عليه من ضم من جانب واحد لمرتفعات الجولان والقدس الشرقية...
تحولت طبيعة الصراع على مر السنوات من الصراع العربي الإسرائيلي الإقليمي الواسع النطاق إلى صراع فلسطيني اسرائيلي محلي أكثر، بالغًا ذروته خلال الاجتياح الاسرائيلي الى لبنان 1982 ، وما تلا ذلك بابعاد منظمة التحرير الى تونس وتوزيع بقية الفصائل على عدد من الدول العربية ، وفي توالي الجهود والوساطات الدولية تم التوقيع على اتفاق اوسلوا – وهو اتفاق سلام وقعته اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية - في مدينة واشنطن بحضور الرئيس الامريكي السابق كلينتون وسمي الاتفاق نسبة إلى مدينة اوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرّية في عام 1991 وأفرز هذا الاتفاق في ما عرف بمؤتمر مدريد. وقد أدت اتفاقيات أوسلو المؤقتة إلى إنشاءة  السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994، في إطار عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية. وفي نفس العام توصلت إسرائيل والاردن الى توقيع اتفاقية السلام في وادي عربة ، اما الوضع على الجبهتين السورية واللبنانية فما زال على حالتة كما هو في حالة حرب وما زالت اسرائيل تحتل الجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية ...
على الرغم من اتفاقات السلام مع مصر والأردن ، واتفاقيات السلام المؤقتة مع منظمة التحرير ووقف إطلاق النار القائم بصفة عامة ، لا يزال العالم العربي وإسرائيل على خلاف مع بعضهما البعض بشأن العديد من المسائل ، ولا زالت هذه الاتفاقيات ترواح مكانها وبخاصة اذا ما نظرنا الى ان الشعبين المصري والاردني لم يلتفتوا الى هذه الاتفاقية الا في حالات ضيقة ، واما على المستوى الرسمي الحكومي فلا يوجد ما يوجب الاشارة اليه من حسن العلاقات البينية وخاصة التبادل التجاري وكل ما يتصل الى ذلك ، ولكن ما يوجب الاشارة اليه في هذا الصدد هو توقيع اتفاقية شراء الغاز الاسرائيلي بين شركة الكهرباء الوطنية الاردنية وشركة نوبل إنيرجي الامريكية..
وعودا الى ممارسات سلطة الاحتلال الاسرائيلي فقد قطعت شوطا اخر في سياسة الفصل العنصري التي تتبعها ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد ان شرعت في تخصيص شوارع محددة يسلكها المستوطنون ، واخرى يسلكها الفلسطينيون ... حتى باتت منظمات حقوقية اسرائيلية تطلق مصطلح " شوارع الابرتهايد (التفرقة العنصرية) " على هذا الشوارع ، كونها تحاكي اساليب الفصل العنصري التي كانت تفرضها الاقلية البيضاء على الاكثرية السوداء في جنوب افريقيا. وهنا تجدر الاشارة الى تقرير الإسكوا والذي صدر في مارس / اذار 2017 والذي يشير إلى أن إسرائيل أسست نظام أبارتهايد يهيمن على الشعب الفلسطيني بأجمعه وأن الوقائع والأدلة تثبت بما لا يدع للشك مجالاً أن إسرائيل بسياساتها وممارساتها مذنبة بارتكاب جريمة الفصل العنصري (أبارتهايد) كما تعرفها صكوك القانون الدولي...
مما تقدم ومنذ نشأة الكيان الصهيوني في العام 1948 وما تلى ذلك من حروبة على الدول العربية والاجتياحات الى لبنان وعلى قطاع غزة ، فإن هذه الدولة العنصرية التي اغتصبت فلسطين التاريخية تمتهن المراوغة ويعطيها تغير الادارات الامريكية نفسا اطول في المماطلة وعدم الجدية في التفاوض لحل الدولتين وهى غير جادة في حديثها عن السلام ، وإلى سياسة المماطلة التي تتبعها حكومات "إسرائيل" في المفاوضات فكل حكومة جديدة تعود إلى نقطة الصفر، وتلغي كل ما توصلوا إليه سابقا مع الفلسطينين، وخاصة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التي يقودها نتنياهو وليبرمان وكيف ألغت ما توصلوا اليه مع الفلسطينين في المفاوضات مع حكومة أولمرت.
 
ومما تجدر الاشارة اليه فإن الفلسطينين قد وافقوا في اسلو على إقامة الدولة الفلسطينية على 22% من ارض فلسطين التاريخية ، وحتى هذه يلاحقونهم عليها ويبنون عليها المستوطنات ضاربين بعرض الحائط كل قرارات الشرعية الدولية وكل الاتفاقيات التي تمت سابقا... الى جانب ذلك تسيطر اسرائيل على كافة أحواض المياه الجوفية في فلسطين وتقون ببيعها للفلسطينين وكما يريد ، وأن حصة المياه للمواطن الفلسطيني تساوي عُشر حصة المياه التي يحصل عليها المستوطن الإسرائيلي ... وهذا كلة بسبب ضعف وعجز اللجنة الرباعية عن القيام بدورها بسبب الهيمنة الأمريكية عليها وتراجعها عن وعودها " اي الولايات المتحدة " بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 ، الأمر الذي دفع بمنظمة التحرير الفلسطينية للتوجه للأمم المتحدة لنيل العضوية الكاملة ...
 
وبعد هذه المقدمة والوقوف على قضيتنا المركزية في فلسطين السليبة والوضع العربي الراهن بعد ربيعة المدمر والذي اجتاح الامة والشواهد حاضرة في العراق وسوريا وليبيا واليمن  ... والسؤال هل ما تزال فلسطين قضية مركزية في العالم العربي؟ سؤال طرح في مراحل مختلفة وبقي التناقض قائماً بين المعلن، وهو التزام النظام العربي مركزية القضية ، وبين المسكوت عنه ، وهو إدارة الظهر لمتطلبات الالتزام ومقوماته ، من الواضح تماما ان المواقف التي تؤكد على ترابط القضية الفلسطينية ما تزال تحظى بإجماع شعبي عربي غير محدود ، لأن ما يحدث في المنطقة مرتبط بمواقف الشعوب من فلسطين وقضيتها ، ومن المشروع الصهيوني الذي يقوم على أرضها . بل إن كل ما يجري في المنطقة العربية من أحداث وصراعات وأطماع استعمارية مرتبط أيضاً بما يجرى لفلسطين ، وما يحدث فيها...
أما حال الأمة المسكينة المقهورة من طرف حكامها وزعمائها قبل عدوها الخارجي فقد بلغت من الضعف والهوان ما الله وحده أعلم به. أمة تعيش اختلالا فظيعا على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية. هذا الاختلال هو الذي أنتج لنا عبر التاريخ في كل مرّة وضعا عربيا وإسلاميا متخاذلا أمام قضية الدفاع عن فلسطين.في ظل تردي الوضع العربي ، وما  يخيم على المنطقة من جهة ، واستفحال الخلافات العربية من جهة أخرى ، تتطلب من الجميع اعادة المشروع القومي من خلال بعده وأهميته بل وضرورته وتجعل منه الحل الذي لا حل غيره للخروج من الواقع المتردي ، وبناء المستقبل العربي ، من خلال مواجهة كافة المخاطر التي تتعرض لها المنطقة من قوى الاستعمارية والصهيونية ، ومطامعها في الوطن العربي ، ومؤامراتها عليه ، وتقسيمه لتسهيل سيطرتها عليه ، ونهب ثرواته ، واستنزاف طاقاته.
امام كل ذلك تتعرض فلسطين اليوم ، بما فيها القدس ، وحقوق اللاجئين الفلسطينيين الى هجمة هدفها الانقضاض على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني ، في  ظل صمت السياسات العربية الراهنة ، وهذا يستدعي موقفا عربيا على المستوى الرسمي والشعبي ، لأنه الطريق الأوحد لاستعادة وتحرير الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة ، وحماية حق العودة والقدس من الضياع ، وكما يستدعي الواجب الى وقف حالة الانقسام الفلسطيني والجلوس الى طاولة التفاهم لحل المشاكل البينية للوصول الى التفاهم المشترك وهو الذي يخيف دولة الكيان عندما تتوحد جميع الفصائل الفلسطينية على كلمة واحدة وبما يحقق انجاز المشروع الوطني الفلسطيني واقامة دولتة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف..
إن قضية فلسطين لدى الأمة قضية محورية وجوهرية في اهتماماتها، بل هي قضية عقيدة. بقعة مباركة من الأرض لها وضع خاص في مجال العقيدة وفي مجال التاريخ. بقعة كما كانت مسرى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ومهد السيد المسيح عليه السلام ، وكانت مركز التقاء كل الأنبياء عليم الصلاة والسلام ، ومركز اهتمام كل القائمين والمجددين والمصلحين. لهذه الاعتبارات وغيرها نستنتج أن الصراع الدائر حول فلسطين واستهدافها من طرف الصهاينة بالعدوان لم يكن يوما قضية حدود وإنما قضية وجود.
السلام عليكم ،،،
كاتب وباحث اردني
Mail :arajoub21@yahoo.com
web : www.ahmadrjoub.net