مزيج ليبرالي ـ محافظ يتقدم صفوف سلطة القضاء بعد توصيات لجنة الرفاعي

جفرا نيوز - بسام بدارين

قد تصعب على أي راصد سياسي مهمة من طراز قراءة التغيير الأخير الذي حصل في الأردن على رأس الهرم القضائي خارج سياق المفهوم الجديد المرتبط بالتغيير والاصلاح والذي اوصت به لجنة ملكية عملت على الاصلاح القضائي برئاسة المخضرم زيد الرفاعي.


يبدو بوضوح ان استقالة رئيس مجلس القضاء الاسبق المخضرم المحامي هشام التل لها علاقة بدفع وصفات ما يسمى بالإصلاح القضائي إلى الاسترخاء وبصورة ادت إلى مغادرة رئيس سلطة اساسية بالدستور محسوب على التيار المحافظ جداً.


بروز توصيات اللجنة التي ترأسها الرفاعي وتحولها إلى مسار تشريعي بالتدريج كانت الاشارة الأولى على تغيير متوقع في رئاسة مجلس القضاء. فرئيس القضاء الذي غادر موقعه حافظ على استقرار هذه السلطة الهامة وأظهر ميولاً للانفتاح قدر الإمكان على تلك الوصفات التحديثية لكنه قدم استقالته في الوقت المناسب وبطريقة تبدو منطقية لصالح قيادة جديدة من المتوقع ان تدفـع أكـثر باتجاه تفعيل التوصيات المثيرة للـجدل الـتي وردت في تقـرير اللـجنة الملـكية.


شعر المراقبون بداية بأن رئيس القضاء الأسبق المحامي هشام التل كان من الطبيعي ان يغادر موقعه الهام على رأس السلطة الثالثة في الدستور لإظهار الجدية على تلك التوصيفات والتوصيات الاصلاحية والتحديثية في المجال القضائي حيث مشكلات إدارية متراكمة ومناهج قديمة واتجاهات ملتبسة اداريا وسياسيا لم يعد من الممكن تجاهلها.


الإشارة الأولى مرجعياً تحت بند الإقرار بوجود حاجة للتطوير في أجهزة القضاء برزت بعد مجرد تشكيل لجنة ملكية بالخصوص ترأسها مخضرم من وزن الرفاعي في الوقت الذي تجاهل فيه التل نصيحة من مقربين منه بالاستقالة بمجرد تشكيل اللجنة.


في كل الأحوال الرئيس الجديد لقضاء وهو القاضي البارز محمد الغزو استلم مهام عمله الجديد امس الأول في إطار وصفة يعتقد ان لها صلة مباشرة بالجانب التجديدي في توصيات اصلاح اجهزة القضاء والذي يشكل الأغلبية أصلاً في لجنة الرفاعي.


القاضي الغزو من الشخصيات البارزة والمقدرة في السلك وسلطة القضاء وفي الانحياز السياسي يعتبره خبراء مطلعون الرجل المناسب لتلك الصيغة التي تُزاوج ما بين الإطار المحافظ في ادارة اجهزة المحاكم دون مواقف مسبقة ضد اي وصفات تنطوي على تغيير أو إصلاح خصوصاً في الجانب الإداري.


يوصف القاضي الغزو بانه يستطيع التعاون مع بعض التفصيلات التي يقترحها تيار «لبرلة» القضاء النافذ إلى حد ما في اطر المؤسسات المرجعية وانه لا يمانع من الحديث عن إصلاحات دون المساس بالأسس والقواعد التقليدية الراسخة.


بمعنى آخر يغادر رمز محافظ جداً ومحسوب على البيروقراط المغرق في المحافظة مثل المحامي التل لصالح شخصية لديها قدرة على التواصل مع رموز التيار الاصلاحي، الأمر الذي يظهر التغيير بانه منطقي جداً دون تداول تلك الرواية التي تتحدث عن تمكن التيار الإصلاحي والليبرالي النافذ من الاطاحة بشخصية من وزن التل.


في كل الأحوال يبدو الأردن منسجماً مع ذاته على المستوى الفكري والسياسي وهو يدعم التغيير المفاجئ في رأس سلطة القضاء بالرغم من ان توصيات لجنة الرفاعي أصلاً مثيرة للجدل ورغم انها تتناول بصفة حصرية تطوير وتحديث وعصرنة الجانب الاداري إلا انها تطرح نقاشاً ينطوي على بعض الضجيج عند مشككين سياسيين وبيروقراطيين وحتى عند بعض المراجع القانونية عندما يتعلق الأمر بخلفيات مثل هذه الخطوة.


في كل الأحوال يمكن اشتمام رائحة بصمات شخصيات بارزة محسوبة على التيار الليبرالي في التغيير الأخير من بينها وزيرا العدل السابقان شريف الزعبي وصلاح البشير اللذان تمكنا عملياً داخل اللجنة الملكية من ادارة تواصل غير صدامي مع رمز من وزن الرفاعي اشرف على لجنة معنية بتطوير القضاء ودراسة تشريعات تنظيم المحاكم رغم انه من خارج نظام العدالة والقضاء والقانون.


الفرصة متاحة في النتيجة اليوم لكي تسترخي أكثر توصيات الجنة المشار اليها في حضن الادارة القضائية وبصورة تقلص التجاذب وتضمن حتى للمحافظين مسافة أمان يتطلبها الاستقرار القضائي والاداري عبر شخصية وازنة من طراز القاضي الغزو.
وبصرف النظر عن حسابات الصراع والفوز او الخسارة بين التيارين الإصلاحي او الليبرالي والمحافظ يمكن القول بان توصيات لجنة الرفاعي حصلت على دعم كبير ليس فقط بعد التنحي واستقالة القاضي هشام التل ولكن قبل ذلك عبر توجيهات مباشرة صدرت لرئيسي سلطتي التنفيذ والتشريع هاني الملقي وعاطف الطراونة برعاية وتمرير تعديلات على القوانين يتطلبها ملف الاصلاح القضائي من وجهة النظر المرجعية بطبيعة الحال.