التسول.. تجارة أم إكراه للناس على دفع المال؟
جفرا نيوز- كتب - حيدر المجالي
تختلف طرائق التسول تبعاً للفصول والمواسم وفي الأعياد، باختلاف الوسائل التي يتبعها المتسولون لإقناع أو إجبار المواطن على الدفع بدون شروط او إحراج، منها بيع المحارم الورقية وأدوات زينة رخيصة وإكسسوارات.
ويزداد نشاط الممتهنين للتسول مع إقتراب حلول شهر رمضان ، أكان على أبواب المساجد والإشارات الضوئية والمولات وعلى أبواب البنوك أو زوار الشركات والمنازل؛ وقد يختلف النهج الذي يتبعه (البائع المتسول) عن غيره من المتسولين، سواء في الطلب المباشر أو الضغط بالشراء أو محاولة مسح زجاج المركبة بقماش متسخ على الإشارات الضوئية.
على إحدى الاشارات المرورية، تجول فتاة ترتدي النقاب الأسود بين نوافذ المركبات تطلب المال باستحياء، وعندما تصطدم بالنوافذ المغلقة، لا تتردد في الطرق عليها، لتدخل في حوارات مع السائقين لاستعطافهم للحصول على المال.
وفيما يمشي أربعيني بين أسراب المركبات يحمل بيده قطعاً من القماش لبيعها، يدخل في حوارات متعددة مع السائقين، لكنه لا يعود خالي الوفاض، مع كل إضاءةٍ حمراء.
وآخر يُلقي ببضاعته على الأرض، لإيهام رواد الطريق بأنه تعرض لدهس، فيجني الأرباح والتعويض، وسط دموعٍ تسيل على خديه.
وهنالك حالات تسول تجد سيدة تحمل طفلاً وتقف بحالة مثيرة للشفقة والعطف، وقد يكون الطفل لا يمت للمرأة بصلة، إذ يتم إستئجاره لممارسة مهنة التسول، وقد يستخدم رجلاً طفلاً على كرسي متحرك يضع انبوب اكسجين وهمي، وهناك من يتظاهر بالإعاقة، وأخرى تحمل علبة دواء فارغة، أو فاتورة ماء وكهرباء.
ويستغل اشخاص المساجد لممارسة التسول، ثم يعرضون وثائق ووصفات علاجية، للحصول على المال، وكثير منهم لا يبدو عليه المرض، ويظهر بصحة جيدة، لكنه يجرؤ على الطلب، وقد يُطلب منه المغادرة، لكنه لا يبرح حتى يحصل على المال.
تلك نماذج مصغرة عن واقع ظاهرة متفشية، تزداد يوماً بعد يوم، حتى أصبحت ملاذا لتجار المخدرات و(الزعران) الذين يُكرهون الناس على الدفع منذ اللحظة الأولى التي يدخلون فيها بحوارات مع مرتادي الطريق، سواء كانوا راجلين أم يقودون مركباتهم.
ويصف الدكتور أيمن المساعدة أخصائي التربية الخاصة تلك الظاهرة بأنها مظهر وسلوك مجتمعي خاطئ، ومكافحته تتطلب مسؤولية مجتمعية، تقع على كاهل الأفراد والمؤسسات؛ مشيراً إلى أن الذي يدفع المال ولو كان قليلاً لمتسول على إشارة ضوئية أو أمام مسجد، إنما يشجعه على المضي في ذلك الطريق المظلم.
وتشير إحصائيات وزارة التنمية الإجتماعية لأعداد التسول في المملكة، الى ارتفاع ملحوظ لها العام الماضي؛ إذ ارتفعت أعدادهم بنسبة 13%، وبلغ إجمالي عدد المتسولين المضبوطين نحو 5 آلاف متسول في العام 2015.
وبلغ عدد البالغين منهم 2593 متسولاً ومتسولة، فيما بلغ عدد الأطفال المتسولين 1299 طفلاً، في حين بلغ عددهم الإجمالي 3300 متسول لعام 2014، و3 آلاف في العام 2013.
ووفق ذات البيانات فإنه تم ضبط ٥٦٦٤ متسولاً ومتسولة خلال العام ٢٠١٦، وزادت أعداد المتسولين في مختلف الشوارع في المناطق الغربية، وفي مختلف أنحاء العاصمة وبعض المدن.
أما عدد الأطفال المضبوطين فقد تجاوز النصف حيث بلغ ٣٠١٢ طفلاً من كلا الجنسين، وفيما يتعلق بجنس المضبوطين بيّن الرطروط أن عدد الذكور الاجمالي بلغ ٣١١١، منهم ١٩٩٨ طفلاً، فيما بلغ عدد الإناث ٢٥٥٣ منهن ١٠١٤ طفلة.
ورغم الجهود المبذولة من قبل وزارة التنمية للحد من الظاهرة، إلا أنها في تصاعد مستمر بالنظر للأعداد خلال السنوات الثلاث الماضية، ما يعزوه البعض الى صعوبة الأوضاع الإقتصادية.
وتبين دائرة الإفتاء في فتوى لها بهذا الخصوص، إن غلب الظن بكذب السائل، وامتهانه للتسول، فلا ينبغي إعطاؤه حتى لا يتشجع على التسول، ولا يكون سبباً في اختلاط الصادق بالكاذب وانتشار التسول بسببه، على أن يحسن المسلم رد السائل، فلا يحقرنه ولا يزدرينه، بل يدعو له بالخير.
واقع الحال يدعو للقلق، والزيادة المضطرة في الأعداد، تشي بخطورة إنتشار الظاهرة، وما تعكسه من مشكلات متداخلة، لها علاقة مباشرة ببيع المخدرات، أو إفتعال المشاجرات وإقتراف الجرائم، مع إقتراب شهر رمضان، لتكون الرقابة ذاتية ومجتمعية.