التخلف العربي والتبعية في عصر العولمة.... هل هى نتاج الهيمنة الاحادية؟

جفرا نيوز - أحمد عبد الباسط الرجوب
مع بداية تسعينات القرن الغابر ، تصاعدت موجة المناظرت من الكتاب والسياسين في العالم الغربي والتي انتهت في مآل تحليلاتها إلى أن العالم يعيش عصر الصراعات الحضارية ، وهي التسمية التي اطلق عليها أصحاب هذه الآراء من الكتاب والمفكرين الغربيين لعصر ما بعد الحداثة إذ أن طرح مثل هذه الكتابات والأفكار يعتبر الأساس الأيديولوجي الذي كان ضرورة ملحة من أجل التأطير الإيديولوجي للنظام العالمي الجديد ولعالم ما بعد الحداثة....
التبعية ظاهرة معقدة تتشابك فيها الأعراض الاقتصادية والاجتماعية ، والديموغرافية والجغرافية والسياسية والتاريخية. وهي عملية إلحاق قسري بوسائل سياسية واقتصادية وعسكرية ، وغزو ثقافي وفكري لتعميم نظامالإنتاج الرأسمالي، وتسويغ للهيمنة التي تمارسها دولة عظمى أو مجموعة دول أحرزت تقدماً في ثالوثها المقدس - التكنولوجيا والعلم والإدارة - وثورة الاتصالات والمعلوماتية ، وغزو الفضاء واكتشاف الشفرة الوراثية ، وتفكيك المادة إلى أصغر جزيئاتها ، وقيام الدولة الإمبراطورية الأمريكية كتشكيلةاقتصادية – اجتماعية تتشابه في الكثير من الملامح مع الإمبراطورية الرومانية القديمة، فتستخدمها لتحقيق مصالح مادية واستراتيجية ، بما تفرضه على أمم وشعوب أخرى أقل تقدماً، من إجراءات تلزمها بها وتجبرها على تنفيذها ، كي يمكنها البقاء ، مع الفارق البعيد والواسع جداً بين العصريين التاريخيين، إذ لا يمكن مقارنة الحدثين إلا من ناحية المظهر العام...
إننا في زمن أصبح التردي الشامل يهيمن على رقعة الوطن العربي من المحيط إلى الخليج وعلى جميع المستويات، حيث نجد أن المشهد العربي أصبح مهمشا ويعيش في الظل إن لم نقل انه انزوى في بقعة مظلمة ، اذ لم يعد الوطن العربي يقوى على التغيير وعلى نشر الوعي والتحسيس بقضايا الأمة ، وللأسف أنها تنصب في قالب واحد هو المظهر الرأسمالي الجديد العولمي لكل ما يمت بصلة للفكر والثقافة وبالتالي للحياة الاجتماعية. من هنا أصبح المشهد العام للمجتمعات العربية يتسم بتراجع الدور الفكري والثقافي والتقدم الحضاري الامر الذي آل لسيطرة الفكر العربي الاستهلاكي على مظاهر الحياة من بينها الفكر والثقافة...
العولمة والامركة - الرأسمالية العالمية الجديدة !!
لقد أصبحت الثقافة ساحة نزال أيديولوجي في النظام العالميالجديد بين العالم المتقدم والدول التابعة وهي الأكثر أهمية من الاقتصاد في قيادة عملية التغيير الاجتماعي وهنا وبالعودة إلى عالمنا العربي وتحديدا إلى المنهج الفكري والثقافي ، نجد أن مثل هذه الإرهاصات والأفكار وجدت لها صدى في مختلف مناحي الحياة في الوطن العربي ولعل المتتبع والمتأمل للأحداث يلاحظ أن بعض وسائل الإعلام تبنت خطابا مغايرا ، أهم سماته حذف كلمة " عربي " حين الحديث عن الصراع الحالي واستبدالها بكلمة " اسلامي " وهو منعطف خطير يستهدف تغيير المواجهة بين العرب والصهاينة ، واستبدالها بمواجهة الحضارة المسيحية والإسلامية أو مع غيرها من الحضارات الإنسانية الأخرى ، والغريب أن هناك مفكرين أمريكيين يعملون بدون ملل على مسألة حوار الحضارات ويجهلون أو يتجاهلون أننا أمة عربية ولا ينفكون ينعتوننا بأننا شعوبا ناطقة بالعربية ، وفي هذا الاطار يمكن القول أن العولمة أو الأمركة قد نجحت في أولى خطواتها المتمثلة في التأصيل الفكري لعصر ما بعد الحداثة حيث غدت الرأسمالية العالمية الجديدة التي تقود الصراع باسم المسيحية ضد الحضارات الأخرى في الظاهر، وفي الخفاء تحاول توسيع دائرة نفوذها الراسمالي للسيطرة على موارد الاقتصاد العالمي ، وهي السيطرة التي لن تكون ناجحة دون استغلال الوسائل الضاغطة الأخرى، ولعل أهمها في قرننا الحالي تقدم الوسائل الإعلامية والتكنولوجية والمعلوماتية وأيضا الترويج الفكري لها من خلال كتابات وأفكار تمجد التفوق الغربي في مواجهة التخلف العربي...
وهنا يقودنا الى حقيقة واقعية ومؤلمة بأن الصراع قد تحول من صراع بين الفقراء والمسحوقين والمظلومين وبين الراسماليين أو المستعمرين الجدد المسيطرين على كل مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية باسم العولمة إلى صراع الحضارات القائم على الإقليمية والتعصب العرقي أو الديني ، وهو ما آلت إليه التبعية والتي تتشابك فيها المصالح الاقتصاديةوالاجتماعية ، والديموغرافية والجغرافية والسياسية والتاريخية وهي عملية إلحاق قسري بوسائل سياسية واقتصادية وعسكرية ، وغزو ثقافي وفكري لتعميم نظام الإنتاج الرأسمالي ، وتسويغ للهيمنة التي تمارسها دولة عظمى بعينها أحرزت تقدماً في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيات والعلم ، فتستخدمها لتحقيق مصالح مادية واستراتيجية...
هل اختفى زمن المثقف العربي الرائد - ضمير الأمة ومحرك الجماهير؟
هنا اكاد اجزم بأن المثقف العربي قد أصبح تابعا ، لا حول ولا قوة له أمام آلة التمييع والتسطيح والتنميط التي تشهدها الساحة الثقافية العربية من المحيط إلى الخليج. إن العولمة الثقافية ، وهي جزء من العولمة الشاملة ، قد أضاعت هويتنا ، وهو ما يفرض على المثقف العربي أن يطرح السؤال الإشكالي ربما المعهود: هل نحن فعلا كشعوب عربية ما زلنا نملك هويتنا الثقافية حتى نتحدث عن تهديدات لها من قبل هويات ثقافية أخرى؟ لقد أصبحنا نعيش مرحلة الركود والجمود وانتفى زمن الإبداع ، إلا من محاولات قد تكون معزولة ولكنها شجاعة في صمودها في زمن أصبح التيار الجارف القادم مع الرياح الأمريكية قويا ، جنونيا وشرسا. إنه عصر التسونامي الأمريكي باسم العولمة ، وهو ما يتطلب مواجهة ، ربما يجب أن تكون عنيفة عنف الابداع لحظة انبثاقه ، فكر يتوق للتحرير والانعتاق...
ما هو الدور الذي ينتظرنا نحن العرب؟!
بداية يجب الوعي وبادراك بأننا نعيش مرحلة تاريخية انتقالية خطيرة وان الظرف الذي نعيشة يتحتم علينا أن لا ننزلق وراء التفسيرات والتقسيمات والنظريات التي توصف بأنها فكر ما بعد الحداثة ، لأن مثل هذه النظريات لا تعني سوى التأصيل والتأطير لمرحلة العولمة والتي تقودها الرأسمالية العالمية والإمبريالي الجديدة ، هذه النظريات التي قسمت العالم إلى قسمين والصراع إلى صراعين : العالم الرأسمالي المسيطر والعالم المتخلف فريسة النهب والاحتلال من طرف العالم الأول وصراع بين حضارتين حضارة الراسمالية المالية ويقودها العالم المسيحي الغربي وحضارات أخرى مناقضة وتقودها الحضارة الاسلامية خصوصا في المنطقة العربية وهنا يجب ان لاتنطوى علينا الافكار بمضامينها المعلنة والمستترة وبالتالي علينا كعرب ان نتنبه إلى هذا الفخ ، فهو تقسيم وتنظير يراد من وراءه تغييب حقيقة تاريخية وواقعية وهي أن أي صراع أو أية حروب انما تقوم على الصراعات و الخلافات ذات البعد الاقتصادي والجيوسياسي منذ بداية التاريخ إلى الآن ، ونحن مازلنا داخل التاريخ وليس كما يدعي منظرو النظام العالمي الجديد ومنظرو العولمة من اننا نعيش مرحلة التخلف أي ما بعد ال حداثة ونهاية التاريخ ...
إن وجود مراكز قيادية عربية مؤهلة اقتصادياً ومالياً وعلمياً وثقافياً وعسكرياً هو ضرورة كامنة في جوهر مواجهة الرأسمالية كنظام إنتاج ، وهو أساس عقلاني ومادي لمقابلة إنجاز الطور الأخير من الانتشار والتفتح الرأسمالي في العالم أجمع وخاصة تدويل رأس المال الذي نضج وتراكمت خبراته إلىالحدود القصوى حيث وصل إلى القمة ، وبخاصة بعد الانتصار على الاشتراكية النظام البديل والمنافس والإنساني والمتمثل بانهيار الاتحاد السوفييتي في نهايات القرن الغابر والذي تأسس في روسيا بعد الثورة البلشفية عام 1917.‏
واخيرا وليس اخرا ... لم يضع التاريخ في جدول أعماله مسألة التوسع المتجانس للرأسمالية بل على العكس أدى إلى تعميق الاستقطاب العالمي ، والدول الزاحفة خلف هذا التسونامي لا اعتقد انها قادرة على ضبط حركاتها مع هذا المشهد المتسارع ، وبخاصة نحن العرب...
والسؤال هنا : هل ما زلنا نحن العرب متخلفين عن الحداثة ونتشبث بالتبعية في عصر العولمة الكاسح؟! ... المطلوب حوار عربي عربي وتحقيق مصالحة مع الذات أولا ؟!..
السلام عليكم ،،،
Mail: arajoub@aol.com