أحداث بلدة الصريح.. زاوية الرؤيا و معايير الوجع

بقلم مالك عثامنه لا اجد في اخبار "بلدة الصريح" الدموية والمؤسفة اي استثناء عندي..و هذا توضيح للاصدقاء الذين راسلوني منذ الصباح يعبرون لي عن اسفهم مما يحصل في تلك البلدة الشمالية "الوادعة عموما" من احداث شغب مخلة بالامن على خلفية مشاجرة عشائرية دموية اسفرت عن ضحايا..و خسائر.
لا اجد الاستثناء ..بمعنى ان الوجع هو ذاته وبنفس حجمه امام ما يحدث هناك تماما كما لو يحدث او حدث في مكان اخر من الاردن.. وهنا مربط الفرس في زوايا الرؤية..و معايير الوجع والتعاطف.. فأنت إما ان تؤمن بالدولة بكامل اهليتها المؤسساتية..او تقبل راضيا ..متحمسا او صاغرا غير معترض على صيغة المخترة المؤسساتية بنكهتها القبلية و رعاية أمنية بمزاج سياسي نخبوي لا اكثر.
في الصريح ..الحدث المؤسف والمؤلم صار ظاهرة اردنية..وهو تحصيل حاصل طبيعي لدولة ترفع يافطة الديمقراطية فوق رأسها بينما اقدامها تتيه في غابات التطرف والعشيرة والفساد النخبوي و المؤسسات المترهلة و الحكم المتحير.
انت امام انعكاس المرآة المرتد عن الاصل..وهذا الاصل يكتب فيه ابن الجامعة على صفحته الفيسبوكية : دق الخشوم. تأييدا لنادي "مشيخة و تنفع " مقابل نادي "مخترة و تنفع".
هذا الاصل الذي يجعل برامج التصميم الغرافيكي بأحدث اصداراتها اداة لتصميم صورة نمر او ذئب مفترس في لحظة غضب مع خلفية لهب نار مثلا..و كلمات بخط بركاني تقول : الفلانية شيوخ البلد!
هذا الاصل الذي يجعل الاردني يتحدث بثقة منتقدا تراجع الديمقراطية في اوروبا.. بل و لديه رؤية تفصيلية تشرح مخاطر اليمين الفرنسي.و لكنه لا يخجل من مباركة ابن عشيرته الدكتور لتعيينه كذا او كذا. كما انه لن يقبل بانتخاب اي مرشح خارج دائرة "الدي أن أي" الوراثية المرتبطة به.
هذا الاصل الذي يؤمن بوهم هيروييني مدهش ان من يعادينا "بنخلي عظامه تطقطق" حسب اغاني عمر العبداللات.. وهو الاصل الذي جعل منا نطرب لصوت اطلاق النار في احتفالاتنا..و نغني للقتل..و لا نهتم..لاننا حسب الهتاف..شرابين الدم.
هذا الاصل..الذي فيه الاردني عابس و متجهم و يتحدث عن فقره و قهره بغضب مكبوت..لكنه يفك عقدة حاجبيه امام احدى حالتين: دبكة وطنية يرفع فيها الصور و يهتف بحماس للمكارم التي ينقطها ولي النعم على رأسه!!! أو في درس ديني "خاص" يحلق فيه سماحة الشيخ الكابتن طيار بمستمعيه في عوالم الغيب..و وعود النعيم المفقود..ليعلقها على صدور الحور العين. و انت و ارادتك في الحصول على كل ذلك..!
هذا اصل..فيه تفاصيل اكثر بكثير.. حاضرة بكل تناقضاتها.. اما الدولة فهي الغائب الوحيد.و لا اقصد غيابها المؤسساتي..بالعكس.. مؤسساتها حاضرة بكامل جاهزيتها و ادواتها..و رغم ذلك فالدولة غائبة فعليا.
الدولة غائبة عن العقل الاردني..و وجدانه. الدولة في خاطر الاردني..صورة لمخفر و دركي. وهذا خطير. الدولة..لا يستحضرها الا المواطنة.و المواطنة لا حاضن لها الا دولة مؤسسات..وقانون.. وفقط.