ألمانيا عندما «تهمس» في الأذن الأردنية

جفرا نيوز- كتب: بسام بدارين برزت زيارة وزير الخارجية الألماني إلى العاصمة الأردنية عمان والتقاء بعض نخبها ومسؤوليها باعتبارها محطة مناسبة للمعرفة والاطلاع خصوصا على موقف ورؤية دولة أساسية في الاتحاد الأوروبي تجاه ليس فقط المصالح الثنائية ولكن ايضا تجاه القضايا الاساسية والإشكالية. طوال الوقت بالنسبة للأردنيين يشكل غموض الموقف الألماني أو عدم مصارحته ومكاشفته خصوصا في القضايا الإشكالية مساحة لبروز الفضول السياسي والدبلوماسي. قابل الوزير الألماني زيغمار غابرييل، وهو بالمناسبة حديث العهد بوزارته الحالية وسبق ان كان وزيراً في حقيبة أخرى في حكومة بلاده ويشغل موقع نائب المستشار الإتحادي، وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بجلستين على الاقل إحداهما رسمية كما التقى رئيس الوزراء هاني الملقي ونخبة من السياسيين وبعض المقربين المتعاونين مع سفارة بلاده في عمان ضمن جولته التي شملت العراق والأردن وستشمل الضفة الغربية وإسرائيل. وقوف الوزير الألماني على محطة عمان سبقته إتصالات عميقة حاولت عبرها مؤسسات المانية دبلوماسية وأمنية من خلالها تلمس الوقائع في المنطقة والأردن بالحد الادنى من الظهور العلني. الإستشعارات الألمانية وكما فهمت «القدس العربي» من مصادر مطلعة وخبيرة جداً كانت دوماً تغرق بالتفاصيل خلف الستارة ولا تتوسع في الإستنتاج وتميل إلى تشخيص متباين عندما يتعلق الأمر بحقيقة التعاون الأمني والاقتصادي مع الأردن، وبوقائع الخيارات والسيناريوات المتعلقة بشمال العراق وببعض الإشكاليات المعقدة في الموضوع السوري. عموماً «المسح الأمني الألماني العميق» الذي سبق زيارة غابرييل إلى عمان حاول التأشير على أزمة مالية واقتصادية خانقة في بلد مهم كالأردن، وعلى أزمة منفلتة ينتجها قصداً بعض دوائر القرار الأردنية مع مؤسسة الرئاسة تحديداً في سورية. المسح الألماني الدبلوماسي المعمق أظهر الاهتمام ايضا بمسألتين: ما الذي يمكن ان يقدمه الأردن فعلاً للأزمة العراقية؟ أما النقطة الثانية فتتمثل في قياس منسوب الرهان الأردني على الاتجاهات المربكة للإدارة الأمريكية بقيادة دونالد ترامب. ثمة تفاصيل كثيرة ومعقدة يهتم بها الألمان في الاقليم وفي الساحة الأردنية لكن وقفة وزير الخارجية الألماني في إطارها المعرفي والدبلوماسي العلني تضمنت بعيدا عن البيانات الرسمية ومضامينها ما يمكن وصفه بـ «همسات المانية عميقة في الاذن الأردنية بصورة غير معتادة تكشف عن بعض الأوراق والمعطيات». هنا حصرياً وضع غابرييل ممثلي المؤسسة الأردنية وفي رئاسة الوزراء بصورة أوضح من تقييمات بلاده المرحلية لنحو أربع ملفات على الاقل أساسية في المنطقة واستمع لشرح أردني مفصل حول فكرة المملكة لأسباب ومبررات اندلاع الأزمة السورية أصلاً مع التذكير بأن الملك عبد الله الثاني ومنذ عام 2011 وفي بدايات الأزمة وجّه نصيحة مباشرة لصديقه آنذاك الرئيس بشار الاسد تقترح عليه احتواء ملامح ثورة محتملة وحراك في جنوب سوريا يمكن معالجته ببساطة بإجراءات سريعة قبل تطور الأمور على مقاس التركيبة الاجتماعية لأهالي محافظة درعا المحاذية للأردن. بدا واضحاً أن وظيفة السرد التاريخي المختصر هنا تنحصر في لفت نظر الوزير الألماني إلى اعتدال مزاج الموقف الأردني منذ بدأت الأزمة في جنوب سورية على الأقل مع الاشارة التلميحية إلى ان الرئيس الاسد تنكر للنصيحة والخبرة الأردنية المخلصة آنذاك. السرد الجزئي هنا قد يخدم تصور وزير الخارجية أيمن الصفدي نفسه للمسألة من دون المساس بالقراءة الأردنية اصلا لأسباب انطلاق الأحداث، الاهم دبلوماسيا هو المحاولة الأردنية الملموسة لمغازلة الصداقة المفترضة بين نظام الاسد والتصور الألماني لحل الأزمة. في المقابل مال الوزير الضيف إلى شرح جزئي مقابل لوجهة نظر بلاده في المسألة نفسها متحدثا عن حراكات شعبية ثورية في سوريا كانت مطلبية وسلمية وكان يمكن دعمها والضغط على الرئيس الاسد لو لم تتدخل أجندات إقليمية وأخرى دولية قبل انفلات المشهد والعودة لاسطوانة تسليح الثورة السورية. الوزير الألماني تحدث بوضوح عن ضرورة العمل وبحماس على توفير بيئة مناسبة للعودة لخيار سياسي في التعاطي مع الأزمة السورية، ولمّح مجرد تلميح إلى ان ذلك قد تعيقه الطموحات الجامحة عند بعض أفراد طاقم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. كما لمّح إلى ان بلاده يمكنها التعايش مع فكرة اطلاق عملية سياسية من دون التركيز على حسم عسكري يسبقها شريطة ان تشمل الاسد في اطار التعامل مع الواقع الموضوعي على ان تنتهي بمغادرة الرئيس بشار الاسد للسلطة في اختتامها. تلك المقاربة الألمانية بدت مفرحة للأردنيين وقريبة من موقفهم الأخير حيث كان الملك عبد الله الثاني قد لمّح إلى ان الرئيس بشار الاسد بعد حادثة خان شيخون لا يمكنه الاستمرار في السلطة من دون ان تركز حكومة الأردن على هذا الموضوع. لاحظ الجانب الألماني مثلاً أن بلاده لا توجد بين أيديها أدلة قاطعة تدين أو تخلي ذمة نظام الاسد من قصة استخدام الغاز مع التلميح لان استخدام النظام لغاز السارين مؤخراً في خان شيخون تحديداً احتمال لا تستبعده ألمانيا وان كانت لا تعتبر التورط المباشر حقيقة واقعية لأدلة دامغة. بالتوازي بدت المعلومة الاخيرة مناسبة لكي تعرض الدبلوماسية الألمانية وجهة نظرها في موقف الادارة الأمريكية الحالية من استثمار طاقم ترامب لحادثة خان شيخون حيث تبرز قرائن بالنسبة للألمان على ان طاقم ترامب المتهم ضمنيا بالتعاون مع روسيا بدأ يميل ولأسباب داخلية محضة إلى اظهار قدرته على تحدي موسكو وتجاهلها وبدأ يكثف من رسائله التي تقول لموسكو بأن ترامب ليس أوباما عندما يتعلق الأمر بسوريا تحديداً. ذلك الجموح بتقدير الجانب الألماني وفقاً للهمسات التي استقرت في الاذن الأردنية ينبغي التعاطي معها بحذر عندما يتعلق الامر بالتعقيدات التي يحاول الرئيس ترامب التحرك ضمنها خصوصا وانه يريد وفقاً لتحليل اردني هذه المرة مقايضة أي رصاصة يطلقها لصالح حلفائه في أوروبا والشرق الأوسط بالمال وانه لم يعد يريد ان يدفع مالاً من الخزينة الأمريكية لحماية الحلفاء وعلى رأسهم ألمانيا. في المسألة العراقية ركز الجانب الألماني بعد الغرق في الكثير من التفاصيل على نقطة يعتبرها الوزير غابرييل الأكثر اثارة للقلق وتتمثل في طموح الأكراد المتزايد بالانفصال والمضي قدماً نحو دولة مستقلة الامر الذي يفرض في رأي برلين تعقيدات اضافية على تعقيدات موضوعية متراكمة خصوصا وان لغة الزعيم الكردي الأهم مسعود برزاني قد تحولت مؤخراً وفقاً لماكينة الرصد الألمانية من حالة الموافقة على مناقشة الفدرالية وتعزيزها إلى المطالبة بكونفدرالية وهو تحول خطير وتصعيدي من وجهة النظر الألمانية. ارتاح الجانب المضيف لان الضيف بدا مهتما أكثر من المتوقع بعملية السلام والقضية الفلسطينية ممتدحاً الموقف الذي انتهت اليه قمة البحر الميت الاخيرة بخصوص التمسك بحل الدولتين. هنا حصريا اتفق الطرفان الضيف والمضيف على ان لغة وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون تتغير بوضوح من عبارة «لسنا مهتمين» إلى عبارة أخرى تظهر الاهتمام وتريد ان تستمتع للفرقاء وهو موقف ايجابي بالتقدير الألماني يدفع برلين للاهتمام أكثر مع الاستعداد للعمل مع الأردن على رفع منسوب الاهتمام بعملية السلام والقضية الفلسطينية باعتبارها النزاع الاهم. عندما تعلق الامر بتركيا والرئيس رجب طيب اردوغان لمّح الضيف إلى ان بلاده تتوقع ان يهدأ قليلا ويسترخي ويرتاح نسبيا الرئيس اردوغان بعد الاستفتاء الأخير الذي حصل بموجبه على ما يريده مع تمنيات ألمانية بأن تتوقف لغة اردوغان عن تهديد أوروبا وألمانيا وابتزازهما بقضة اللاجئين.