نائب يطارد سيارات حكومية !

جفرا نيوز- خاص. ابراهيم عبدالمجيد القيسي
ليست استعراضا، ولا عنادا أو «دقارة»؛ أخبار التزام المواصفات والمقاييس بالقانون وعدم الرضوخ للتدخلات، وعلى الرغم من وجود خبر شبه دائم حول جهود المواصفات والمقاييس في ضبطها وربطها والتزامها بالقانون، وعدم سماحها بأية مخالفة مهما كانت صغيرة أو كبيرة، على الرغم من كثرة هذه الأخبار إلا أن جهود هؤلاء الجنود لا تنتهي، ولا يعرف عنها الناس الا القليل:
في الأسبوع الماضي، لاحظ أحد النواب وجود سيارات حكومية في منطقة سكنية ما في عمان، فقام النائب الدكتور مصلح الطراونة بالاستفسار عن هذه السيارات الحكومية وما الذي تفعله ليلا في حي سكني، فإذا به وجها لوجه مع موظفي مؤسسة المواصفات والمقاييس ومديرهم العام الدكتور حيدر الزبن، الذين كانوا ينفذون عملية مداهمة لشقة، تحتوي كميات كبيرة من السلع المزيفة، التي تحتوي عبوات معدنية لغذاء فاسد، وصلاحيته منتهية قبل دخوله إلى الأردن، ويتم إعادة «تلبيسها» أختام وأوراق لعلامة تجارية معروفة في الأطعمة البحرية، بينما الغذاء هو من انتاج شركة أخرى وفاسد صحيا، وكذلك وجود منظفات كيماوية رديئة ويتم تزييفها و»تلبيسها» اسما معروفا في المجال.. وما كان من النائب الطراونة إلا أن عبر عن إعجابه بجهود هؤلاء الجنود حيث شكرهم على طريقته فطلب لهم عشاء على حسابه.
المؤسسة الأردنية التي حازت العام الماضي على المرتبة الأولى على العالم في الأداء، وسبقت دولا عظمى اوروبية وغيرها في مجالها، وعليها تقع مسؤولية الحفاظ على سلامة البضائع الواردة إلى الأردن، والتزامها بقوانين المواصفات والمقاييس، لا يديرها جيش من الموظفين، بل هم قلة قليلة، تستغرب من قلة عددهم مقارنة بجهودهم التي لا تنقطع، فهم 412 موظفا فقط، منهم 67 موظفا مجازون بلا رواتب، وأكثر من 50 آخرين يعملون مع منظمات دولية وعربية، فالجهود كلها يقوم بها أقل من 300 موظف، يصلون ليلهم بنهارهم للقيام بواجبهم، لكن الموظفات منهم يعدن إلى بيوتهن فور انتهاء فترة الدوام الرسمي، فهن أمهات وربات بيوت، ولا يمكنهن التأخر إلى ساعات الفجر الأولى في الدوام والواجب الحكومي، بينما يفعل الموظفون الرجال، وعلى الرغم من دوام «الشفتات» إلا أنهم يعملون ساعات إضافية، قد تمتد إلى كل ساعات الليل والنهار!.
إن تحدثنا عن الدكتور حيدر الزبن، فنحن نتحدث عن حالة قل نظيرها بين مسؤولي القطاع العام، وعلاوة على «عناده ودقارته» المعروفة والمأثورة عنه، بعدم تهاونه بتمرير مخالفة واحدة، مهما بلغت التدخلات والواسطات والخسائر، فهو شخص لا ينام تقريبا.. صدقوني ولا تتفاجأوا كما حدث معي، فليست قصة النائب الطراونة هي الوحيدة، بل إن الدكتور الزبن لا يذهب إلى بيته أحيانا، ويستمر في الدوام بمكتبه حتى بداية دوام اليوم التالي، وحين سألته عن الرقم الموجود على اللوحات وفي الاعلانات كرقم للطوارىء، معلن للناس، الذين بإمكانهم بل من واجبهم الإتصال عليه والإبلاغ عن أية مخالفة، تبين أنه رقم المدير العام للمؤسسة !، فالبلاغ يأتي اليه شخصيا ويقوم بمتابعته، وفي هذا الصدد يقول الدكتور الزبن: نعم، أريد من المواطنين أن يحرموني النوم، فهذا الرقم رقمي، وأنا مستعد لتلبية أي نداء أو اتصال من قبل أي مواطن وفي أي وقت من النهار والليل، وذكر لي الدكتور الزبن:
الليلة الماضية؛ اتصل أحد المواطنين، وقال لي بأنه قد ملأ سيارته «ديزل» من إحدى «الكازيات» لكنها توقفت، وقمت فورا بالذهاب إلى تلك ال»كازية» وتأكدت بأن ثمة خلل فيها، وقمت بإغلاقها ومنعها من العمل، وكانت الساعة 3 فجرا !.
الأمثلة الطريفة التي تعبر عن جهود هذه المؤسسة كثيرة، وهي ليست غايتي من هذه المقالة، بل أردت أن يعرف المواطن بأنه يمكنه الابلاغ عن أية مخالفة في مواصفات ومقاييس وجودة السلع «كل السلع»، حتى لو كانت «المتر» أعني أداة القياس المكونة من 100 سنتيمتر كما نعرفها في وحدة المقاييس العالمية، يقول الدكتور الزبن ضاحكا: يا رجل حتى المتر زوروه ونقصوا منه 3 سنتيمتر!..ضحكت مطولا من المعلومة ومن طريقة الدكتور البدوي الذي يدلي بالمعلومة باستهجان، وتأثر وكأنه عرفها الآن، يقول الدكتور حيدر: ينقصون من المتر 3 سنتيمتر، وحين تقوم باحتساب هذا الجزء الناقص، فهو يشكل 3% من سعر التكلفة، ويعود بالملايين على الشركة الأجنبية المصنعة التي تبيع هذه الأداة إلى دول كثيرة، لكنه يفسد المقاييس بين الناس، بلا علم منهم، فالذي يستخدم هذا المتر في الحياة العملية سيقوم بظلم الناس، ويفسد الدنيا على نفسه وعليهم. لا تكفي المقالة للكتابة عن هذه الجهود الجبارة المباركة التي تقدمها المؤسسة، لكننا نختصر ونطالب كل المسؤولين ان يلتزموا بالقانون كما يفعل الدكتور حيدر الزبن، ونطالب الحكومة بأن تعين مزيد من الموظفين في هذه المؤسسة فهي صمام أمان لا يختلف عن باقي المؤسسات التي تتكفل بأمن المواطن والوطن، فهؤلاء جنود فعليون، واللصوص الذين يستوردون السموم ويرتكبون المخالفات أكثر مما نتوقع او نتصور، ويديرون امبراطوريات تجارية عالمية، وهذه حقيقة تثبتها أرقام مؤسسة المواصفات والمقاييس، التي سنتحدث عنها مستقبلا..
سأنهي المقالة بمعلومة صادمة (47 تاجرا فقط ملتزمون بالقانون، من أصل 44 الف تاجر)، تابعوا حديث الزبن غدا الاثنين في الواحدة ظهرا لبرنامج الاعلام والشأن العام على أثير الإذاعة الأردنية. ibqaisi@gmail.com