خبايا الطرقات وخفاياها ..


ابراهيم عبدالمجيد القيسي
لم أكن أرغب بالحديث عن حوادث السير، وولوج هذا الصخب العجائبي الذي يصدر عبر الاذاعات ووسائل الاعلام المختلفة.. لكنني علمت هذا الصباح بخبر وفاة جارة لم اعرفها، إنما عرفت بعض أبنائها من خلال زمالتهم لأبنائي «في التوجيهي»، حيث انتقلت والدتهم إلى رحمة الله، بعد مكوثها أكثر من أسبوع في غرفة العناية الحثيثة في أحد المستشفيات، إثر تعرضها لحادث «دهس»، حين قام سائق متهور بصدمها بينما كانت تسير على الشارع لترتفع في الهواء جراء الاصطدام وتسقط على سيارة أخرى.. رحمها الله وأحسن مثواها، وكان في عون ذويها «أبنائها وبناتها، وزوجها، الذين كانت تعضدهم وتشد من أزرهم في مواجهة أعباء هذه الحياة»..انا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة الا بالله.
لا أعلم ما تأثير النجوم والكواكب وتعاقب الفصول على مزاج الكائنات البشرية، وأكاد أجزم أنه ثمة علاقة ما، إذ كنت ألحظ نشاطا موسميا استثنائيا يدب في أوصالي وخيالي كلما أقبل الربيع، ويحتدم النشاط في الصيف، فأحصد كثيرا من المواقف والمشاكل التي كانت "وسيلتنا" لقياس حرارة الصيف في سنوات أفلت مع نجومها وشموسها، فنقول هذا صيف لاهب كناية عن شدة ازماته.. أقول هذا في محاولة علمية بناءة لتقديم أسباب تفسر وجبة حوادث السير التي داهمتنا منذ بداية «سعد الخبايا».. يا ألله كم فيك يا سعد من خبايا وزوايا ونوايا :
حادث مروع على الطريق الصحراوي تجاوز عدد ضحاياه 10 أوادم، بين شهيد طرقات ومصاب أتمنى أن تكون اصابته بسيطة، وألا يعاني آلاما أزلية يتمنى معها لو قضى مع الآخرين، وسبق هذا الحادث وتلاه حوادث ووفيات، وأخبار لا تكاد تنقطع حول حوادث سير مؤسفة، مات فيها أبرياء وتركوا خلفهم حيوات وأبناء وبنات، ولا نتحدث عن أيتام وأرامل وثكالى، سيجابهون بعد الراحلين أياما عجاف عاديات بألم الفراق وافتقاد المعيل والشريك.. لا ترحم ضعيفا ولا بسيطا.
وخبيئة أخرى، تكمن في طلب النجومية الذي أصبح مرضا معروفا لكل شخص سقط في «قاع القفة» بالصدفة، فأراد أن يبلغ حجم أكبر نجم في كل المجرات، هذه أيضا من خبايا سعد الخبايا، فهؤلاء إعلاميوووووون، ولولا حجم ومساحة المقالة لمددت الكلمة على كامل أوراق الصحيفة، فهم هكذا يشعرون، ويطيشون على سؤال يجب أن يقدموه عبر الهاتف ومن خلف «مايك» إذاعي او غيره، وعلى الطرف الآخر، المتهم الأول وزير الأشغال العامة المهندس سامي هلسة، الذي يجب عليه أن يلتزم ويصمت ليسمع سؤال «عويدة الاعلام وصبيانه وفتيانه وفتياته»:
ليش طريق الصحراوي خربانة يا وزير؟ وأين الاسفلت؟ ولماذا يتأخر العطاء؟ جاوب يا وزير.. وإلى آخر الأسئلة التي أشعر بأنها تنتقل بعد مضغ من فم هاو إلى هاو آخر ليلوكها ويقذفها عبر أثيرنا وفضائنا، لتكمل دورتها حتى آخر عاطل أو عاطلة عن العمل، سلكوا سبل الخفايا فحصلوا على «مايك»، ليعبروا فيه عن عللهم المقيمة وأسئلتهم السقيمة: ليش ما تزبط الطريق الصحراوي يا وزير الأشغال !! .. وكلهم يريدون الوزير ان يجلس في مكتبه ليجيب على السؤال نفسه، الذي يتداوله صحفيون مهنيون وآخرون "معاتيه" ولا يكادون يفهمون قولا!.
سمعت الوزير يجيب على السؤال لوسيلة إعلام رسمية، وكان واضحا أن الوزير أصبح يجيب بفقرة كاملة، فيها معلومات وأرقام ولا يحتاج الإعلامي الحقيقي أن يقاطع الوزير قبل أن يكمل معلومته، ولا يحتاج لو كان مهنيا أعني؛ أن يستفسر بعدها عن سبب حادث القطرانة، ولا عن مصير عطاء إعادة تأهيل الطريق الصحراوي، فالإجابات مسؤولة ودامغة ولا تحتاج إلى «فهلوة»، بل تصبح من قبيل العباطة والتخويث وهدر الوقت والإساءة أيضا إن تم تكرارها من قبل أحدهم: (حادث القطرانة أولا هو قضاء وقدر، وسببه الفني «انفجار عجلة كاوتشوك»، ووقع الحادث في منطقة من الطريق الصحراوي، مستوية تماما ولا تحتاج إلى إصلاح، ولا مطبات او جور فيها..الخ).. وحديث طويل عن الخطوات التي قامت بها الوزارة منذ أكثر من عام لتأهيل مناطق على الطريق الصحراوي، تجاوزت 30 كليومترا في مجموعها، وتأخير عطاء إعادة تأهيل الطريق يعتمد على الشريك الداعم «خارجي»علما أنه سينطلق مع الصيف القادم ).. الخ. أنا متأكد تماما بأن الوزير سامي هلسة أجاب على السؤال عشرات المرات، وفي الوقت نفسه يوجد أكثر من 10محاولات اتصال تتزاحم على هاتفه، ولا يملك الرجل الوقت لإعادة الكلام لمن يفهم أو لا يفهم.. هذه خبيئة من خبايا سعد المقيمة، والتي تختلف عن تلك التي تنهض فيها مشاعر نائمة، كما تنهض ذوات الدم البارد من سباتها الشتوي، وتقبل على موسم جديد، وهذه المرة «إجت الدقة في الطريق والحوادث»..
أنا لا أحتاج أن اكون مكان الوزير الهلسة لأقول لكم: المعلومة وصلت لوسائل الاعلام الرسمية «بترا وتلفزيون واذاعة وصحف مهنية» وإذا لم تتوفقوا في التقاطها او فهمها، فأنصحكم سلوك طريق آخر غير الصحراوي لعلها تصلكم .. واللي مو عاجبه الكلام يركب طيارات.
دخلكوا: هل تعرفون أين يقع الطريق الصحراوي؟ كم مرة مررتم منه ؟ الموجب يناسبكم أكثر، اسلكوه ليلا أريح النا والكو.
فوق أعلاميتهم ومعلوميتهم، كلهم أصبحوا مهندسي كميات وطرقات وانشاءات وعلماء نفس وخبراء في التعاون الدولي والعطاءات !
إنا لله وإنا إليه راجعون. ibqaisi@gmail.com الدستور